المقالات

إبراهيم أحمد الحسن يكتب :عَلَمْ أبيض …

كان وحده يكسوه البياض سمة و رمز و صفة ، عنفوان و عنوان .. وحده يرفرف و يرفل و يزدهي و يفخر بلونه الابيض الناصع .. كانت كل الاعلام تصطخب بعواصف الالوان بدرجاتها و تدرجاتها الا هو وقف وحده يعتد بلونه الابيض.
الوان الكستناء و الارجوان الوان البرتقال و الماجنتا و الزهر و الخوخ ، الوان شفق المغارب اصفر احمر و رمز الزرع اخضر ، كانت كل الوان الطبيعة و الالوان المصنوعة ترفرف في بذخ و ترف الا هو بلونه الابيض اصل الالوان جميعاً يرفرف بشموخ و يدهش العالم .
عندما زرنا يوما اندونيسا .. مجموعة من الاصدقاء وقف الموسيقار عثمان محي الدين مرفوع القامة ، مبتسماً في القاعة الفسيحة الي جواره و عزف له من القلب ( الاناشيد القديمة) ثم عرج علي آخر المقطع علي الارض الحميمة استبد بنا الحماس و طفقنا ننشد من خلفه و بكل طبقات الصوت للظلال الزرق في غابات كينيا و الملايو ، للبلاد الاسيوية و لباندونق الفتية و كان نظم تاج السر الحسن بكل عنفوان القصيد ينسرب سارياً بين ردهات القاعة و يتردد صداه بين جدرانها المرتفعة .. اقمنا حفلاً صغيراً و تحلق حولنا الزوار .
كان مدخل (غناوينا) في تلكم القاعة نشيد الوطن فعند العلم عزف عثمان و انشدنا ( .. فليعش سوداننا علماً بين الامم ) كنا مجموعة اصدقاء من حلفا ( عند خط الاستواء ) من كردفان و دارفور و من نهر النيل من الجزيرة و الخرطوم .. لم نختر نحن هذا الثراء و ذلكم التنوع البهيج و لم نكن نمثل وفداً تم اختياره بعناية عبر المراسم ليعكس التنوع في السودان ، بل كنا مجموعة اصدقاء جمعت بيننا الصداقة و المحبة و هواية ممارسة الرياضة .. عزف عثمان و انشدنا خلفه ( يا بنى السودان هذا رمزكم / يحمل العبء و يحمي ارضكم ) .
قبل سنوات اربع نسجنا له الاغنيات ( علي اجنحة الفجر ترفرف فوق اعلامك / و من بينات اكمامك تطلع شمس اعراسك ) .. وعادت بنا الذكرى الي قبل عقود اربعة بل تزيد رددناها ملء حناجرنا الصغيرة ( فلتدم أنت لنا وليدم منك الوفاء ) خاتمة نشيد شهرته بين التلاميذ حينها ( علمي انت رجائي ) ، حفظناه وقتها نشيد و كلمات ثم لحناه نغم يقول (علمي أنت رجائي أنت عنوانُ الولاء /أنت رمزٌ للفداء أنت رمزٌ للإباء / لونك الأحمرُ فيضٌ من دماء الشهداء / لونك الأبيضُ رمزٌ لسلامٍ ووفاءِ / لونك الأخضرُ زرعٌ وإخضرارٍ ونماء / لونك الأسود وجهُ السابقين الأقوياء / فلتدم أنت لنا وليدم منك الوفاء ) ، و هكذا حملنا الوان العلم و كلمات نشيده معنا في الحب و الترحال و لم يك هناك خطأ طباعي فقد حملناه في الحل و في الحب و الترحال . الي ان زرنا يوماً اندونيسا و جئنا الي متحف اسيا و افريقيا و وجدنا انفسنا ازاء علم ابيض و مكتوب عليه بحروف واضحة سودان .
للون الابيض في الذائقة السودانية حفاوة و اعتبار ، فعند انقشاع اي مشكلة في السودان فهي ( صافية لبن) و اللبن لونه ابيض .. و عندما يستبد الحب منتهاه بشاعر فهو يذوب منشداً ( إنت يا الأبيض ضميرك / صافي زي قلب الرضيع / في كلامك وابتسامك / أندي من زهر الربيع / عشت متهيئ لحبك
كل أيامي وحنانها / ابتساماتك عزيزة / بحرق الآهات عشانا ) فضمير المحبوب صافي و صادق و هو ابيض مثل قلب الرضيع . احتفاءنا في السودان باللون الابيض صيره مدينة غالية و عزيزة جعل شاعر استبد به الشوق الذي اججه قدوم العيد و هو بعيد مردداً ( سنك ريال جيد / ودقاقها ما بليد / خلوني نعيد / في دار الأبيض ) ، فالابيض دار و وطن و مدينة لونها ابيض ، تسمي أجمل مواقع الترفيه و الرحلات فيها ( الخور الابيض ) ،فهو لون ، طعم و رائحة و علم .
اللون الابيض تأريخيا هو رمز للنقاء و التنوع الثقافي رمز للضؤ و التبجيل ، للصدق و البراءة و النظافة و الصفاء و الطهارة و البساطة و التواضع و الامل و اللطف و الود ، هو مصدر لجميع الالوان ، بل هو بداية الحياة عندما يصبح لون توب زفاف ( تغني ليهو قمرية ) .
كان علم السودان عند اعتاب مؤتمر باندونق في 1955 هو ذياك الابيض ، نصبه امامه علي طاولة المؤتمر الزعيم اسماعيل الازهري فما كان للسودان وقتذاك علما بين الامم ، و عندما تم التوثيق للمؤتمر بعد انقضاء اعماله ، كان رمز السودان أبيض اللون وليد راهن و تو عاشه اسماعيل الازهري وقرر فيه و وضعه امامه ابيض يجمع الالوان قاطبة و يصير مصدرها الاساس ، هو ذاته علم السودان الابيض الذي وقف خلف المنصة الرئيسة – كما تبرزه الصورة – يزاحم الاعلام ، يصنع التأريخ و يحي الدول .

مواضيع ذات صلة

عمار العركي يكتب: خبر وتحليل: – مجلس الشيوخ الامريكي ومجلس الشيخ الإماراتي

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: ايها السادة .. انتبهوا !!

عزة برس

أماني الطويل ومعطوب القول!! بقلم: عمر عصام

عزة برس

تقرير: 1140 حالة اختفاء قسري خلال عام من الحرب في السودان

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: دعوها فانها مأمورة ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: استفهامات بريئة جدا ؟!

عزة برس