المقالات

تأملات .. جمال عنقرة يكتب : هارون لن يعود .. ومنهجه لابد يسود

صديقنا الحبيب الصادق خضر محجوب ضنين في إرسال رسائل الواتسب، لذلك عندما تصل منه رسالة اسارع لقراءتها فورا، والصادق مثل كثيرين من إخوانه وأبناء خالاته يصدق عليهم القول السوداني “الولد خال” يحملون كثيرا من سمات خالهم الرجل الشامخ الحاج أحمد عبد القيوم الذي فشلت في حياته كل محاولات إنشاء فندق راق في مدينة كوستى، لأن ما كان يتيحه في استراحته المشهورة لا يمكن توفيره في أي فندق، ولقد سجل القضاء السوداني سابقة باسم أحمد عبد القيوم عندما إنتقلت محكمة بكامل هيئتها من الخرطوم إلى كوستي لسماع شهادته في القضية الشهيرة التي كان قد رفعها الراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي، ضد المناضل الراحل الأستاذ علي محمود حسنين، وكان علي حسنين قد اتهم الشريف بمعرفة انقلاب الإنقاذ قبل وقوعه في الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م، ذلك أن الصدفة وحدها قد جمعت الشريف والبشير في مائدة إفطار في استراحة أحمد عبد القيوم، وكان الشريف قد سافر إلى كوستي عقب خطابه المشهور في الجمعية التأسيسية الذي نعي فيه الديمقراطية في السودان وقال عنها “لو شالها كلب مافي زول بقول ليه جر” وكان البشير قد جاء من ميوم متوجها إلى الخرطوم، وقضيا جميعا ليلتهم تلك في الاستراحة، ثم التقيا في إفطار الصباح الذي يجمع كل ضيوف أحمد عبد القيوم له الرحمة والمغفرة.
ورسالة الصادق خضر وجدتها فيديو لمجموعة كبيرة من أهل عروس الرمال مدينة الأبيض أبو قبة فحل الديوم، وهم يهتفون “موية طريق مستشفي .. هارون خيار الشعب” ولقد تكرر هذا الهتاف كثيرا خلال سنوات المرحلة الإنتقالية الماضية، وكان اشهره عندما لم يجز الإتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) ملعبا في السودان غير قلعة شيكان، فكان جمهور كردفان يهتف أثناء كل المباريات بحياة مولانا أحمد محمد هارون، نسأل أن يتقبل كل ما قدمه لأهله وشعبه وبلده، وينصره علي كل من عاداه وظلمه.
لا يختلف اثنان في أن ما قدمه أحمد هارون لولاية شمال كردفان، لم يقدمه وال قبله، وأذكر مرة قلت لصديقنا الحبيب وصهرنا ود كردفان العتيق الأخ عبد الباقي عبد الله هلال، أن ما شهدته ولاية شمال كردفان في عهد هارون لم تشهده خلال خمسين عاما من عمرها، فقال لي عبد الباقي “ولا خمسمائة سنة” وأذكر مرة زرت ولاية جنوب كردفان عام ٢٠١٠م قبل انفصال الجنوب، وكان وقتها يقود الولاية أحمد هارون، ومعه نائبه عبد العزيز الحلو، فكنت اسأل عن المنشآت التي تلفت نظري عن العهد الذي تأسست فيه، فاختصر لي أحد المواطنين الكلام وقال “أي حاجة سمحة في البلد دي، يا سواها المرحوم محمد حسيب، أو مولانا أحمد هارون” ولكن ذلك لا يعني بالطبع أن أحمد هارون يمكن أن يكون خيارا لحكم ولاية شمال كردفان مرة أخري، ولن يكون ذلك أحد خيارته حتى ولو عادت عقارب الساعة إلى الوراء، ويشهد كثيرون أني كنت أول وأكثر من كتب مناديا بخروج أحمد هارون من الولاية، بعد أن أنجز فيها ما أنجز، وبعد أن صار مطلوبا لادوار قومية أخري أعظم، نقل إليها بعد فوات، وكنت قبل أن أكتب ذلك قلت هذا لأحمد هارون نفسه، ووافقني الرأي لكنه قال لي إنه طوال حياته في العمل العام لم يطلب موقعا، ولم يعتذر عن تكليف أسند إليه، فطلبت منه أن يترك لي هذه المهمة، ولم اكتف بالكتابة ولكنني واصلت السعي الحثيث من أجل ذلك، وكان أول وأكثر من تفهم رؤيتي وتعاطف معها، أخي الدكتور فضل عبد الله فضل وزير رئاسة الجمهورية في ذاك الزمان، ونقلنا الرأي للرئيس السابق المشير عمر البشير، ولكن القرار جاء متأخرا، وجاء في ظل منظومة حاكمة، لا أقول فيها أكثر من أن أفق تفكيرها، ومدي رؤيتها، كان اقصر بكثير من تحديات البلد ومطلوباتها.
فليس مطلوبا عودة أحمد هارون لحكم ولاية شمال كردفان، ولكن المطلوب، وبالحاح شديد عودة المنهج الذي حكم به أحمد هارون الولاية، واعانه علي تحقيق كل هذه الإنجازات العظيمة من بعد رعاية الله وتوفيقه، وأول ما فعله أحمد هارون عندما جاء واليا للولاية، خلع كل الثياب الحزبية والسياسية، وارتدي ثوب كردفان وحده، وتعامل مع الناس جميعا بكردفايتهم فقط، وجمع أهل كردفان كلهم علي هدف التنمية والتعمير، وطرح مشروع نفير نهضة الولاية لتحقيق هذا الهدف، وأذكر أنه دعا نحو خمسمائة من الكوادر الكردفانية في لقاء جامع في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم، وكان ذلك هو أساس النفير، واختار المجتمعون بالإجماع كبير كردفان الرمز الوطني الشامخ الراحل المقيم المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب رئيسا لمجلس النفير، وكنت قد تشرفت بعضوية اللجنة العليا، مسؤولا عن ملف الإعلام، ولا بد أن نحيي بهذه المناسبة بعض الذين فتحوا منافذهم ومنابرهم الإعلامية للنفير، أولهم الأخ الدكتور نضال عبد العزيز الذي كان مديرا لهيئة إذاعة وتلفزيون الخرطوم، وهذا فضلا عن تخصيصه برنامجا أسبوعيا علي الهواء مباشر ترويجا للنفير، كان قد وجه بتغطية كل فعاليات النفير من مواقع الأحداث، والثاني الأخ الجنرال حسن فضل المولي، الذي كان يفرد مساحات واسعة في قناة النيل الأزرق لنقل مناشط النفير، وكنا نتعامل معه في الإعلانات ب”عطية المزين” والثالث الأخ المهندس الطيب مصطفي له الرحمة والمغفرة، والذي وجه بنشر كل إعلانات النفير مجانا في صحيفته “الصيحة”
وحرص مولانا أحمد هارون أن يضم في حكومته الأولي بعضا من أبناء حاضرة الولاية من غير الملتزمين حزبيا، فاختار الأخوة كمال عوض وزيرا للزراعة، وبكري يوسف البر وزيرا للإستثمار، وفتح الرحمن عوض الكريم معتمدا لمحلية شيكان، ونزار ابو الزول معتمدا لمحلية بارا، ثم ألغي حديقة الألعاب التي كانت قد أقيمت في ميدان الحرية، وفتح الميدان للمناشط الجماهيرية الشعبية، واقام فيه إحتفالا ضخما تكريما لابن كردفان شاعر الاكتوبريات السفير محمد المكي إبراهيم، وكما هو معلوم فإن مكي لم يكن من الإنقاذيين ولا الإسلاميين، بل كان محسوبا من خصومهم، لكنه كرمه فقط باعتباره رمزا من رموز الولاية الشوامخ الذين رفعوا اسم السودان عاليا في محافل كثيرة إقليمية وعالمية. ثم بذل جهدا جبار لدعم هلال التبلدي الذي كان يصارع لدخول الممتاز، وقد كان، ثم واصل دعمه له حتى صار من الأربعة الكبار، وأصبح هلال التبلدي أيقونة لكل الكردفانيين، المريخاب قبل الهلالاب، ولذلك وقف الكردافة كلهم صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشدون من ازر ابنهم وواليهم الذي جسد كل أحلامهم وامالهم.
لقد تبرع أهل كردفان للنفير بسخاء بلا حدود، وتقدم الفقراء علي الأغنياء، وفضلا عن ما دفعوه نقدا وعينا مباشرة للنفير، قدموا تجارب أخري مميزة صار يتناقلها الركبان، وكانت الدورة المدرسية الخامسة والعشرون مهرجانا لملاحم العطاء، فلقد تحمل الشعب نفقات إقامة كل طلاب الدورة المدرسية، ليس ذلك فقط، لكن حتى عموم المواطنين كانت لهم مساهمات مباشرة رائعة، فالحلاقون وبائعات الشاي، وماسحو الأحذية لم يكونوا يأخذون ثمن خدماتهم من طلاب الدورة المدرسية، أما حصاد ذلك من الإنجاز فهو معلوم للجميع، وقبل قليل، وأثناء كتابتي لهذا المقال في مكتب ابننا العزيز محمد رنين في عمارة أبو العلا القديمة، جاء أحد الكردافة غاضبا، وقال “والله العلمو أحمد هارون في كردفان ده، من يوم ربنا نزل سيدنا آدم في الأرض زول عمله مافي”
والمطلوب من الذي يحكم ولاية شمال كردفان، سواء هذا الحاكم الحالي السيد فضل الله التوم، أو أي وال آخر يأتي بعده قريبا أو بعيدا، أن يلتزم ذات منهج أحمد هارون في الحكم، فيجمع الناس كلهم حوله، ويعتبر قضاياهم قضاياه، وهمومهم همومه، فلو فعل ذلك سيجدهم أمامه يتقدمونه في البناء، وفي البذل والعطاء.

مواضيع ذات صلة

شيء للوطن.. م. صلاح غريبة – مصر السودان، حربٌ على النسيج الاجتماعي أم حربٌ على الشائعات؟

عزة برس

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

كلام سياسة.. الصافي سالم أحمد يكتب: وزير الخارجية : ملفات في الانتظار

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: يا نجوى كلنا فى الحكمة شرق

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: إعدام وزير ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: من يستحى لهولاء من؟

عزة برس

اترك تعليق