المقالات

لنا كلمة ..سعد محمد أحمد يكتب : جريمة إعادة التدوير ل (ال بترودولار

آثار تراكم سياسة الأقوياء على الضعفاء عبر وصفات المؤسسات المالية المانحة التي حولت دول كثيرة حول العالم من الوفرة والتصدير الى الندرة و الاستيراد دورا مهما في ذلك وبدعم النظم العسكرية الحاكمة في البلدان النامية والسودان إحدى ضحايا تلك السياسات بعدما كان الجنيه السوداني تعادل قيمته الحقيقية أكثر من ثلاثة دولارات أمريكية في بداية السبعينات من القرن الماضي أصبح سعر الصرف اليوم مايقارب ال ٦٠٠ الف جنية للدولار الواحد وبعدما كان يعتمد على الصادرات  أصبح يعتمد على الاستيراد حتى في حاجته الأساسية وبدأ هذا التدهور في النصف الثاني من عقد السبعينات في عهد العسكرتاريا نتلقى المنح والمساعدات والقروض.
هناك تداخل عميق بين المجال الاقتصادي للمال والأسواق والتمويل والتجارة والثروة وبين المجال السياسي للسلطة والسيطرة والصراع الدولي، يعد العالم النقدي مجالا هرميا داروينيا وتنافسيا تشابك سلوكياته بشكل كبير في الحقائق السياسية المرتبطة بالاصطفافات الدبلوماسية والحروب والاتفاقيات التوافقية والقوة الصلبة والاطر المؤسسية للحكم المتعدد الأطراف وتطور الهيمنة العالمية وديناميكيات القوة غير المتكافئة والظواهر الجيوسياسية لتشكل النظام النقدي والمالي للشعوب ومن ناحية أخرى من المهم أيضا فهم كيف يمكن للموارد الطبيعية ان تعزز قوة العملة.
البترودولار هو التعبير الذي نشأ بعد ارتباط النفط بالدولار الأمريكي جاء على انقاض حرب ١٩٧٣ الاتفاق كرس هيمنة الدولار بعد انهيار اتفاق (بيرتون وودز) الذي كان يربط عملات العالم بالدولار  والاخير بالذهب بمرور الوقت اتضح أكثر ان نظام برايتون وودز غير قابل للاستدامة ولا سيما ففي عام ١٩٦٥ شنت الولايات المتحدة حربا شرسا على فيتنام حيث غرقت في مستنقع كبدها خسائر مالية وبشرية ضخمة أسفرت عن انهيار بيرتون وودز الذي منحها وزنا اقتصاديا هائلا ما راكم ديونا كبيرة على الولايات المتحدة و ادى الى عجز سنوي هائل في موازنتها، لمواجهة ذلك اضطرت أمريكا ان تطبع كميات هائلة من العملة الخضراء لتسديد الديون وتسربت العملة الخضراء الي خارج الولايات المتحدة  بنتيجة توجه الصناديق الاستثمارية نحو أسواق خارجية هكذا سادت كتلة الدولارات الأمريكية الموجودة خارج أمريكا في مقابل ديون مثيرة للقلق ولا سيما قلق قوى اقتصادية كبرى الذي جعل هذه القوى الكبرى تشكك في قدرة أمريكا على تسيد الاقتصاد العالمي ما اطلق موجة شراء الذهب من الاحتياطات الأمريكية بالسعر الثابت وفق اتفاق بيرتون وودز فإنه في مقابل ارتفاع كتلة الدولارات في الخارج انخفضت موجودات امريكا من الذهب، في أعقاب ذلك اضطر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون  ان يعلن في عام ١٩٧١ وقف العمل باتفاق بيرتون وودز  اي إعلان نظام غطاء الذهب للدولار، إنهاء نظام بيرتون وودز يعني فقدان الحافز لطلب الدولار من قبل دول العالم فالضمانة التي كانت تمثلها العملة بأنه يمكن استبدالها بالذهب في اي وقت قد انتهت (الطلب المصطنع).
لذا كان على الرئيس الأمريكي نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر مسؤولية إيجاد طريقة أخرى تحفز طلبا مصطنعا على الدولار وبالتالي تبقيه العملة السيدة للنظام المالي العالمي وأتت الفرصة عام ١٩٧٣ حرب اكتوبر التي قامت فيها السعودية بقيادة الملك فيصل  بفرض حظر نفطي على الولايات المتحدة الأمريكية فجرت هذه الأزمة أزمة في توريد النفط الي أمريكا مع ارتفاع سعر النفط السعودي هذا الامر أحدث هزة كبيرة  في الدبلوماسية الأمريكية وطريقتها في التعامل في موضوع النفط جاء هذا الاعتراف في كتاب جون بيركنز (اعترافات قاتل اقتصادي مأجور) وانه في ذلك الوقت تحول توريد النفط الي أولوية أمريكية الي هوس وادركت أمريكا أهمية الاستراتيجية للسعودية بالنسبة إليها هكذا تحولت الأزمة الي فرصة عام ١٩٧٤ تمكنت أمريكا من انتزاع اتفاق يعيد لها الهيمنة من خلال ربط سعر النفط بالدولار  يومها أوقفت السعودية الحظر النفطي على أمريكا وارسي نظام البترودولار النظام الجديد شكل النقد العالمي ومازال العمل به مستمر فالاتفاق بين السعودية وامريكا قضى ان تقوم السعودية بتسعير نفضها بالتالي بيعه بالدولار الأمريكي كما قضى ان الدولارات لتي تتلقاها السعودية مقابل نفطها يتم توظيفها في سندات الخزينة الأمريكية. أصبح الاتفاق بمثابة ضمانة لاستمرار البترودولار بالهيمنة على النظام المالي العالمي يجعل الدول تسعى الي الحفاظ  على احتياط بالدولار لضمان استدامة القدرة على الاستيراد والدولة التي تريد أن تبني احتياطات بالدولار تحتاج إلى طلب الدولار مقابل صادراتها، هذا الأمر اعطي أمريكا الحرية في طباعة ما تشاء من الدولارات من دون أن تكون مقيدة بضمانات كالذهب.
الحرب الروسية الاوكرانية احدثت تغيرا أو على الأقل ثغرة واسعة في بنية النظام المالي العالمي السائد فقد كانت روسيا جاهزة لكسر هيمنة الدولار تجنبا للعقوبات الأمريكية فروسيا اكبر مصدر للغاز وثالث مصدر للنفط في العالم  وعلى الدول ان تدفع بالروبل فان اكتساب الحصة السوقية والحفاظ عليها وتوسيعها واجبار الدول على التعامل بالروبل يمكن القول ان لهذا الأمر انعكاس لا بأس به على نظام البترودولار مع سياسة تسعير الغاز والنفط الروسي بالروبل وحاجة العالم للقمح الروسي والاوكراني   برزت مراحل كسر الهيمنة الأمريكية من دون أن يتضح ما هو حجم الاختلال الذي لحق بهيمنة الدولار على العالم وعمق هذه الفتحة في جداره حتى الآن بات واضحا ان غالبية الدول الاوروبية اذعنت للروبل، إنما هل يمكن أن تراكم العملة الروسية طبقات من المكاسب في النظام المالي العالمي؟
الطريق إلى البترودولار لم تكن سريعة وسهلة إنما طغت عليه الحروب التى منحت أمريكا هيمنة شبه مجانية بسبب الخسائر اللاحقة بأوروبا فالحرب العالمية الثانية انهكت الاقتصادات الكبرى في العالم وجردتها من عناصر قوتها ومن مواردها وافرزت على انقاضها نظاما اقتصاديا ومن تداعيات ذلك اتفاق بيرتون وودز ١٩٤٤ ومع تفاقم التضخم عالميا اليوم الأكثر ترجيحا لارتفاع الدولار الاقتصاد آت الناشئة والنامية والعديد منها لديها ديون كبيرة مقومة بالدولار فتفاقمت بسبب الاتفاق المالي وعندما يرتفع سعر الدولار تزداد اكلاف  خدمة الدين بالعملة المحلية ويمكن الجمع بين ارتفاع اسعار الفائدة العالمية والدولار الي أزمات سداد الديون تدفع بعض البلدان الي إعلان افلاسها.
هذه قراءة سريعة توضح حجم الأزمة وحجم الهيمنة المصطنعة وبصرف النظر عن القوة الاقتصادية المطلقة للولايات المتحدة فان قوة مدعومة بالقوة العسكرية الأمريكية وقياداتها  بلا منازع في الأسواق الدولية وأكثر من اي وقت مضى أصبح مجال المال ساحة شرسة للمنافسة الاستراتيجية العالمية لتعمل العملات والأصول النقدية والأدوات المالية  كأسلحة ودروع وأهداف هي حقيقة محيرة ومعقدة للغاية يجب أن تستوعبها نخب الاقتصاد والسلطة والسياسة في السودان من الحكام والاستراتيجيون لقد تعرضت بلادنا الي تدمير اقتصادي ممنهج ومخطط من الصناديق الدولية بانفاذ خططها، في ظل أنظمة العسكرتاريا الحاكمة التي بلغت سنين، حكمها أكثر من خمسة عقود ونصف عقد من تطبيق روشتات صندوق النقد الدولي وسياسات البنك الدولي الواجهات الأمريكية الإمبريالية، الآن علينا استثمار مواردنا الطبيعية لنعيد للعملة السودانية حيويتها وقوتها والعالم في حاجة إلى المنتجات الزراعية الحيوانية السودانية والي مواردنا المعدنية في باطن الأرض على رأسها الذهب ليبقى سعر صرف الجنيه السوداني أربعة دولارات للجنيه الواحد ليست هذه أمنيات إنما قراءة لسياسات اقتصادية حقيقة غير مصطنعة.
………………………………..
الخرطوم27يونيو2022

مواضيع ذات صلة

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

كلام سياسة.. الصافي سالم أحمد يكتب: وزير الخارجية : ملفات في الانتظار

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: يا نجوى كلنا فى الحكمة شرق

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: إعدام وزير ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: من يستحى لهولاء من؟

عزة برس

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب: من يجرؤ على الكلام..!

عزة برس

اترك تعليق