المقالات

زي الشعرة من العجين بقلم : إبراهيم أحمد الحسن

 

جلس القاضى مطرقاً بعد نطقه بالحكم الذي اطمأن اليه قلبه بعد جولات حسوم بين منصات الاتهام ومصدات الدفاع ، برأ في حكمه المتهم من جريمة القتل العمد الي القتل الخطأ ، ولم يكد ينطق بالحكم العادل حسب ما توفر له من بينات حتى انطلقت أم القتيل المرحوم تكيل للقاضى من الشتائم ما تجاوز شخص القاضي الي آخرين كُثر ، أطرق القاضى وشتائم المرأة تتري ، وتتنوع ، تعلو وتهبط حتى تقطعت انفاسها ، ثم سكتت ، رفع القاضى رأسه ثم الجلسة قام من مجلسه ثم انصرف ، قدر القاضى مشاعر ام مكلومة في فلذة كبدها ولم يعمل القانون أو اي من مواده التي كانت ستدينها من الشتيمة الاولى حتى ختام شتائمها عندما تقطعت انفاسها ، لم يعمل القاضى العادل القانون وإنما اعمل ضميره الصاحي وحده وتحمل صبراً جميلاً ما اصابه في نفسه والاخرين ثم انصرف .
جلس القائد خلف مكتبه وقد حضر امامه ، القائد الاقل رتبة واحد جنوده ، وقد اعتدى الجندي علي قائده المباشر بالضرب ، وقف الاثنان امامه ، المعتدى والمعتدى عليه ، وقف يتأملهما طويلاً ثم قام بإخراج مسدسه من جرابه ووضعه في حالة الانطلاق بحركة عنيفة من يده، وجم المعتدي وجفل المعتدى عليه ، ناول القائد مسدسه الجاهز للانطلاق بضغطة زند ثم طلب في تعليمات صارمة من المعتدى عليه ان يصوبه الي رأسه ، رأس القائد الجالس خلف المكتب ، تردد المعتدى عليه فانتهره القائد طالباً منه ان يفعل ، صوب المعتدى عليه المسدس نحو رأس قائده كما أمر ، ثم صرخ فيه القائد ان يضغط علي الزناد ويضرب ، لم يفعل .. صرخ فيه القائد ان يفعل ،. فلم يقدر ، ثم قام بإنزال المسدس المصوب نحو رأس قائده . وهنا قال له القائد ، ارأيت ؟ لن يعتدي أبداً من يبني الاحترام ويزرع الثقة بينه وبين من يقود ، انصراف !!! القاضي الذي امر المتهم ان يرقص في قاعة المحكمة ، لم يكن يفعل ذلك استهزاءً ولا تقليلاً من شأن المتهم ، بل استكاملاً لحكم فريد نطق به القاضي ، وقف المتهم في مقطع فيديو تناقلته الاسافير لقاضي ( خواجة ) وهو يحاكم متهم اشتكى منه جيرانه بإنطلاق اصوات عالية من الموسيقى ازعجتهم فاستدعت الشرطة التي اوصت بفرض غرامة عليه ثم رفعت الامر للقاضي . حيا المتهم القاضى ووقف امامه ، سأله القاضى ماذا فعلت قال المتهم انه رفع صوت موسيقاه المفضلة عالية ، ثم قال انه اعتاد علي ذلك طوال سنوات مضت ولم يشتك منه احداً ، فقط جيرانه الجدد من قام بالشكوى ضده ، سأله القاضى متى كان ذلك زماناً ، رد المتهم عند الحادية عشر ليلاً ، قال له القاضى حسناً لم تذكر الشرطة ما اذا كان التوقيت ليلاً او نهاراً وهي ثغرة لو كان معك محامي لاستطاع ان ينفذ من خلالها ليجعل اي حكم يصدر ضدك بالادانة معيباً لاستناده علي وقائع ناقصة وبما ان لا محامي معك ليفعل ذلك يصبح من الظلم البين ان يكون ذلك سبباً للحكم عليك ، وانا هنا – يقول القاضي – استخدم سلطاتي وأقرر انك يجب ان تستفيد من هذه الثغرة واحكم ببراءتك من التهمة وتُلغي الغرامة المفروضة عليك ، تهلل وجه المتهم البرئ فرحاً ورفع يده عاليةً ابتهاجا ، لم يكتف القاضى بذلك بل طلب من كان متهماً امامه قبل قليل ان يريه كيف يؤدي رقصته المفضلة فقام بتمثيل ذلك ليرقص في قاعة المحكمة كما امر القاضى فضج الحضور بالضحك ، وانطلق المتهم البرئ لا يلوي علي شئ وربما كان يهتف بكل جوارحه “يحيا العدل” !!
اما المقولة الشهيرة التى مؤداها ان موت الجماعة عرس فقد طبقها القاضي الامريكي روبرت ريستانيو عندما علا رنين الهاتف في قاعة محكمته فطلب من صاحب التلفون التقدم واظهار نفسه ، وعندما لم يتقدم أحد اصدر القاضي حكمه “القاضي” بتلبيس التهمة علي كل من حضر في قاعة المحكمة والذي تجاوز عددهم خمسة وأربعون شخصاً وحكم عليهم بالحبس او الخروج بكفالة ، غني عن القول ان الحكم غير الموفق تم الغاؤه لاحقاً ثم تم اعفاء القاضي من منصبه .
تقول الحكاية الشعبية في المدينة السودانية الذاخرة بالناس والمحتشدة بالاحداث ان القاضي صارم القسمات وقف علي الشرفة خارج قاعة المحكمة يتأمل الشارع من علٍ قبل ان يدخل الي القاعة ليصدر احكامه التي اشتهرت بقسوتها ، شاهد القاضى من مكانه العلي شاب يحث الخطى نحو المحكمة حتى وصل السور الخارجى للمحكمة فهم ان يتخطاه بالقفز فوقه بدل دخول المحاكم من ابوابها ، ولم يكد يرفع رجله عالياً في قفزة اولمبية يجد نفسه بعدها داخل حوش المحكمة حتى صك اذنيه صوت القاضى وهو يصيح به ، مكانك ان انزلت رجلك داخل حوش المحكمة فأنت محكوم بستة اشهر سجن اما اذا انزلتها خارج السور فان الحكم سيغدو ستة اشهر سجن ، يقال والعهدة علي الراوي ان الرجل اوقف رجله في الهواء ولم يضعها خارج السور او داخله .
تترى الاحكام داخل سوح المحاكم وخارجها وفق ما يراها مطلقيها تتماس مع منطق العدالة قرباً وتجافي ، فالذي تلقى الشتائم مطرقاً في حلم ورباطة جأش والذي جعل المتهم يرقص طرباً وحبور ، وذاك الذي جعل الشر يعم فحكم علي المذنب والبرئ بذات الحكم والقائد الذي جعل بيانه بالعمل مسدس مصوب الي راسه في ثقة مفرطة وايمان عميق بقواعد القيادة الحقة وهذا الذي جعل رِجْل من يحاكمه معلقة في هواء سوح العدالة بين امرين احلاهما مر . كل منهم سعى لاحكام العدالة وفق ما اعتقد وارتاح اليه ضميره وأصدر حكمه النافذ والذي يستل البراءة او الادانة “زي الشعرة من العجين”.

مواضيع ذات صلة

شيء للوطن.. م. صلاح غريبة – مصر السودان، حربٌ على النسيج الاجتماعي أم حربٌ على الشائعات؟

عزة برس

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

كلام سياسة.. الصافي سالم أحمد يكتب: وزير الخارجية : ملفات في الانتظار

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: يا نجوى كلنا فى الحكمة شرق

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: إعدام وزير ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: من يستحى لهولاء من؟

عزة برس

اترك تعليق