الأخبار

.. ورحل محيي الدين عن الدنيا بقلم : سيف بن سالم المعمري

 

saif5900@gmail.com

 

رحل عن دنيانا، الأستاذ محيي الدين محمد عبدالرحمن، الذي قدِمَ من السودان للعمل في السَّلطنة معلمًا منذ عام 1980، وعاش حتى وافته المنية فيها عن عمر ناهز السبعين عامًا.

الأستاذ محيي الدين، سوداني الجنسية، وعمل في مدرسة المقداد بن عمرو بمنطقة الفياض في ولاية البريمي لمدة 3 أعوام، ومن ثمَّ في منطقة حفيت في المدرسة التي كانت تُعرف سابقًا باسم مدرسة عُقبة بن نافع لمدة عام واحد، ومن ثمَّ مدرسة الفاروق لعام آخر، قبل أن يعمل في مدرسة عزان بن قيس والتي قضى فيها 25 عامًا؛ لينتقل بعد ذلك للعمل مديرًا لمدرسة خاصة في البريمي. وقد كانت لي معه جلسة حوارية في السادس من يونيو 2010، وحكى لي تفاصيل كثيرة، اقتطعُ بعضًا منها في هذا المقال التأبيني.

حيث يقول الأستاذ محيي الدين: “لم أكن أعرف عن عُمان سوى أنها دولة عربية تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية ويحكمها السلطان قابوس بن سعيد، وتلك المعرفة البسيطة استقيتها من دروس الجغرافيا وأما عن عادات وتقاليد أهلها فلا أعرف عنها أي شيء.

وعندما وصلت إلى المطار في مسقط صدمت بما شاهدته؛ حيث رسمتُ في ذهني أن أرى دولة عصرية خليجية نفطية، وأنا أعي جيدًا ما يفعله النفط من نهضة اقتصادية واجتماعية في دول الخليج العربي، لكنني في المُقابل شعرت بأن البلاد أمام تحدٍ عظيم وأن قيادتها رسمت لها منهجًا عمليًا طويلًا، فكانت إحدى العبارات التي استوقفتني أثناء وجودي في العاصمة عبارة “سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر”، عندئذ علمتُ يقينًا أن هناك إرادة وعزيمة قوية في بناء الدولة وأن القيادة الحكيمة ترنو بعُمان إلى مصاف الدول العصرية. وعندما وصلنا البريمي.. أتت اللحظة الحقيقية لي في التحدي، فرغم أنني أعيش في مدينة أم درمان وهي جزء من العاصمة المثلثة في السودان، إلّا أنَّ المفارقة الصعبة لي أن عملي في السلطنة جاء في قرية الفياض التابعة لولاية البريمي والتي كانت- آنذاك- تفتقر لأبسط مُقومات الحياة، فلا كهرباء ولا ماء ولا طرق مُعبدة؛ بل إنَّ المدرسة كانت في خيام، ومن ثم تحولت إلى بيت مُستأجر؛ حيث هيأت بالفصول الدراسية والمرافق المدرسية، وكانت الثلاجات تشتغل بالغاز، والإضاءة بالبنزين وأحيانًا بالكيروسين؛ حيث أوقدت “الفنر” أو ما يعرف محليا (بأبو فتيلة)؛ حيث لم كن أعرف شيئًا عنه إلا عندما جئت إلى عُمان”.

يضيف الأستاذ محيي الدين: “الزمن الذي عشته في عُمان أكثر عن الزمن الذي عشته في السودان، فقد قدمتُ إلى عُمان وعمري 28 عامًا، وعشت فيها أكثر من الأعوام التي عشتها في السودان ناهيك عن سنوات الطفولة ومرحلة اللاوعي، عشتُ أنا وأسرتي كل تلك الأعوام، ولم أشعر إلا بدفء هذا الشعب، ومُعاملتهم الحميدة؛ حيث كانوا يسألون عنّا ويزوروننا، ولعل تلك المُعاملة هي التي أبقتني تلك الأعوام، فأبنائي درسوا منذ الصف الأول إلى الثاني عشر في عُمان وتخرجوا وكانوا من الطلبة المجيدين على مستوى منطقة الظاهرة، وهذا جعل بيني وبين عُمان دين، فأنا مدين لعُمان، وأشعر بفخر كبير أنَّ معظم المعلمين الذين يعملون معي تتلمذوا على يدي؛ بل إنني لا أكاد أذهب إلى المستشفى إلا وأجد طبيبًا عُمانيًا، وفي جميع المؤسسات الحكومية أجد أبنائي الذين تتلمذوا على يدي”. وتشرف الأستاذ محيي الدين بمصافحة السلطان قابوس- طيَّب الله ثراه-، في أحد الأعياد الدينية بالبريمي، وكانت له أمنية إنشاء مدرسة خاصة بالسودان تحمل اسم جلالته.

لقد رافقتُ الأستاذ محيي الدين كزميل عمل في مدرسة عزان بن قيس، فكان نعم المربي والناصح الأمين، وكان مدرسة في الإخلاص والتفاني، فكابد الحياة حلوها ومرها، وأهدى زهرة عمره إلى عُمان، التي لم يكن يعلم عنها سوى القليل، لكنه ما لبث أن أصبح فردًا في المجتمع، عاصر الكثير من الإنجازات والتحولات العصرية التي شهدتها السلطنة، وأبى ألا يُفارقها، فرحل عن دنيانا منها وعنها، وضمَّت أرضها الوفية جسده الطاهر إلى رحمة ربه الواسعة، تاركًا سيرته الحسنة المرصعة بعظم عطائه وإخلاصه وتضحياته.. فجزاه الله عنَّا كل خير، وجعل كل ما قدَّمه لعُمان وأبنائها في ميزان حسناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

مواضيع ذات صلة

بدر للطيران تعلن عن تخفضيات كبيرة في تذاكرها… و تستقبل طائرة جديدة

عزة برس

والي الخرطوم يجتمع بلجنة وزارة الداخلية الخاصة بتقييم أوضاع السجون

عزة برس

مطار بورتسودان : يستقبل طائرة مساعدات كويتية.. والسفارة تعلن عن استئناف عملها

عزة برس

عاجل.. السلطات السودانية تعيد فتح مكتبي العربية والحدث

عزة برس

التنسيقية العامة لابناء الرزيقات بالداخل والخارج تشيد وترحب بموقف موسى هلال

عزة برس

كسلا تستعد لإستئناف الدراسة بالمدارس

عزة برس

اترك تعليق