المقالات

الجُمْجُمة .. بقلم : ابراهيم أحمد الحسن

تناول ( الخائن ) من تحت طاولة الطعام الفخمة جمجمة, وضعها امامه الي جوار الصحن الذي تناول فيه طعامه في معية ضيوفه ولم تزل تعلق بحوافه بقايا فتات طعام النبلاء. وضع (الخائن) الجمجمة امامه ووضع يده اليسري علي قمة النافوخ والجمجمة غائرة الاعين تغوص فتحاتها داخل محاجر الانف وتنسرب الي داخل التجويف العظمي للرأس، ويفتر هيكل عظام الفك حول الفم مكشراً بالاسنان بما يشبه ابتسام الوجع. طفق (الخائن) يتكلم بهدؤ ان هذه الجمجمة تعود الي شخص كان يخدم في مزرعة الاسرة ، خدم مع جده ، ثم مع ابيه ثم اشرف علي تربيته هو شخصياً، يسأل (الخائن) لماذا لا يقدم هؤلاء الذين يقومون بخدمتنا بقتلنا ؟ ارتفعت حدة صوته وتعالت نبرات الصراخ !! لماذا لم يقتل صاحب هذه الجمجمة ابي وقد كنت اراه كل مرة يقوم بحلاقة شعر والدي بموس حادة وقد استسلم له تماماً وتله الجبين؟ لا يقومون بذلك لان لهم جماجم مختلفة,لا تشبه جماجمنا قال الخائن. لا تشبه جمجمة اسحق نيوتن او غاليلو. وبحركة هيستيرية تناول (الخائن) منشار وقام بقطع الجمجمة من الخلف،اشار الي ثلاث نقاط في التجويف العظمي للجمجمة. هنا وهنا ثم هنا وصرخ بان هذه النقاط مسئولة عن العبقرية ، والابتكار ومقاومة الخنوع وحسن التصرف وهو ما يعوز صاحب هذه الجمجمة، ثم تناول مطرقة كبيرة ووضع رأس (البطلة ) تحت مرماها وصرخ بانه سيحطم جمجمتها ان لم يتم الاستجابة لمطلبه بدفع مبلغ من الدولارات بل سيقوم بفتح جمجمتها واحداث النقاط الثلاث من داخل التجويف العظمي للجمجمة. تم ذلك تحت سمع وبصر (البطل) وصديقه . تم دفع المبلغ بواسطة صديق البطل واكتملت الصفقة الا ان التطورات الدراماتيكية التي تقتضيها الحبكة انتهت بمقتل ( الخائن ) وصديق (البطل) وجرت احداث كثيرة تحت جسر مياه الفلم ووصل الي النهاية السعيدة المحتومة في الافلام بان اخذ ( البطل ) المثخن بالجراح والكدمات (البطلة) علي ظهر حصان وانطلقا يطويان الارض طيا في الفيافي والوهدان ، هذه هي احداث الفلم ديجانغو الحر، لم يوفق الفلم حسب رأي النقاد في كثير من جوانبه وخاصة في ملامسته لقضية العبودية في السابق الامريكي اذ انه تناولها لماما ولم يناقش اي من جوانبها القانونية والانسانية والاخلاقية.
ما لفتت انتباهي بشدة في الفلم الجمجمة التي يلعب بها الثري (كالفن كاندي) والذي ادي دوره الممثل ليوناردو دي كابريو، وهو يتحدث عن العلامات الثلاث التي تفتقدها الجمجمة.
لفتتني جمجمة كالفن كاندي مثلما لفتتني إبان دراستي للقانون نظريات تشيزرى لومبروزو العالم الايطالي مؤسس نظرية “الرجل المجرم” والتي أثبت فيها أن الجانى إنسان بدائى يتميز بملامح خاصة توفرت بعد ان انتقلت اليه بالوراثة. ولكي يثبت نظريته قام لومبروزو بفحص وتشريح عينات من جماجم مجرمين أحياء وأموات بنى على اثرها أسس لنظريات سلوك المجرمين، ووصل إلى اعتقادات تثبت للجميع أن المجرم ولد ليكون كذلك، ويعتبر العالم الايطالي أول من حاول الربط بين الشكل الفيزيائى للمجرم وطبيعة إجرامه، وقد تعرضت نظريته لبعض النقد الذي يقول انه أهمل الجانب البيئى الذى هو من الاهمية بمكان كونه عاملا مهماً ومساعدا في دعم عمليات إنتاج المجرمين. خلاصة نظرية لومبوروزو “المجرم ولد ليكون مجرمًا”.
جماجم أخرى تراصت امامي بالعشرات نظيفة وصقيلة يتلألأ أعلى رأسها الضياء، التفت الي صديقي واقفا الي جواري لارى تعابير وجهه، وجدته هادئاً يمسك بالكاميرا ليصور جمجمة تبتسم في وجه كاميرته بتكشيرة الموت. العام عشرين عشرين يلملم اطرافه استعداداً للرحيل دلفنا الي المتحف التذكاري للإبادة الجماعية في مدينة كيغالي عاصمة رواندا والذي يؤرخ للابادة الجماعية التي حدثت العام 1994, حين قتل في مائة يوم حوالي مليون شخص وأبيد قرابة ال75% من قبيلة التوتس. صعدت هذه الارواح الي بارئها لتحكي عن ظلم الانسان لاخيه الانسان.
وقفنا نشهد نصب خزان المياه الضخم في تلكم القرية البعيدة واهلها من حولنا فرحين ، امسك أحدهم بمعول يحفر اسفل برج الخزان، علق المعول بجسم صلب، حاول الرجل رفعه الي اعلى فاذا به يقتلع جمجمة من هيكلها العظمي, اطلقها تتدحرج من اعلى التلة الي مهبطها عند السفح، عشرات الصبية تابعوا هبوطها جرياً الي اسفل التل.الرجل الذي اقتلع الجمجمة، اتكأ علي عود معوله ليقول لمن حوله ان هذه الارض في ماض سحيق كانت مقبرة.
جمجمة (الخائن) عند ديجانقو، وجمجمة المجرم بالسليقة عند لومبورزو وجماجم ضحايا الابادة الجماعية في متحفها التذكاري في كيغالي، والجمجمة المتدحرجة من اعلى التل، تخفي خلفها قصص وروايات الحتوف والنظريات المترفة، تحكي رعب الموت المجاني، تحكي عن لا مبالاة انسان يزرع خزاناً للمياه علي انقاض جمجمة تتدحرج الي اسفل التل.
تنبع حكايا الجماجم من نسج الافلام او نمثل الحقيقة المرة بلا مساحيق وتظل الحكاية الماثلة بلا خاتمة وبدون تمهيد “ظلم الانسان لاخيه الانسان ” تكشر عن انيابها جمجمة تبتسم في وجه الموت .

مواضيع ذات صلة

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب: من يجرؤ على الكلام..!

عزة برس

محمد عبدالقادر نائبا للرئيس.. الاتحاد العربي للاعلام السياحي يعلن تشكيل مجلس ادارته الجديد.. الاعلان عن فعاليات في مصر والامارات والسعودية وسلطنة عمان

عزة برس

على كل.. محمد عبدالقادر يكتب: الامارات.. كيد وتطاول و( بجاحة)

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: رفقا بالجنرال عقار… وهؤلاء !!

عزة برس

عمار العركي يكتب: خبر وتحليل: – مجلس الشيوخ الامريكي ومجلس الشيخ الإماراتي

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: ايها السادة .. انتبهوا !!

عزة برس

اترك تعليق