المقالات

ظهور احفاد حاتم الطائي في هذه الحرب.. حاتم سرالختم سالم

حفير مشو قرية كمانية
قبيل هذا الشهر كنت احسب قول شاعرالبطانة واظنه الحردلو فيما ينشد عبقري الغناء عبد الكريم الكابلي ” دا ان اداك وكتر ما بقول اديت” او قول المتنبي يصف فرحة سيف الدولة وهو يهب العطايا “كانك تعطيه الذي انت طالبه” شيئا من قبيل التراث المحكي للمسامرة و الايناس…لكني وجدته الان مجسدا في منطقة من مناطق السودان العجيبة فيها قوم واي قوم هؤلاء …واي ناس… واي كرم …. يقيني ان حاتم الطائي جذوره كانت ها هنا في حفير مشو…. قناعتي انه ان انقرض الكرم والسماحة سمتا وصمتا… فستكون “الروابة ” هنا ستظل “الخميرة” هنا في سعن العطاء و سماحة النفس. اي قوم هؤلاء …يهبون الهبة ويكرمون الضيف وهم ينظرون الي الارض لا الي وجه الضيف مخافة ان يحس بالحرج او الخجل…..
اكتب هذه الرسالة اليوم الجمعة اليوم الرابع من شهر اغسطس اكتب وانا خارج للتو من صلاة الجمعة في المسجد الكبير بمنطقة حفير مشو حي الكامنية ….. كم مرة حاولت ان اكتب قبيل هذة المرة …وكم مرة ترددت .. من اين ابدأ؟؟؟ تكاد العبرة تخنقني والعواطف تملا اركان النفس … كنت اود كتابة هذه الرسالة منذ اليوم الاول وصولي لهذه المنطقة الجميلة منظرا والطيبة مخبرا والفارع اهلها السامقون …. هؤلاء تزداد طولا ورفعة ان وقفت بينهم مفتخرا:-هؤلاء من لحمي و دمي وانا من عترتهم
وكل يوم احدث نفسي ربما الافضل ان ارجئ الامر ليوم غد حتى استوعب ما حدث اليوم لافاجأ بجديد يلجم قلمي و ينثرون من لطائف الافعال ما يلجم لساني فلا ابين … يومياً افاجأ بنوع جديد من البشر من الناس …من الاساليب …ومن الاشكال التي تتجدد من الكرم… فتتقاطر دموع الدهشة والفرح .. اي و الله لوما كنت من ناس ديل واسفاي وا ماساتي وا ذلي ….
اليوم غلبني الصبر وفاض بي وملأني احساس بان هذه لحظات يصعب ان تمر دون تدوين …..سوف اعود لأكتب عنهم فرداً فرداً اجداد و اخوال و اعمام واخوان حاتم الطائي..يا ناس حفير مشو
….بعد الصلاة وبعد الباقيات الصالحات …اخرج الامام ثلاث ورقات نثرها امامه و بدأ يقرأ الاولي كانت دعوة عامة لحضور وجبة غداء يوم الاربعاء القادم يوم ٩ اغسطس المناسبة زواج والثانية دعوة فطور يوم الجمعة القادمة ١١ اغسطس افطار بمناسبة زواج و تتم الدعوة في المسجد بعد الدعوة الشخصية حرصا على وصول الدعوة لكل الناس.. لكل القادمين الي المنطقة ممن يكون قد وصل لتوه او سوف يصل غداً…. حرصاً من اصحاب المناسبة لحضور كل الناس
هذه الدعوات تخبرك عن انسان حفير مشو وتقول هذا كرم على السليقة و الطبيعة و ليس مجلوبا بتطرية ما – ثم بدأ الامام قراءة الورقة الثالثة كلماتها لازالت ترن في اذني
بعد السلام …والرسالة طبعا موجهة لاهل البلد وهم قوم ليسوا تجارا ولا مستثمرين ولا اصحاب اعمال مهنتهم الوحيدة هي الزراعة مزارعين ولكنهم اصحاب رجولة ونخوة وكرم ليس له مثيل هذه الايام
الرسالة
تعلمون الظروف الصعبة التي نمر بها جميعا في السودان والحرب التي هجرت آلاف من اخوانا واهلنا وأحبابنا من ولاية الخرطوم و الذين اتجهوا الى ولايتنا الشمالية شرفنا العديد من المواطنين وهم يقيمون الان بالمدارس والأندية والساحات بمدينة دنقلا وهم في اشد الحاجة لكم فمنهم من خرج دون ملابس من منزله غير التي على جسده ومنهم من اخرج غصباً عنه والان وضعهم لا يخفى على احد فنرجوا ان نتكاتف جميعاً كما عهدناكم في الدعم المادي والعيني كلاً حسب مقدرته ومن له شئ فليدفع به الى منظمة ،،،،،،،،الخيرية
سرحت بخيالي بعيدا حيث اني كنت اقرا مثل هذه الورقة في كل مساجد الخرطوم نيابة عن منظمة بنك الملآبس الخيرية بصفتي رئيسها// من اجل المهجرين والنازحين من مناطق الحرب في الجنوب وإثيوبيا وووو والمساكين الذين لا يمتلكون اي ملبس او كساء مناسب ابان فصل الشتاء البارد …. اليوم اجد اليوم من يطلب لي أنا وأسرتي الخبز والعيش والملبس والمسكن أنا نازح اليوم بسبب الحرب في الخرطوم هجرت من دياري ومن بيتي و موطني على يد متمردين مغتصبين …. سارقين ….نهابين… سفاكين دماء أجانب بلاشك ولو كانوا يحملون الرقم الوطني

لفت انتباهي…. فجأة… دبت حركة نشطة في الصفوف الخلفية بالمسجد بدأ فوراً كشف من التبرعات دون ضوضاء و لا محاججة و لا رفث و لا جدال …فعل مباشر دون من و لا اذى….. يا سلااااام…من هؤلاء من من انتم يا ناس حفير مشو ؟؟؟
بالرغم من معرفتي بالسودان والولايات كلها بحكم طبيعة عملي ورحلاتي في ارض السودان وخارجه إلا ان هذه هي المرة الاولي في حياتي التي احضر فيها الى هذه المنطقة وأسكن في هذه البقعة الخضراء من ارض الشمالية وللحقيقة لم اسمع عنها مطلقاً
حفير مشو … منطقة كبيرة تبدأ من الكيلو ٣٠ شمال دنقلا وحتى الكيلو ٥٥ شارع شريان الشمال على ضفاف النيل من الناحية الغربية اهلها يحترفون الزراعة مهنة أساسية يرعون النخيل و يتعهدونه ويزرعون البلح والقمح والذرة والبرسيم والأعلاف وكل الخضروات والفواكه- عن طريق الترع او الابار بالطاقة الشمسية والقليل لديه الأبقار من اجل الحليب الطبيعي // يمتاز جوها بالبرد الشديد والقارس في فصل الشتاء والحرارة المرتفعة التي تذيب دماغ الضب كما كان يقول عرب البادية في نهارات فصل الصيف وفي الخريف تتنزل عليهم مطرة واحدة او ثلاث على افضل الاحوال وينعدم فصل الربيع والسكان غالبيتهم من الدناقلة والزرق (من الدناقلة) والكبابيش والمحس ويسكنون في منطقتين تحت وفوق – تحت على ضفاف النيل وفوق غرب النيل
….اول يوم اسمع بحفير مشو كان يوم ان قرر ابناء اختي الكبيرة عازة الهجرة من امدرمان الى الشمالية في اول هدنة بعد اندلاع الحرب في 15 ابريل2023 هم ابناء المرحوم مكي بابكر حسن فسألتهم من من الاهل يسكن هنا؟؟ حتي نهاجر
فذكروا لي ان اختيار المنطقة جاء من قبيل المصادفة الغربية اذ جمعت بين الاستاذة هدي وأسرتنا في الاراضي المقدسة في العمرة وهي الان تسكن في حفير مشو وانه جرى الاتصال بها فقالت تعالوا بكل ترحاب كان ما شالتكم الواطة نشيلكم في روسينا…وعيونا يا سلام عليك يا هدي وبالفعل تحركوا ووجدوا كل ترحاب وتقدير واهتمام …………
في ذلك الوقت كنت في السعودية التي ذهبت اليها معتمراً و لم استطيع العودة بعد العمرة اذ اندلعت الحرب فاكملت الحج …بسبب ظروف الحرب…. بعد التشاورمع اسرتي عندما استعرت الحرب و كشفت عن ساق …قرروا بأن يهاجروا الي حفير مشو و يلحقوا بابناءاختي هناك
ووصلوا بعد معاناة شديدة …تحركوا من امدرمان مرورا بطريق الكلية الحربية ….الجزيرة اسلانج…. المتمة…. شندي… الدامر… كبري ام الطيور… كريمة… دنقلا… ثم حفير مشو والمشوار الطويل دا كله عشان المتمردين قافلين طريق الشمال
بعد وصولهم بالسلامة وكنت اتابع معهم الرحلة – نزلوا في بيت ابناء اختي الذين عرفنا ان ادارة الحي منحتهم البيت بدون مقابل؟؟؟ كيف الكلام ؟؟ قالوا دا الحصل فقلت ليهم ماشاءالله كرم عجيب…
وبدات رحلة البحث عن بيت لاسرتي المباشرة بعد الوصول بيوم وبالفعل وجدوا بيتا جاهزا ومفروشا وصاحبه قال يطلب ايجار ٢٥٠ الف جنيه فقط في الشهر . وافقنا لكن ادارة الحي رفضت واجتمعت وقالت ما عندنا بيت للإجارة في الحي….!!!! وبالفعل سلموا اسرتي المكونة من(١٦ فرد ) نادي الحي و كان عبارة عن بيت جميل جداً كبير كبير كبير وهو لصاحبه …….جزاه الله عنا الف خير هو وكل السكان والاهل حبايبنا ناس مشو …..يقع البيت في الناحية الغربية للمربع ( فوق ) وما ان استلمنا البيت و دخلناه حتي تقاطر علينا ناس الحي ( اخوان واخوات حاتم الطائي ) واحاطوا باسرتي في النادي البيت .. لاحظ انهم ليسوا من الاقارب و لا من اقارب الاقارب فقط معارف جاءوا كل يحمل معه شيئا من منزله … سرير .. بطانيات…ملايات … مخدات … سخان كهربائي… معالق … سكاكين … دقيق ذرة دقيق قمح … حفاظات ماء بارد …فول مصري – مراوح… بصل .. موية … أزيار.. لمبات – بلح اي شئ و كل شيئ يخطر على بالك و في خلال يومين اكتمل البيت تماماً…. بيت مجهز من كل شي ودون ان ندفع مقابل ذلك اي شئ ايوه بدون مقابل !!! والله حقيقة
وتعهد الجيران اللصيقين بالثلج اليومي واي شئ يطلب منهم
من الاراضي المقدسة كنت اتحدث مع افراد اسرتي وانا في غاية الاندهاش قلت …أنا في حلم ولا علم!!!!
هذا كرم لم اسمع به من قبل لا في الخرطوم ولا حتى الولايات الاخرى ولقد سمعت وانا في تلك الفترة في الحج عن ايجارات خرافية في بقية مدن السودان في ظروف الحرب وحتى في مدينة دنقلا عاصمة هذه الولاية وصل ايجار الشقة الكبيرة الي مليون جنيه سوداني والصغيرة ٤٥٠ الف جنيه …. فمن اين انتم يا اهل مشو ومن اي طينة خلقتم؟؟؟؟
تقاسمتم بيوتكم مع النازحين والاسرة وعدة المطبخ والفرشات والحافظات والأغطية وامدادات المياه والكهرباء كل شئ بدون مقابل أظننا لو جئنا من غير اسرنا لتقاسمتم معنا الدار و جعلتمونا افرادا من اسركم لا نشعر بأننا غرباء عنكم وعن ديارنا ….هذا لم يحدث إلا عندما هاجر المسلمون الي المدينة….حيث كانت المؤاخاة بين المهاجرين والانصار ….
وحضرت الي حفير مشو و كلي شوق حقيقة لرؤية اهل الحفير اكثر من مشاهدة اسرتي المباشرة…. فأسرتي كنت اتكلم معهم كل يوم ولكن هذا المعدن من البشر…. تشتاق للقياهم شوق السحابة الراحلة تخيلوا المسافة ٤٢ كيلو من دنقلا وانت متجه شمال تحس كانّها ٤٠٠ كيلو والزمن ياهو نفس الزمن نصف ساعة….نزلت واول من صادفنا رجل لم اكن اعرفه من قبل و لكن تعرفت عليه لاحقا (اسمه ساتي سلامة ) سلم على وكانه يعرفني “والتقول بينم قرابة” سلام سلام عرفة ثم عبد الرحمن وساتي الصغير ومحمد ووليد وعمر وفواز وفيصل وفوزي ويعقوب وسالم وسهل الجزار والقامة الاستاذ الكبير عبد المنعم وراشد هذا انسان من طراز تاني ومعدن فريد يعكس الوجه المشرق لأهل مشو واخرين بذات الترحاب والبشاشة و……الكل بنفس الطبع والطبيعة الهينة اللينة المرحبة – ثم دخلت النادي مسكن اسرتي هو ليس نادي ولكن ممكن تقول استاد ما شاء الله يعادل ٦ اضعاف مساحة منزلي في امدرمان غرف كبيرة وحمام ومرحاض بابين كبير وصغير وصلت متاخرا الزمن كان بعد صلاة العشاء اول ملاحظاتي كان الهدوء الذي يسود المدينة و الاحياء والصمت الرهيب إلا من كلمات الترحاب من اسرتي عرفت انه الناس تخلد للنوم باكرا لانهم بعد الصبح مباشرة يتجهون جميعا الى المزارع والحدائق والجناين فلذلك كان هذا الصمت وتحدثوا معي حديث المندهش وبدؤا في وصف كرم نساء حفير مشو… التقطت بعض الاسماء سهام ونعمات وأحلام وملاذ و هادية وهدى وشامة وحاجة فاطمة ونورة وإيناس ومنى
في الصباح صحيت على اكثر من سبع اصوات مختلفة ( الاذان ) لمساجد توجهت الى اقرب مسجد لصلاة الصبح كل الناس تسلم علىيك سلام عرفة سلام بالأحضان وبعد الصلاة بدأ السلام من جديد ومبروك الحج وحمدلله على السلامة – المعلومة عندهم بالتفصيل هذا دليل اهتمام بالقادمين اليهم بسمونهم “ضيوفنا” ومعرفة اخبارهم وتفقد الاحوال … كل يوم اشعر بنوع جديد من الكرم لم أقابله من قبل
امس الخميس مثلاً تلقي ابني محمد دعو ة لوجبة فطور سماية مولود جديد {اتمنى له عمر مديد وحياة سعيدة } لظرف ما لم يستطع تلبية الدعوة فاذا بصاحب الدعوة يرسل له صينية الفطور في منزله رغم بعد المسافة
ونحن ناس الخرطوم النازحين كنا نتمتع بالمكيفات والمراوح و الأجواء “الصناعية” هنا في مشو النهار الشمس عادي ممكن تسلق عليها البيض (حقيقة) ولكن بمغيب الشمس في هذا الصيف يرسل الله التكيف المركزي من كل فج عميق
عندهم من البلح اشكال وألوان في كل جنينة تجد نخلة مخصصة للحبايب …دي بقي لمن تاكل منها واحدة – أنا غايتو حسيت بانها اطعم نن افخم انواع الشكولاتات – الان تعودنا تعودنا كل يوم من الساعة ١١ ان نخرج الى الجنايين بتاعة النخيل ونجلس في جو رهيب – وانصح كل الناس يكون عندها على الاقل ٢١ يوم سياحة هنا داخل السودان في حفير مشو و تمتعوا بالخضرة والجمال والطبيعة وموية النيل الصافية والشلالات …والكرم الطبيعي اللامحدود
تلقينا العديد من الدعوات للقيام ب :رحلة الي الجناين والمزارع فيها ما لذ وطاب وأكلات لاول مرة نتذوقها بصراحة الكرم كثير وسمح
ونواصل عن كرم اهل مشو
حاتم سرالختم سالم
قرية كامنية
٤ اغسطس ٢٠٢٣م

مواضيع ذات صلة

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: بنك السودان بين الخنق والإنفتاح

عزة برس

مصر .. قبلة التعليم الأولى للسودانيين بقلم : علي يوسف تبيدي

عزة برس

الضوء الشارد.. عامر باشاب يكتب: أي مستقبل تلفذيوني هذا ومستقبل بلادنا في ( ظلمات ) ؟!

عزة برس

عبد الماجد عبد الحميد يعلق على مسيرات التي سقطت في الساعات الأولي من صباح اليوم في منطقة النقل النهري بمدينة كوستي

عزة برس

هل نحن بخير بقلم: د. صديق مساعد

عزة برس

قلم ورصاصة. ملازم أول صهيب عزالدين يكتب: نفوق قادة المليشيا يظهر هشاشتها ومعايبها (شيريا نموذجاً)

عزة برس

اترك تعليق