المقالات

“باشاب”..بقلم محمد أزهري

*صديق عزيز، طلب مقابلتي بإلحاح شديد دون تفسير ما عليه من كربة، صوته كان خافتا يخرج من حنجرته وكأن رأسه داخل (صفيحة)، صديقي الذي دائما ما يمثل لي دور (فاندام ) في قصصه وبطولاته ذلك اليوم بدأ لي في دور (عوير) الأفلام الهندية القديمة تلك الشخصية التي تضحكك وهي تبكي بهلع لمجرد كف(صاموتي).*

*شعرت بخطورة موقف صديقي أسرعت لنجدته، كدت أن انتعل (فردة من حذاء المدام)، بحثت عن هاتفي وهو في يدي، خرجت أشعس الرأس اتحسس محفظتي هل في جيبي أم انها ستعيد لي ذلك الموقف الحرج الذي جمعني مع كمساري احمق ذات مرة، لسوء حظه ركبت مع سائق لا يبالي بالزمن ولا فروقات الوقوف، أظنه خالي مسؤولية، تحدث لي عن السياسة والرياضة طاف حول المجتمع وضغوطات الحياة، ثم مسك المناخ وأحوال الطقس وكل ما أنصت جيدا يرفع رجله من (الأبنص) حتى لا يقطع حديثه وصولنا السريع إلى العربي، وهو لا يدري أن سرعته لا تتعدى ال٢٠.*

*وصلت صديقي وجدته منهك شاحب الوجه حسير الرأس أشبه بمن كان تايه في صحراء نفذت مياهه قبل يومين، من الوهلة الأولى ظننت أنه فجع في عزيز لديه، أجلسته ليحكي كربته، فهو بارع في الحكي عند المسرات لكن لم يختلف كثيرا في الحالتين، علمت انه يمر بمأزق حقيقي، مشكلته تتعلق بمرفق ديني حكومي.*

*قبل أن أبادر بمقترحات الحل قاطعني بحنكته المعهودة (أسمعني ما تتعب كتير القصة دي حلها عند صاحبك باشاب لكن مشكلتي الزول دا ألم فيه وين).*

*باشاب هذا إذا مرّ أمامك لن تسمع له صوت نعل أو حركة مشي، شخص تقي يجيد فن الأدب مع الناس بطريقة مدهشة، ومن تأدب مع الناس فهو متأدب مع الله، عامر باشاب جمعتني به صحيفة المجهر السياسي، كان رئيسا لقسم المنوعات، تجده منهمك في سمكرة المواد لكنه يضع الماوس لحظة سماع الآذان ويهرع إلى مسجد القوات المسلحة، لم أره يصل داخل الصحيفة مهما كانت الظروف، يعيش يومه باسما لطيفاً خفيفا بين الناس، ساخرا في زاويته صاحب حرف رصين وأنيق، وقاتل في الحق، ممتع السرد واسع الإحاطة بمهنته وأدواتها، مهذب بما لا يدع مجال لغير احترامه وتقديره.*
*قلت لصديقي (شوف يا فردة من هنا تقوم تمشي حتتين لو ما لقيتو معناها باشاب دا في البلد، أول حاجة تمشي المسجد الكبير لو ما لقيتو طوالي تمشي مسجد فاروق)، هاتفي بعد ساعات ضاحكاً (صاحبك لقيتو في المسجد الكبير ومشى معاي للمسؤول ……. لكن ما لقيناه فقال لي نجي بكرة).*

*صديقي هذا ملحاح دقيق المواعيد في حال الأمر يتعلق بكسب عيش أو عمل ذا فائدة، دون ذلك فإنه أكثر من يجيد فن(المواسير)، وقتل الوقت، حين تعاتبه على تأخير ينتج لك قصة طازجة يرويها بطريقته المدهشة مع بعض الإضافات الخيالية مصحوبة بلغة جسد فنانة تجعلك تعتذر له عن المعاتبة، وما ان تغادره فيقول ساخراً (شوف الفارة دا).*

*صباح اليوم التالي باغتني برسائل غاضبة يقول فيها أن باشاب لم يرد عليه في مجموع (٣٦) مكالمة، هاجمته بسرعة بأن للناس ظروف فلا تكن لزج لهذا الحد أتركه متى ما وجد مكالماتك فإنه سيعاود الاتصال بك، كرر امتعاضه فزجرته مرة أخرى، حاول ثالثة فكدت أن أرجمه، تجنبني، ثم عاود المهاتفه مساء وهو يضحك(أسمع صاحبك رجع لي عليك الله اتخيل قال لي شنو .. قال كان مشغول مع وطواط عالق في مإذنة مسجد فاروق مع إزالة بعض الأوساخ منها يعني كان شغال نضافة في المسجد)، ضحكت وقلت لصديقي (دا عامر باشاب يعني حيكون مشغول وين مثلا، باشاب حتى لو حصلت ليه مشكلة بتلقاها في الجامع).*

هنيئا لك بكل هذا الجمال صديقي باشاب فكُن بخير

محمد أزهري

١٠ أغسطس ٢٠٢٢

مواضيع ذات صلة

الضوء الشارد.. عامر باشاب يكتب: حكاية صديق كنت أبغضه “مجدي مكي”  ( رنين وأنين) ) الزمن الجميل.!

عزة برس

هناك فرق.. منى أبوزيد تكتب: ليست من فراغ..!

عزة برس

يتأثر بنتائجها السودان ولها ما بعدها :. بداية الإقتراع للإنتخابات الرئاسية في تشاد

عزة برس

على شاشة الحدث …تصريح لا يخلو من خُبث بقلم: عمر عصام

عزة برس

هناك فرق.. منى أبوزيد تكتب: ليست من فراغ..! “حين يتكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي تكلم”.. إميل دوركايم..!

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: نهر النيل زمن الحرب مسيرات المع والضد

عزة برس

اترك تعليق