منوعات

زواجُ الشيخِ إبراهيم ! .. قصة لهاشم محمود

تحت تلك التلة دارت أحداثٌ كثيرة؛ فموقعها بالقرب من ذلك النهر الموسمي الجريان حباها بعدًا جماليًا ومناظر خلابة. سكانها يشتغلون بحرفتي الفلاحة البستانية والرعي، وموسم الخريف يمثل شريان الحياة بها، حيث زراعة المحاصيل مثل الذرة بنوعيها الرفعية والشامية وبعض الخضروات.
وليس من السهل أن يروىَ الفلاحون أرضهم من ماء النهر؛ فالوصول اليه صعبٌ جدًّا. إنهم يتعبون كثيرًا في حياتهم، ولكن نعمة الرضا والقناعة تمنحهم من الصبر والجلَد ما يعينهم على تحمل مشقات الفلاحة ومتاعبها.
كلُّ أبناء القرية القريبة من هذا التل طيبون وادعون، معظمهم أميون، لم يدخلوا مدرسةً ولا جامعة، ولم ينتفعوا من الكتَّاب صغارًا إلا حفظ ما تيسر لهم من سور القرآن الكريم القصار التي يقرؤونها في صلواتهم. وقليل منهم يجيد القراءة والكتابة، ويعرف بعض قواعد الحساب الأساسية. ويجمع بينهم احترامهم للعلم وتقديرهم لأهله. وكان في مقدمتهم الحاج ابراهيم إمام المسجد، وهو خريج إحدي الجامعات الاسلامية تخصص شريعة؛ وله بينهم مكانة عظيمة وهيبة كبيرة؛ فهو القاضي ومقرئُ الأطفال بتلك الخلوة الملحقة بالمسجد .
يومُ القرية هادئٌ وجميل. ومنذُ الصباح ينقسم أهلُها إلي قسمين: الأطفال الي تحفيظ القران لمدة ساعة ومنها كل الي مهمته الخاصة مابين رعي للأغنام والماعز او حمل الوجبات ألي الفلاحين، وكبار السن يجلسون بحلقات حول تلك التلة. وكان من عادة الشيخ إبراهيم أن يتفقد بستانه ويعود قبل الظهيرة؛ فمهمته الأخرى والأهم هي الصلاة الراتبة .
والشيخ له زوجةٌ وثلاث بنات، أعمارُهن بين الخامسة عشرة والتاسعة، وكان من أهل القرية ووجهائها من يحثُّ الشيخ كثيرًا علي الزواج من أخري؛ فهو لا شكَّ محتاج إلي أبناء من الذكور، يعينونه في أعماله، ويحملون معه هموم الأسرة. ولكن الشيخ لم يكن يبالي بهذا كثيرًا، ولا يشغل باله به، وظلَّ يمارس مهمته الدينية والمجتمعية بكل هدوء.
ومن العجيب أن بعض الشباب في كل عقيقة تجمعهم بالشيخ إبراهيم كانوا يسألونه في دعابة مهذبة: متي الزواج يا مولانا؟! فكان يومئ برأسه باسمًا، دون أن ينطقَ ببنت شَفة.
ولم يكن شباب القرية ورجالها يكتفون بالإلحاح على الشيخ أن يتزوج، بل إنهم اتفقوا فيما بينهم على أن يورطوا الشيخ في الزواج؛ رغبةً منهم قي أن يخرج الرجل من حياته الضيقة التي رضي بها فحبس نفسه فيها، وإحساسًا صادقاً بأن الشيخ يستحق أن يكون له ولدُ ذكرٌ، يحمل اسمه من بعده ويسعده في كهولته وشيخوخته.
تطوع أحدهم قائلًا: عليَّ الزوجة.
وقال رجلٌ آخرُ: وأنا عليَّ مهرُها.
وقال ثالثٌ: أمَّا حفل الزفاف فعليَّ أنا.
دُهِش الشيخ مما يقولون، وأدهشه أكثر أنهم كانوا جادين في الأمر، ولن يتنازلوا عن رغبتهم وما خططوا له. فوجد نفسه محاصَرًا به، ولم يجد مفرًّا من قبول الأمر وإتمام الزواج. وبهذه الطريقة الغريبة تم الإعداد للزواج، وكأن الصدفة وحدها هي التي رتبت اللقاء .
بعد ساعات قليلة التقى حشد من كبار القرية ورجالاتها بالمسجد الجامع، فأبو العروس قد حسم أمره وهيَّأ ابنته للزواج بعد أن أخذ رأيها ووافقت. وبرَّ الآخران بما تعهدا به، أمَّا الشيخُ فقد كان يوزع الابتسامات هنا وهناك، منشرح الصدر فرحًا، وكأنه يبدأ عمرًا من جديد.
بنى الشيخ بزوجته الجديدة، بعد أن زفَّت إليه في احتفال لم تشهد القريةُ مثله، حضره الكبار والصغار، فأكلوا وشربوا، ورقصوا وابتهجوا. وترددت أصوات الزغاريد هنا وهناك، ولم يكن هنالك بيت في القرية إلا وشاعت فيه أصداء الفرحة بزواج الشيخ إبراهيم؛ حتى زوجته الأولى وبناته منها، كنَّ في منتهى السعادة والرضا؛ فهن يسعدن بما يسعد الشيخ، ويثقن أنه لن يغير معاملته معهن ولا اهتمامه بهن، ويتمنين هن الأخريات أن يرزق الشيخ بولدٍ يكون لهم عزًّا وسندا.
دخل الشيخ بزواجه الثاني عهدًا جديدًا، وكانت زوجتاه في غاية الوئام والمودة. ولم تمض سنةٌ واحدةٌ حتى رُزِق الشيخ بمولودٍ ذكَر، فغير حياته كلَّها وبدَّلها تبديلًا؛ لإاقبل على الحياة نشطًا مبتهجًا، ينتظر مرور الأيام ليرى ابنه رجلًا مِلْء العين، يرافقه في عمله وكفاحه، ويأخذ بيده حين تجور عليه الأيام. أمَّا أهلُ القرية فكانت سعادتهم عامرةً حين رأوا شيخهم أباً لولد، ثم ثانٍ ثم ثالث. صاروا كلهم من أنبه شباب القرية وأتقاهم.
وظلُّ الناسُ لسنين عديدة، يتذكرون في مجالسهم الطيبة قصة زواج الشيخ إبراهيم، ويتعجبون من صنع المقادير وتدبيرها، وحمة الخالق الرازق الذي ” يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”.

مواضيع ذات صلة

طفل يصف قصة خروجه من بين يدي المليشيا من مدني وصولا لاحدى الولايات

عزة برس

شاويش.. ياهو.الامير يوم طلتو

عزة برس

“عبدالله ودالكرنكي “…قصة مطرب ارتبط اسمه بـ«الكآبة»

عزة برس

هدى عربي تطلق اغنية جديدة بعنوان “أخوي سيرو”

عزة برس

الزمالك المصري يتأهل لنهائي كأس الاتحاد الافريقي

عزة برس

باريس سان جيرمان بطلاً للدوري الفرنسي للمرة الـ «12»

عزة برس

اترك تعليق