الأخبار

همس الحروف.. أدركوا التعليم العالي قبل فوات الأوان بقلم : الباقر عبد القيوم علي

ليس هنالك غرابة أن يهلكَ الجاهل نفسه ومن حوله بما أصابه من جهل ، و لكن من الغريب جداً أن تتسبب زيادة المعرفة في إهلاك اهل العلم و من معهم من عموم الناس ، و يتم ذلك بآرائهم التي تكون في أغلب الأحيان مرتجلة و غير مدروسة العواقب ، فإذن ما هي فائدة الشهادات التي يحملها هؤلاء إذا لم يرفع عنهم العلم الكوارث التي تأتي كخلفية لآرائهم ، بحيث تجعلهم يعرفون متى يتحدثون و متى يصمتون و كيف تبنى الأوطان بهذه العلوم المكتسبة

يحكى أن حكماً بالإعدام صدر على مجموعة من الناس ، و من ضمنهم كان هنالك رجل دين و محامياً ، وفيزيائياً ، و في يوم التنفيذ سألوا رجل الدين وقالوا له : هل من كلمة أخيرة تقولها قبل التنفيذ ، فبعد أن نطق بالشهادتين قال لهم أن الله سينقذني لأنه يعلم بأنني مظلوم و حينما تم إفلات حبل المشنقة توقف الحبل قبل سنتيمترات قليلة من رقبته و لم يقبض الحبل على أنفاسه ، فهتف الحاصرين بأطلاق سراحه .

فبعده جاءوا بالمحامي، وقالوا له مثل ما قالوا لرجل الدين : هل من طلب أخير قبل التنفيذ تقوله ؟ فقال لهم : أن العدالة ستنقذني! ، فقاموا بإفلات حبل المشنقة فتوقفت الحبل قبل سنتيمترات كذلك من رقبته أيضاً ، فسر الناس لذلك و هتفوا بأطلاق سراح المحامي ، و إعتبروا أن رجل الدين و المحامي مظلومين و لهذا أنقذهما الله من حبل المشنقة و تم اطلاق سراحمها .

و بعد ذلك جاءوا بالفيزيائي و قالوا له : هل من شيء أخير تقول قبل التنفيذ ؟ ، فقال لهم : إن الأمر و ما فيه أنه توجد عقدة في حبل المشنقة و هي التي تجعلها تتوقف عن العمل بصورة جيدة و لذلك نجا منها رجل الدين والمحامي ، و سأنجو أنا كذلك بفعل هذه العقدة ، فما كان منهم إلا و أن قاموا بحلَّ العقدة ، و تم إفلات حبل المشنقة فشنق الفيزيائي و مات نتيجة تبرعه بمعلومة كانت هي الأخطر على حياته و هي تعتبر من حصاد علمه المتراكم عبر سنواته الطوال ، حيث تسبب في موت كل الذين جاءوا من بعده ، فيا تري هل كان ذلك نتيجة جهل منه أم زيادة في معرفته؟ .

سئلت عالمة الآثار بروف إنتصار صغيرون وزيرة التعليم العالي و البحث العلمي السابقة في إستضافة تلفزيونية لها أبان توليها الوزارة ، عن ماهية خطة الوزارة للحد من هجرة الخبرات التي أفقرت الجامعات و خلقت ندرة في الكفاءات ، فكان ردها يصف مدى وعيها الذي يستوعب حالة البلاد الإقتصادية و السياسية بالإضافة إلى حاجة الدولة إلى المضي قدماً بالتعليم ، بالإضافة إلى معرفتها بحاجة الأستاذ الجامعي و سعيه الدؤوب من أجل تحسين ظروفه المعيشية ، فكانت شفافة و صادقة فلم تأتي بأحلام وردية تقطعها لطلاب الجامعات و كما لم تطالب بمنع الكفاءات من المغادرات الى خارج البلاد و التى كثرت في الأيام الأخيرة ، حيث أفسحت المجال للأمل و وعدت بتوسيع قاعدة المشاركة مع أساتذة الجامعات في دول المهجر و الإغتراب ، و فتحت شراكات ذكية مع أميز النخب التعليمة و الكفاءات في طرق رفع فرص المشاركة عن طريق التعليم عن بعد ، و ذلك بعد نجاح معظم الجامعات في تأسيس وسائل التواصل ال(أون لاين) عبر التقنيات الحديثة ، و ذلك من واقع خبراتها التراكمية كأستاذة جامعية ، فلم تقوم بوضع أي عراقيل أمام الأستاذة الذين يسعون في تحسين أوضاعهم و خصوصاً الذين صبروا على ظروف البلاد على الرغم من شدةالمعاناة بالتحايل على الظروف المعيشية القاهرة بتوسيع قاعدة مشاركتهم في أكثر من جامعة .

لا أريد أبن أخلق مقارنة بينها و بين من خلفها في كرسي الوزارة و هي في الأصل غير متكافئة ولكن الفرق يظهر جلياً في الأداء العام للعيان من خلال حزمة التخبطات التي دأبت عليها الوزارة في الأيام الأخيرة من إفتعال و إختلاق إمور لا تليق بسمعة الوزارة ، و التي ستدني من مركزها كقائد لدفة البحوث العلمية ، فهل يا تري كان ذلك نتيجة إستعلاء كبار موظفيها على الناس أم من واقع جهل مستشاريها بمتطلبات المرحلة ، أم من باب الإنتقاص من حقوق الآخرين ، فتارة نجدها تتدخل في ما لا يعنيها كحالة جامعة أفريقيا العالمية التي تصف قمة التخبط في المشهد المأزوم داخل مكتب السيد الوزير و مكتبه التنفيذي ، و كما تقف هذه الحالة شاهداً على سوء تقدير المواقف ، و تارة أخرى تنقصها الحصافة و الرزانة في التعامل مع الجامعات و الكليات العليا فكان خطابها معهم بصورة تفوق حد التصور و التي تصف حالة عدم إتزان مزاجهم العام كتركيبة (سمك ، لبن ، تمر هندي) فتشابه حال القصة التي وردت لإبن الجوزي ، حيث رأت فأرة جملا فأعجبها لتتزوجه … فجرت خطامه فتبعها ..فلما وصل إلى باب بيتها وقف و نادى بلسان الحال وقال لها : إما أن تتخذي دارا يليق بمحبوبك .. أو محبوبا يليق بدارك ، حيث أصبح المكتب التنفيدي للسيد الوزير أداة سيئة التقدير أدت إلى تحجيم دور هذه الوزارة .

فيا سيادة الوزير (المكلف) يجب أن تصطحب معك دائماً هذه الحكمة التي تقول: (المناصب كظل زائل و ضيفاً بات ليلاً فارتحل) ، فلا تربط نفسك بها و خصوصاً التى تأتي تحت بند (التكليف) كحالتك ، فهي مقادير تأتي و تذهب بمشيئة الرحمن، فإذا كان يشار إليك اليوم بالبنان فربما تكون غداً سيرة ذاهبة لا تذكر إلا بما أنجزت من خير أو شر .

ما يجعل الوطنيين من أساتذة الجامعات البقاء في السودان في ظل تركيبة هذه الظروف الإقتصادية المعقدة هو مشاركتهم في أكثر من جامعة بغرض التدريس التى توسع عليهم في المدخلون ، و يا ليت المجني من ذلك يغطي مصروفاتهم و إلتزاماتهم ، فقل لي بربك من أين أتيت بهذا القرار الذي بمنع اساتذة الجامعات الحكومية من العمل في الجامعات الخاصة ، فكيف هذا القرار أتى بدون أدنى إعتبار لحقوق هؤلاء الأساتذة ، و الذي لن نجد له تفسير خلاف أنه أقوى أدوات الهدم لمؤسسات التعليم العالي الحكومي و الأهلي ، فمثل هذه القرارات إذا إفترضنا لها ضرورة يجب ألا يتخذها وزير مكلف بالمنصب لانها تحتاج إلى دراسات متأنية لكل الإحتمالات و التي قطعاً ستحول الجامعات الحكومية إلى مباني خاوية على عروشها من هيئاتها التدرسية ، و حال وزارة التربية و التعليم يخبرنا بما آلت إليه المدارس الحكومية بعدما دخلت المدارس الخاصة كمنافس لها ، و من حيث المبدأ يتحمل الاستاذ الجامعي كل الواجبات التدريسية في الجامعة المعينة مع الأخذ بعين الإعتبار بأن ليس للجامعة التى يدرس فيها سلطان عليه ، فهذا القرار يعتبر بمثابة التشكيك في وفائه بالتزاماته الأكاديمية ، فبالله عليك يا سعادة الوزير هل في يوم ما إستطاع القطاع العام هزيمة الخاص ؟ و كما يجب أن تعلم أن التعليم الخاص في كل العالم هو الزراع الأيمن الذي يرفد الدولة في ما عجزت عن تقديمه عبر جامعاتها الحكومية إذا كانت هنالك خطط مدروسة ، و كذلك بناء قيمة مضافة لنهضة التعليم العالي ، فنجد في الدول التى تحترم مؤسساتها تسعى في دعم التعليم الخاص بالكفاءات و التدريب والقرارات المشجعة التي تصف الوعي العالي لمتخذيها من أجل تحريك عجلة اوطانهم إلى الأمام ، وليس كوطننا هذا الذي إبتلاه الله بالكفوات حتى لا يتمكن من الخروج من حفرته .

هذا القرار المرتجل لا تثبته شعب و ليس له أركان ، و لهذا لن يصمد طويلاً مقروءاً مع قصر فترة التكليف التى لن يمكث الوزير فيها طويلاً في هذا الكرسي ، و خصوصاً أن هذا القرار الذي أصدره يعتبر من أغرب القرارات ذات الأثر السلبي على مؤسسات التعليم العالي الحكومية و الخاصة على حد سواء ، و كما له إسقاطات ستخصم من العملية التعليمية العليا في كامل الوطن ، حيث تقول الحكمة : إن عزت الدنيا على الظالم بالجور ، فأن ذل الآخرة يأتي إليه بالعدل .

مواضيع ذات صلة

مجلس السيادة يوضح بشأن ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية لعدد من القبائل في غرب السودان

عزة برس

إنتشار مكثف لشرطة المناقل ومساعي لفتح السجل المدني

عزة برس

تشكيل وزاري جديد ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني توكل له مسؤولية اختيار الوزراء

عزة برس

وزير الخارجية يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان

عزة برس

حصر شامل لمعلمي الثانوي بولاية الخرطوم

عزة برس

الخارجية الامريكية تحذر المليشيا من الهجوم على الفاشر

عزة برس

اترك تعليق