المقالات

دكتور وليد شريف يكتب : صديق الحلو.. رحيل لثورة ضد السكون

نداء بالرفض يجعل من داخلي ممشاة حزن موجع تحركه أنين خطوات ذهول خاتمتها سقوط في هوة لا قرار لها من الأسى العميق .. نداء الرفض يلفه عدم التصديق وانا اقرأ كالعصفور بلله الشجى والنحيب.. أقرأ نعي صديقي وأستاذي ومرشدي الأول بالصحافة ودروب الإعلام والكتابة .. أمير القصة القصيرة بالسودان الأستاذ صديق الحلو..مرور اللحظات ومُرّها لا يحثو التراب على نداء الرفض بل يجعله في داخلي يعلو ويعلو حتى يفيض.. النداء يرفض هذا الرحيل المضني على نفسي، والشاق على قلبي..و العاصف على حياتي.. أعرف يقيناً أنه ليس كثير على رب رحيم غفور عبده المحبوب الراحل صديق الحلو..عبداً سماته كما قال عبدالله بن عمر : خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافاً لسانه عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم .. إلهي رب الناس محي العظام وهي رميم أنت قلت في محكم تنزيلك: خلق الإنسان ضعيفا.. وما أقسى وأنكى الحزن الذي يأخذ ضعيفاً يملك عليه تلابيب حسه ونفسه ويسلمه من عنت ذكرى إلى وجع ذكريات.. ومن تفاصيل دقيقة آهلة بالمواقف والحياة إذا أقبلت إلى تفاصيل أدق تحركها حكايا الأيام والشهور الأعوام إذا أدبرت .. التفاصيل الدقيقة الصغيرة هي سيف الحزن البتّار الذي يقطعنا أعشار.. أعشار عندما نفارق مَنْ نحب ونصطفي ونعاشر.. كم كان معذوراً نزار قباني وهو يستقبل مصيبة فقده بلقيس وهو يقول: بلقيس تذبحني التفاصيل الصغيرة في علاقاتنا.. وتجلدني الدقائق والثواني.. فلكل دبوسٍ صغيرٍ.. قصةً.. ولكل عقدٍ من عقودك قصتان.. الراحل الحلو هو
رجل كما قال عنه زهير بن أبي سلمى : *تراه* *إذا* *ما* *جئته* *متهللاً* *كأنك* *تعطيه* *الذي* *أنت* *سائله*.. رجل صيغت حبات حياته من الحيوية والنشاط والإنتاج هو كان ثورة العطاء ضد غول السكون وتوقف الإبداع الخاضع لمعادلات وهن العظم مني واشتغل الرأس شيبا..جُبل على العطاء وخُلق من العطاء..لذا كان حزنه عطاء.. ضحكه عطاء.. فرحه عطاء.. بل هو خير من ركب مطايا عطاء.. وكان أندي العالمين راح عطاء محبة لنفسه والآخرين.. أو كما قال جرير :
ألستم خير من ركب المطايا
وأندي العالمين بطون راح

.. مد لي يد العطاء ربع قرن من الزمان.. آمن بموهبتي كما ثبتت في الراحتين الأصابعُ.. وجهني وأنا اتلجج.. و قادني وانا أتعثر.. ولملم أشتاتي وأنا أتبعثر.. وصفق لي كثيراً وأنا ادخل عامي التاسع وأنا الطبيب ( كاتباً محترفاً)بصحيفة *الإنتباهة* .. مقدماً مشروعي الإعلامي الناجح بالصحافة السودانية.. مشروع ( الصفحة الطبية).. و خدمة وطني وأهله عبر منظومة متابعة محكمة من مجانية عيادة التشخيص والمقابلات والفحوصات.. صفحة تحريرها ينأي عن النمطية والتقليد.. صفحة كما كانت تزيد نسب توزيع الصحيفة في يومها.. زادت قناعة الناس يقيناً ( ان الطب ليس فقط سماعة يعانقها ميزان.. وإنما هو أيضاً أعمالاً لها أوزان)..

الأيام الفائتة والفرح طائر بأجنحة يرفرف بعيداً عني ، ويرمي ببذور الحزن لتنمو داخلي شجرة ممتدة عميقة الجذور.. الأيام مرت كالحة سوداء و أنا أدخل قروبات التواصل الإجتماعي على أمل تكذيب خبر الرحيل .. كنت أتمنى أن يكون الخبر إشاعة مرحة .. أطلقها صديق الحلو *كقصة* *جديدة* ليعرف بها مكانته في قلوبنا..قصة يقول فيها الحلو بسرده الماتع الذي ينأي عن ملل الأقلام :
لم تحتمل بطارية جوالي سيل المكالمات التلفونية التي لم تنقطع، وأنا أعلن دعابةً خبر رحيلي..صديقي عاشق الفلسفة وجدل إفلاطون الصاعد و الهابط عنفني بشدة وهو يعلو بنحيب قطع أوصالي قبل الأسلاك.. فقلتُ له مداعباً : أليس لديكم في الفلسفة الوجودية ان الوجود سابق للماهية والجوهر. . وانا أردت أن أعرف جوهر محبتكم لي بإشاعة عدم وجودي بينكم.

.. اللهم أغفر لعبدك صديق الحلو.. اغفر له بعدد الرمل والحصى، هو كان عبداً صالحاً ماداً قلبه بلا إبطاء نبضات للآخرين.. فلطفك يا حليم بنا فقد ابتليتنا عظيم ابتلاء بوجع فقده ورحيله عنا…لا حول ولا قوة الا بالله.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مواضيع ذات صلة

بُعْدٌ و مسَافَة .. مصطفى أبو العزائم يكتب: الروس قادمون

عزة برس

العطا لمن عصا بقلم: بدر الدين عوض الله المحامي

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: بعد إنقلاب عربته بالأربعة من زادنا طه حسين للأسافير

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: كري المدني: (الشهادة السودانية والجنسية الخضراء ام خرتيت) ..!

عزة برس

شيء للوطن.. م. صلاح غريبة – مصر السودان، حربٌ على النسيج الاجتماعي أم حربٌ على الشائعات؟

عزة برس

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

اترك تعليق