المقالات

الحرب والشتات في الأصقاع بقلم: نادية عثمان

لا أريد الآن الحديث عن الحرب من الجانب السياسي وكيف تصرف الذين اوليناهم أمورنا وماذا فعلوا عند اندلاعها، لأن هذا الجانب غامض وبه خيوط متشابكة ومعقدة ومجهولة المصير، تحركه أيدٍ خفية لا نعرف نواياها الحقيقية، حتى هذه اللحظات تتضارب الأحاديث والأقاويل عنه بين الشد والجذب. وإلى أين تسير بهذه البلاد الطيب أهلها؟
تدور في مخيلتي دوماً منذ أن اندلعت الحرب في الخرطوم التي قدر الله سبحانه وتعالى ألا أكون من الموجودين بها في ذاك الزمان والمكان (وليتني كنت)، كيف خرج أهل السودان مغبونين من موطنهم ومسقط رأسهم وبيوتهم هائمين على وجوههم وتركوها للمحتلين، الغازين، السارقين والمغتصبين وبكل قوة عين، كيف كان الحال داخل كل البيوت وكيف تصرف الناس وكيف كانوا يفكرون في تلك اللحظات العصيبة والموجعة حد الوجع والمؤلمة حد الألم، وكيف كانت دهشتهم الأولى ومن بينهم المرضى والعجزة والمسنون والأطفال وما الذي يمكن تقديمه تجاههم، أسئلة عديدة تدور بمخيلتي حتى الآن ليتني أجد اجابات عليها لتشفي غليلي ووجعي على بلدي وما أصاب أهله.
والذي يطمئنني وأفكر فيه أحيانا كثيرة أن طبيعة وصفات أهلي في السودان الترابط الشديد والتوادد والتراحم فيما بينهم سواء كنت في وسط أهلك وعشيرتك أو جيرانك، الحال كله واحد نشد بعضنا بعض أوقات الشدائد توارثنا ذلك عن آبائنا وأجدادنا بأن نقف ونتكاتف ونضع يداً في يد ساعات المحن والشدائد لنخرج لبر الآمان، كما لم يتملكني الخوف يوما واحدا أن أحداً منهم لم يجد من يساعده او يتفقد أحواله، رغم وجود فئة ظهرت مع اندلاع الحرب واستغلت ظروف النازحين إلى الولايات أسوأ استغلال، غير أبهة بالظروف والأوضاع التي خرج بها كل أهلنا من الخرطوم في ظروف بالغة التعقيد، استغلال أصحاب النفوس الضعيفة في الترحيل من ولاية الخرطوم للولايات الأخرى أو من الخرطوم للدول المجاورة بزيادة ومضاعفة أسعار التذاكر بمبالغ خرافية وليست في متناول أيدي أغلبية المتضررين من الحرب، وغير ذلك استغلال المأجرين من أصحاب الشقق والمنازل وغيرها من الظواهر التي أظهرت لنا جلياً الطمع والجشع من هؤلاء الفئة الاستغلالية.
وجد أهل الخرطوم أنفسهم في مواجهة حرب عنيفة مع انعدام أبسط القواعد الإنسانية والأخلاقية في حالة الحروب، حيث لم يكونوا مستعدين أتم الاستعداد ولم تكن لهم الخبرة الكافية بكيفية التصرف في مثل هذه الحالات ولم تكن هناك ممرات آمنة للخروج، لذلك تخبط بعضهم ووقعوا ضحية في أيدي الغازين، منهم من مات وهو في طريقه للخروج ومنهم من وقع أسيراً بين أيديهم في أوضاع ماسأوية، وآخرون استطاعوا النجاة وتوزعوا وانتشروا في الأصقاع البعيدة، منهم من اتجه صوب الولايات القريبة وبعضهم نزحوا بأعداد كبيرة إلى دول مجاورة في أوضاع اجتماعية بالغة السوء والتعقيد (وفي ذلك يأتي الحديث لاحقاً عن الدول المجاورة التي صدمنا في مواقفها وتصرفاتها تجاه مع حدث لشعبنا العزيز).
هذه الكارثة زرعت في قلوب الكثيرين الخوف من المجهول الذي يعيشونه هذه الأيام خاصة الذين انتشروا في الولايات البعيدة والأصقاع ولم يستطيعوا التأقلم مع الأوضاع من كل النواحي، لأن الولايات كما يعلم الجميع فقيرة من ناحية الخدمات التعليم والصحة وغيرها ولم تكن يوماً من الأيام مهيأة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من النازحين من الخرطوم، لكن بقدرة قادر الأمور حتى الآن تسير بين توفيق وإخفاق، كما يقول البعض إنهم متوكلون على الله الواحد الأحد أن ينصلح الحال وأصبح الأغلبية يتململون من هذه الأوضاع، حيث لا وجود للخدمات داخل المستشفيات والمجمعات الطبية وعلى قلتها أحياناً تنعدم تماما لا تغطي هذه الكثرة من النازحين، كما أن جانب التعليم ليس له وجود بتاتاً ويخشى الآباء والأمهات على مصير أبنائها الأكاديمي.
ما يعيشه الشعب السوداني بأكمله هذه الأيام يحتاج وقفة من الجميع بغض النظر عن الاتجاهات والميول، بأن يضع كل أبناء الشعب السوداني في الداخل والخارج أيديهم بأيدي بعض، متآزرين حتى نخرج من هذه الكارثة والمحنة ونحن أشد قوة في مواجهة الأعداء وما أكثرهم، نقف متكاتفين ومتحدين وأيدينا في أيدي بعض ونقول (أنا بلدي..بلد الخير والطيبة.. أرض وخزاين..فيها جناين.. نجومه عيون للخير بتعاين.. قمره بيضوي ما بغيب ابداً دايماً باين.. نوره بيهدي ليالي حبيبة.. عليها أغني وأقول للدنيا أنا سوداني أنا أفريقي أنا سوداني).

مواضيع ذات صلة

وھح الكلم.. د حسن التجاني يكتب: ورشة الاعلام المتكامل الكبري والمتوقع منھا..!!

عزة برس

بنك الخرطوم -بنكك!!.. بقلم بكرى المدنى

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: ورشة الاعلام والسنة الأقلام !!

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: ذاكرة المدينية بين المسيد والإنداية

عزة برس

عميد م. ابراهيم عقيل مادبو يكتب: لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب.. (البل)

عزة برس

٠هام جدا جدا للتاريخ نقول وبالصوت العالي٠٠٠٠ا بقلم: محجوب حسن سعد

عزة برس

اترك تعليق