الأخبار

تأملات.. جمال عنقرة قمة القاهرة .. المسألة العسكرية والعملية السياسية

إصراري علي تصدير عناوين مقالاتي الأخيرة ب”قمة القاهرة” ذلك أن قمة دول جوار السودان التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة الخميس قبل الماضي استوعبت كل الجهود الرامية لحل الأزمة السودانية، عززت من إيجابياتها، وتجاوزت سلبياتها، وهذا هو سر القبول والرضاء الواسعين اللذين حظيت بهما مخرجاتها، وهذا يستوجب مزيد من الوقوف والتأمل لا سيما وأنه لا يزال يوجد البعض رغم تباين مواقفهم، لكنهم يتفقون في قراءة للمشهد، أعتقد أنها تتجاوز بعض المنطق، ودون الإشارة إلى هؤلاء، أو أولئك، نقف علي ما يجب أن يترتب علي قمة القاهرة من خطوات إيجابية لحل الأزمة السودانية، وتحديدا المسألة العسكرية والعملية السياسية.
كما هو معلوم جاءت في الفقرة الأولى في بيان قمة القاهرة دعوة إلى وقف التصعيد العسكري تمهيدا لوقف لإطلاق النار، وبالمقابل أعلن مجلس السيادة السوداني في الفقرة الأولي في بيانه إستعداد الجيش لوقف إطلاق النار فور إلتزام الدعم السريع وقف الاعتداء علي المواطنين وممتلكاتهم، والأعيان المدنية الحكومية وغير الحكومية، وهذان موقفان موضوعيان، فمطلب وقف الحرب متفق عليه، فان تذكره قمة القاهرة، فهذا أمر طبيعي، واستجابة الجيش أيضا طبيعية، وطبيعي أيضا أن يقدم الجيش اشتراط موضوعية لا بد منها، فالحرب اليوم ليست هي الحرب التي انطلقت في الخامس عشر من شهر أبريل الماضي، ففي ذاك اليوم المشؤوم أشعلت قوات الدعم السريع الحرب لسببين حددهما قائدها حميدتي، هما قبض أو قتل قادة مجلس السيادة العسكريين، وتطبيق الإتفاق الإطاري، وكانت كل أهدافهم عسكرية، ولما يئسوا من تحقيق الهدفين حولوها إلى حرب ضد الشعب السوداني كله، فاستباحوا الدور والممتلكات الخاصة والعامة، وانتهكوا الحرمات، وبعد أن كان الذين يقاتلون في صفوف الدعم السريع، هم المنسوبون إلى قواته عسكريا، استنفروا مقاتلين آخرين علي أسس قبلية، وبعضهم من غير أهل السودان، وبعضهم مرتزقة مأجورون، فاشتراط الجيش وقف العدوان علي المدنيين وممتلكاتهم أمر طبيعي جدا، بل كان من الممكن أن يطلب أكثر من ذلك، ولو فعل لما عابه عليه أحد.
اما الحديث عن عدم موضوعية توقيت طلب وقف إطلاق النار، باعتبار أن الجيش بات قاب قوسين أو أدني من حسم المعركة، فهو قول محل نظر، صحيح أن الجيش في موقف متقدم جدا، وأن الشعب كله اصطف خلف قواته المسلحة، وفي مثل هذا الحال المعركة يحسمها الموقف وليس البندقية، ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هاد ودليل، فبعد أن اذاق مشركو قريش المسلمين أمر صنوف العذاب، واخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم من موطنه مكة أحب بلاد الله إليه، فلما جاء إلى مكة فاتحا بجيوش لا قبل لأهل قريش بها، وجلسوا في الأرض منهزمين منكسرين، وسالهم “ماذا تظنون أني فاعل بكم” قالوا “اخ كريم ابن اخ كريم” فكان رده الموقف الذي حسم المعركة، “اذهبوا فأنتم الطلقاء” فحقق بذلك الموقف أكبر نصر لدعوة الإسلام “إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان توابا”
وعلي المستوي الوطني، فبعد أن شرد نظام مايو الأحزاب الوطنية السودانية، تحالفت أحزاب الأمة والإتحادي وجبهة الميثاق الاسلامي، وكونوا الجبهة الوطنية التي فتحت معسكرات للتدريب العسكري في ليبيا والحبشة، وغزت الخرطوم صبيحة الجمعة الثاني من شهر يوليو عام ١٩٧٦م، وقتلوا من قتلوا، واستشهد منهم من استشهد، وانتصرت القوات المسلحة، فهرب من هرب، وحوكم آخرون بالسجن والاعدام، وبعد شهور قليلة من انجلاء المعارك، قاد الرجل الوطني الغيور فتح الرحمن البشير مبادرة للصلح، فاستجاب الطرفان، والتقي المشير جعفر نميري رئيس الجمهورية، والسيد الصادق المهدي رئيس الجبهة الوطنية في بورتسودان، وكانت المصالحة في عام ١٩٧٧م أكبر انتصار للإرادة السودانية الوطنية الحرة.
أما بالنسبة للعملية السياسية، فلقد نص بيان قمة القاهرة، وكذلك بيان مجلس السيادة السوداني، نصا علي أمرين مهمين، هما أن تبدأ العملية السياسية بعد وقف الحرب، وأن تكون شاملة يشارك فيها الجميع، بلا إستثناء ولا تمييز، وكنت قد كتبت مقالا مفصلا عن ذلك عنوانه “نعم .. حتى المؤتمر الوطني وقحت” وكان ذلك ردا علي تعليقات وردت بشأن مقال سابق له ذكرت فيه أن العملية السياسية بعد وقف الحرب تكون شاملة بلا إستثناء، فسأل بعضهم عن مشاركة المؤتمر الوطني في ظل النص الهالك “ما عدا المؤتمر الوطني” وبعض آخر سأل عن مشاركة قحت، وهي كانت حليفا رئيسا للدعم السريع، وهي متهومة بتحريض حميدتي علي الحرب لفرض الإتفاق الإطاري بالقوة، ومعلوم أن قحت لو لم يثبت عليها تحريض حميدتي علي الحرب، فلم يثبت أنها ادانت الحرب، ولا كل الانتهاكات التي صاحبتها، ومع ذلك لا أجد في هذا كله ما يبرر عزلا سياسيا، لا للمؤتمر الوطني ولا لأحزاب قحت، فالمشاركة السياسية يجب أن تتاح لكل السودانيين، ولم نصل إلى ما وصلنا إليه إلا بسبب العزل والإقصاء الذي ظللنا نمارسه طوال تاريخنا، وفي حياتنا السياسية، وغير السياسية. وبعد الذي حدث ولم يكن يخطر علي بال بشر، يجب أن نواجه تاريخنا بقوة وشجاعة، ونسعي لمعالجة عللنا وأمراضنا المزمنة، بجراحة عميقة، واستئصال كامل، ومن أكبر علل المجتمع السوداني عدم قبول بعضنا بعضا، وادعاءاتنا واواهامنا الكاذبة.
ومثلما ذكرت في المقال السابق المشار إليه، لا بد من التأكيد هنا أن المشاركة التي ذكرتها، وقلت يجب أن تكون متاحة للجميع، هي المشاركة في الحياة السياسية، وليست المشاركة في الحكم في المرحلة الإنتقالية المرتقبة، فالمرحلة الإنتقالية المقبلة المشاركة فيها فقط للكفاءات الوطنية غير الحزبية، ولا توجد فيها فرصة لأي محاصصة حزبية، أما الأحزاب فمشاركتها في الحكم، تكون بعد الإنتخابات، وحسب التفويض الشعبي الذي يناله كل حزب.

مواضيع ذات صلة

الجيش يرد على بيان المليشيا

عزة برس

قوش يزور جرحى عمليات معركة الكرامة بالقاهرة

عزة برس

13 قتيل على الأقل في هجوم للدعم السريع على إحدى قرى ولاية الجزيرة

عزة برس

غوتيريش يدعو المجتمع الدولي لاتخاذ اجراءات للحد من العنف في السودان

عزة برس

رسميا الهلال يحرز لقب الدوري السعودي للمرة 19 في تاريخه

عزة برس

رحبة سعيد : فروع المواصفات تقف سداً حصيناً لمنع دخول السلع والمنتجات المخالفة للمقاييس

عزة برس

اترك تعليق