وكالات – عزه برس
شهدت أسعار العملات ارتفاعاً متجدداً بصورة جماعية خلال التعاملات التي تمت في البنوك المحلية والأسواق الموازية مقابل العملة السودانية.
حيث يواصل الجنيه السوداني تسجيل انخفاض تاريخي أمام الدولار الأميركي وباقي العملات الأساسية حيث شهدت أسعار الصرف ارتفاعات غير مسبوقة في تعاملات السوق الموازية. ويحدث هذا بالتزامن مع استمرار تراجع قيمة الجنيه، مما يؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين.
ورأى متخصصون في الشأن الاقتصادي أن التصاعد الحاصل في الأسعار خلال زمن الحرب غير منطقي، وذلك يعود لتقلص معدلات استيراد البضائع بشكل واضح نظرًا لنزوح عشرات الألاف (أكثر من 11 مليون) من الناس، حيث قصد بعضهم دولًا خارج حدود السودان فيما تشرد آخرون داخل البلاد، وكان من بينهم نحو 80 % من الأفراد الذين يشكلون النسبة الأكبر من مستهلكي البضائع المستوردة.
أفادت المصادر أن العنصر الرئيسي للواردات خلال الفترة الأخيرة يتمثل في الأسلحة والمعدات العسكرية المتنوعة، واعتبرت أن الحكومة في هذه الظروف تعد المسؤول الأبرز عن تصاعد قيمة الدولار، وتُصنف كأكبر مقتني للعملة الأمريكية في الأسواق السوداء.
مع بداية السنة الثانية من اندلاع الصراع في أبريل 2023، شهدت العملة السودانية انهياراً حاداً في قيمتها، حيث انخفضت إلى أدنى مستوياتها في التاريخ بعد أن تخطى سعر الصرف للدولار الواحد مبلغ الـ1400 جنيه سوداني. ولا يزال الجنيه السوداني يعاني من انخفاض مُتواصل في قيمته، وذلك يتضح في المعاملات الرسمية بالأسواق، بالإضافة إلى تلك التي تتم خارج نطاق الإطار الرسمي وفي السوق الموازي.
تدهور الاقتصاد السوداني بشكل كبير وغير معتاد، وانعكس ذلك في تدني ملحوظ في الأحوال الاقتصادية بسبب تصاعد المواجهات العسكرية المتنامية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، الأمر الذي شهد تطورات بدءًا من منتصف إبريل 2023. زادت هذه التطورات من القيمة السوقية للدولار الأمريكي مقارنةً بالجنيه السوداني بشكل غير متوقع وحاد، حيث ارتفعت أسعار العملات من نحو 570 جنيهًا إلى أكثر من 1400 جنيه. أسهمت كل هذه التحولات في التأثير بشكل كبير على تردي مستوى المعيشة بصورة خاصة بسبب الزيادة الواضحة في تكاليف السلع والخدمات.
شهد السوق الموازي زيادة غير عادية في قيمة أسعار صرف العملات الأجنبية أمام العملة السودانية، حيث وصل سعر بيع الدولار الأمريكي إلى حد 1450 جنيهاً سودانياً، بينما بلغ سعر الشراء 1430 جنيهاً سودانياً، اليوم الخميس. تشهد الأسواق تقلبات في أسعار صرف العملات الأجنبية قد تخالف الأسعار المعلنة، خصوصاً في التحويلات المالية الخاصة. وقد تمّ تقديم هذه المعلومات بناءً على بيانات وردت من مصادر مصرفية تواصلت مع مراسل “أخبار السودان”.
تظهر الأرقام الإحصائية ارتفاعاً في اسعار العملات الخليجية مقابل الجنيه، حيث ازداد سعر الريال السعودي ليصل إلى 381.33 جنيه. وعلى نحو مماثل، حقق الدرهم الإماراتي زيادة قد وصلت إلى 389.64 جنيه. بالإضافة إلى ذلك، شهد الريال القطري نمواً في قيمته ليناهز حوالي 391.78 جنيه. تُظهر هذه الزيادات المستمرة حالة الانخفاض المتزايد في قيمة الجنيه السوداني، وتُبرز الأضرار التي نجمت عن هذا الوضع وتأثيرها السلبي على السلع والخدمات الأساسية التي يحتاج إليها الناس.
حسب متابعات موقع “أخبار السودان”، هناك ارتفاع ملحوظ آخر في أسعار العملات مع وجود اختلافات في قيم الصرف بين الدولار الأمريكي والجنيه السوداني، حيث يُرصد هذا التباين في الأسعار بين المؤسسات المالية المختلفة. ويُسجل أن قيمة الدولار قد وصلت إلى 1175 جنيهًا في “بنك الخرطوم”، وصعدت إلى 1260 جنيهًا في “بنك أم درمان”، في حين تقدر قيمته بـ 1200 جنيه في “بنك فيصل”.
عقب التصريحات التي أدلى بها الوزير السوداني للمالية، جبريل إبراهيم، عن انخفاض قيمة العملة الوطنية وتفاصيل الميزانية العامة للدولة للعام 2024، والتي ذكر فيها أنه سيتم اعطاء الأسبقية في الميزانية لتعزيز القدرات الدفاعية ودعم المتأثرين من النزاعات، يرى متخصصون في الشؤون الاقتصادية أن الحكومة السودانية تقوم بشراء العملات الأجنبية من الأسواق غير الرسمية بقصد تأمين المصاريف اللازمة للقوات المسلحة وعمليات شراء الأسلحة.
يتوقع خبراء الاقتصاد انخفاض قيمة العملة السودانية بشكل متواصل نظرًا للحالة الاقتصادية المتأزمة في البلاد. الأزمة الحالية ساهمت في تقليص كبير لحجم الناتج الاقتصادي، حيث تراجع بنسبة 40% خلال العام المنصرم كما أشارت التقارير الصادرة من الجهات الرسمية. وبسبب هذه الظروف، تشهد الأسعار زيادة متواصلة سواء للسلع أو الخدمات، ما يجعل الحالة المعيشية للمواطنين أكثر صعوبةً وتعقيدًا.
بناءً على تحليلات خبراء الاقتصاد الذي ينشره موقع “أخبار السودان”، يُعتبر تناقص قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية نتيجة لجملة من العوامل البارزة، منها انخفاض مستوى الإنتاج والتصدير في مجالات حيوية كالزراعة وتربية الحيوانات واستخلاص المعادن، والتي كانت في الماضي تمثل مصادر أساسية لجذب العملات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط تدهور الحالة الأمنية بتأثيرات ضارة على المعاملات التجارية والصناعية. ويتضمن الوضع أيضاً تعرض البنوك لهجمات وتخريب أو إجبارها على التوقف عن العمل بالإكراه.
لقد واجهت المصارف صعوبات كبيرة نتيجة شحّ في أموالها وانخفاض بالسيولة النقدية المتوفرة بالعملات الأجنبية، مما لم تستطع التغلب عليه. التراجع في الأرباح، الذي كان يعتمد إلى حد كبير على تصدير البضائع والتحويلات المالية من المغتربين، إلى جانب ندرة السيولة التي يُقدمها البنك المركزي، قد فاقم من محنة المصارف. هذه الأوضاع أجبرت المصارف على تثبيت قيمة الصرف للعملة المحلية مقابل الدولار عند سعر لا يعكس الوضع الاقتصادي الحقيقي، مما تسبب في ظهور فجوة كبيرة بين السعر الرسمي والسعر المتداول في الأسواق الموازية (السوق السوداء).
ذكر المتخصصون في المجال الاقتصادي أن السبب الرئيسي وراء الزيادة الواضحة في أسعار العملات الأجنبية في مواجهة الجنيه السوداني وضعفه يكمن في الصراع الذي اندلع في شهر أبريل والتطورات المتعاقبة. بينما بيّن الخبراء في الاقتصاد أن البنك المركزي بالسودان قد قام بصفة مستمرة بإصدار كميات ضخمة من العملة الوطنية وإدخالها إلى السوق، وهو ما أفقد الجنيه قيمته. ويعتقد الخبراء أن تواصل الحكومة في ضخ المزيد من النقود السودانية إلى الأسواق دون الاعتماد على احتياطيات كافية من العملة الصعبة قد يلعب دورًا مؤثرًا في تراجع القدرة الشرائية للعملة الوطنية.
كما يواصل الجنيه السوداني انخفاضه مقابل العملات العالمية بسبب ارتفاع مستويات الطلب على الدولار من قبل المواطنين الذين يسعون للهجرة إلى خارج البلاد، مدفوعين بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة والصراعات المحتدمة.
منذ توقف إصدار الإحصاءات الخاصة بالتضخم في فبراير 2023، توقعت المنظمة الدولية للأغذية والزراعة، المعروفة اختصاراً بـ”الفاو” والتي تعتبر جزءاً من الأمم المتحدة، استمرار الزيادة في معدلات التضخم. هذه التوقعات تشير إلى احتمال تخطي النسبة الحاصلة لأكثر من ثلاثمائة بالمئة.