المقالات

د.صديق مساعد يكتب: الدين و السياسة تقاطعات و تجاذبات.. (2)

تحدثنا في الحلقة السابقة عن الرسالة ودور الانبياء والتعاطي مع المجتمع والقينا نظرات خاطفة علي ماجاء به عيسي علية السلام وموسي بن عمران والاسلام كعقيدة التحولات التي بدأت في الافاق عبر الممارسة والسياسة سيما التحولات الكبري التي حدثت واحدثتها الفتوحات في عهد الفاروق وعهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنهم والتوترات التي طرأت علي العقل الاسلامي والتي كان من اكبر تداعيتها مقتل ثلاثة من الخلفاء الراشيدين المبشرين بالجنة و أصهار النبي صلي الله عليه وسلم تمت كل التصفيات عبر الصراع السياسي حول السلطة وتأويل بعض النصوص لإصباغ طابع القداسة علي بعض الأفكار رغم الإجتهادات الهائلة التي أتحف بها عمر بن الخطاب الفكر الإسلامي بل الإنساني فلقد بلغ عطاء ذلك الخليفة إجتهادٍا مع وجود نصوص في القرآن الكريم مثل موقفه مع سهم المؤلفة قلوبهم كما جاء حقهم في القرأن إلا أن التحولات التي فرضتها مشكلات الدولة التي اضحت إمبراطورية كبرى في زمن وجيز خرجت من أطر دولة المدينة بعد أن تنامت مساحات الدولة.. فكان من الضحايا.. بطل ملحمة الإسلام.. وصهر النبي صلي الله عليه وسلم الامام علي بن أبي طالب.. ولا يمكن باي حال من الأحوال أن نقول إن نهاية عهد الخلافة الراشدة يعود إلى عبقرية معاوية بن أبي سفيان ودهاء صاحبه عمرو بن العاص الذي ضربت به العرب المثل في الدهاء فقال قائلهم :
لم تنبت الارض كإبن العاص داهية..
يرمي الخطوب برأي ليس يخطئها
نعم لقد حدث تحول كبير أملته حركة الفتوحات وسعة رقعة الدولة وضرورات الإمبراطورية كما كان سائد في تلك الازمان وسائر هذه التحولات معاوية بن أبي سفيان وكان انتصاره السياسي في خاتمة المطاف رغم مرتبة معاوية السياسية و المعنوية والدينية والرمزية والجهادية لاتقاس أو تقارن بسجايا الإمام علي ابن ابي طالب لكن المنطق الذي كان يمسك بتلابيب معاوية هو واصحابه كان منطق المصالح العامة وتوزيع الغنائم والعطاء الذي بدأت دوائره تتسع وكانت الحاجة فيما يبدو والضرورة تملي وجود السياسة والسياسي الذي ينظم هذه المصالح ويترجمها إلي حقيقة علمية وواقع ملموس ومعاش علي ارض الواقع ودنيا الناس عكس دور الإمام علي الذي كان يمثل جيل الهداية والإيثار والتضحية و النقاء و صدق علي بن أبي طالب حينما إلتقاه احد الخوارج بعد معركة الجمل فقال الخارجي لعلي بن أبي طالب ان الشيخان ويقصد أبوبكر وعمر لم يختلف الناس حولهم أما أنت فاختلف الناس حولك فرد بن أبي طالب قائلاٍ: كان ابوبكر وعمر رحمهما الله خلفاء علي أمثالي فلم نختلف عليهم أما أنا خليفة علي امثالك وانتم اهل الجمل رغِي فاجتمعتم عقر فتفرقتم.. حقا إن إتساع دولة المدينة أثر الفتوحات أحدثت تحولات كبري وعميقة لذا كان معاوية وصحبه يمثلون جيل المكاسب والموأكلة الحسنة كما قال معاوية بن زائد (لا أحمل السيف علي من لاسيف له) أي النزوع عن الدنيا والتخلي عن النزعة الثورية الجهادية والرهبنة والملامح البطولية بقيادة مباشرة كما كان يفعل بن أبي طالب ويعض عليها بالنواجز فكان علي من أنجب تلاميذ مدرسة المصطفي صلي الله عليه وسلم لكنه جاء إلي الخلافة في وقت بدات فيه مقومات وركائز عهد الخلافة الراشدة شمسها تأذن بالرحيل ومنذرة في ذات الوقت بشروق عهد جديد تحكمه فتوحات وتوسعات ذات مرامي إستراتجية وسياسية وعوائد ومكاسب اقتصادية وليس فتوحات جهادية وهذا الذي حدث لايمكن أن نسمية بأي حال من الاحوال فصل بين السلطة الدينية و الزمنية والقضاء علي المؤسسة الدينية ولكن يمكن ان يقال أخضع الدين والعقيده لمنطق و فلسفة السياسة وسلطة الدولة ووظف فيها رغم أرتفاع بعض الأحداث التي كانت تقف ضد هذا التحول مثل مواقف بعض الصحابة من سياسة معاوية كما صدمه أحدهم بتلك الاراء في مسجد دمشق لكن الأحداث أكدت أن العهد الذي تجلت فيه وتالقت روح التقوي والنقاء و الإيثار المطلق فيه هو تلك المرحلة الشابة من عمر الدولة اي فترة الفتوة والشباب كما يقول بن خلدون الذي اعتبرها بمثابة فلتة.. لا يمكن ان يعود باي حال من ألاحوال وهنا لا نقول كما قال السيد فوكوياما إنها نهاية التاريخ ولكن الشاهد وشواهده يقول بتغيير الزمان والمكان ولأن تلك الحقبة كما وصفها بن خلدون حقبة معجزات وخوارق وحقا كان عهد خوارق وإبداعات فجرها رجال في قامة الفاروق عمر بن أبي الخطاب.. وعلي ابن طالب.. وغيرهم كثر ورغم التحول الذي طرأ بعد استشهاد علي بن ابي طالب.. إلا ان العهد الذي جاء بعده لم يلغي الدين او ينبذه بل اصبح الدين الذي فيه من شعارات الدولة الوليدة الذي تجيش به مشاعر الأمة حسب الحاجة .رغم انه كان للإسلام قوة دفع خارقة بل كانت تلك القوة المتوثبة دافعاً لإنشاء الدولة التي ظهرت في الوعي الاسلامي وهي الدولة الإمبراطورية بحكم أحوال ذاك الزمان رغم تغير الحكام كان حركات التجديد والدعوة الي الإصلاح تطل برأسها الفنية بعد الأخري ضد الوازع القهري المتسلط الذي وافقه شعار الدين وظلت علاقة الدين بالدولة في كل حقبة علاقة تعايش بعد ان أخضع الدين لسلطان الدولة واصبح عدد كبير من طبقة القراء ورجال الدين أصحاب علاقة بالسلطان و الحكام مثل ماهو حادث اليوم في كثير من بلادنا العربية والإسلامية وتجد رجال الدين يسايرون الحكام بل يشايعونهم في كل القضايا السياسية ويقدمون لهم الفتاوي بل يطوعوا لهم بعض الإجتهادات رغم أن بعض التيارات ذات النزعة المستقلة تلجأ الي العنف وهذا أيضاً له أسباب ودواعي كثيرة.. لذا نجد سلطة الدين في كل ثنايا المجتمع فلم نسمع بقيام سلطة رجال دين منفصلة تماماٍ عن الدولة كما حدث في أوربا لا سيما في حقبة عصورها الوسطي وسطوة بابواتها وكرادلتها في تلك الايام وهي حقبة شهدت أعنف واشرس صراع بين الدين و السلطة فلقد كان لبابوات تلك الحقبة جيوشاً خاصة واقطاعيات وأراضي زراعية شاسعة ذات مداخيل ضخمة بل نجد ان فكرة الحروب الصليبية وتأليب الرأي المسيحي الأوربي قادها البابا اربان من جنوب فرنسا في مؤتمر كليرمونت فاستجابت له القيادات السياسية طوعاً او كرهاً نبلاء وأباطرة وملوك ومن يرفض كان يعاقب بالحرمان ومن يعتذر لأي سبب للبابا أو الكنيسة يمكن له أن يصبح محروما من صكوك الغفران.

مواضيع ذات صلة

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

كلام سياسة.. الصافي سالم أحمد يكتب: وزير الخارجية : ملفات في الانتظار

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: يا نجوى كلنا فى الحكمة شرق

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: إعدام وزير ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: من يستحى لهولاء من؟

عزة برس

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب: من يجرؤ على الكلام..!

عزة برس

اترك تعليق