الأخبار

الصندوق الأبيض.. نادية عثمان تكتب: جرجرة أذيال ومصالح ذاتية

عرّف المختصون في علم النفس الشخصية المصلحجية بأنها تولد مكتسبة هذه السمات والصفات مثل الأنانية وحب الذات، تقدم مصلحتها على مصالح الآخرين في سبيل الحصول على كل ماتريد من أجل تحقيق أهدافها الشخصية وخدمة أجندتها وخططها الذاتية. كما يطلق هذا المصطلح (مصلحجي) على الشخص الذي يستغل المواقف لتحقيق مصالحه الشخصية والذاتية لا يفهم ويدرك أبداً مفهوم القيم والأخلاق في حياته.
سقت هذه المقدمة لظهور بعض الكيانات من جانب وبعض الشخصيات من جانب آخر هذه الأيام على السطح بعد إدراكها وإحساسها بأن القوات المسلحة بحنكتها وذكائها ومقدراتها المعروفة عنها عالميا سيطرت على مقاليد الأمور في البلاد، وبدأت تلوح بشارات النصر المؤزر في الأفق.
عند اندلاع الحرب في الخرطوم وبعدها في ولايات أخرى،
وقف جنود القوات المسلحة البواسل يواجهون أعداداً مهولة من المتمردين أضعاف عددهم، ظلوا يدافعون عن الوطن لوحدهم رغم وجود أعداد كبيرة من الحركات المسلحة داخل ولاية الخرطوم والتي وقفت متفرجة ولم تتدخل أبداً إلى أن هداها الله لمغادرة الولاية دون المشاركة حتى ولو بالرأي.
خرجت كل الحركات المسلحة بقواتها وعتادها متجهة إلى الولايات النائية حامية لنفسها حتى تنجلي الغمة متخذة الحياد والصمت شعارا لها، وعندما اشتعلت الحرب أيضاً في بعض الولايات خاصة الغرب خرجت مرة أخرى لأمكنة آمنة تقي نفسها وتحفظ قواتها وعتادها، وهكذا ظلت في هذا الحال تطوف وتجول أنحاء البلاد باحثة عن الأمان دافنة الرؤوس في الرمال.
وفي الوقت الذي كانت تفعل هذه الحركات كل الأفعال والتنصل عن الوقوف بجانب قواتنا المسلحة في معركتها ضد الجنجويد، استعانت القوات المسلحة بالمستنفرين وبعض من لجان المقاومة من أبناء شعبنا الأبي وكانوا في الموعد، رجال أبت أنفسهم إلا المشاركة وبذل أرواحهم تضحية وفداء للوطن.
وحين جاء اليوم الذي شعرت فيه الحركات المسلحة بالأمان وأن القوات المسلحة ماسكة بزمام الأمور، خرجت فجأة دون خجل لتعلن انضمامها ووقوفها مع القوات المسلحة. بالله عليكم ماذا نسمي هذا غير المصلحة فوق مصالح الآخرين؟ وهذا هو الجانب الأخطر من الظهور.
هناك جانب آخر وهو ظهور بعض الشخصيات سواء أكانت سياسية أو إعلامية أو صحفية، على المشهد واختفائها تماماً في فترة اندلاع الحرب وهنا لا ننكر وجود مواقف وجوانب مضيئة من البعض الآخر.
في تلك الأيام العصيبة التي مر بها الشعب السوداني أيام الحرب كان يتابع ويترقب الأخبار ويبحث عنها بحث الملهوف لسماع السعيد منها، خاصة السودانيين في المهاجر الذين كانوا يتعلقوا بالقشة ليطمئنوا على أحوال بلدهم وأسرهم، لكن للأسف لم تكن هناك وسيطة إعلامية سودانية واحدة من الوسائط المتعددة لها الشجاعة في نقل أي خبر بدقة في ذلك الحين، اختفاء تام لكل الوسائط والصحفيين والإعلاميين والسياسيين، لم يستطيعوا نقل الحقيقة كما ينبغي ويفترض، أغلب الأخبار التي كانت ترد من مجهودات فردية عبر (الميديا) من المواطنين أنفسهم خاصة عن الوضع الميداني عند معاناتهم في الخروج من الخرطوم لبر الأمان، حتى المكتب الإعلامي والصحفي الذي كان مرافقاً للقوات المسلحة لم يستطع تغطية كل الأحداث في كل الجبهات وفي كل الجهات ساعة اشتداد الحرب ونيرانها. والشخصيات التي ظهرت في بعض القنوات الخارجية والمراسلون وبدأوا يتحدثون عن الأوضاع في ذلك الحين لم يكونوا بالخبرات الكافية والكفاءات والاختصاص الذي يجعلهم يتحدثون عن الوضع الميداني ويدلون بآرائهم فيه.
ظهور العديد من الشخصيات بكل تصنيفاتها هذه الأيام بعد صمتهم الطويل والذي وضعهم في موضع السؤال ومراقبتهم للأوضاع إلى أين تسير وفي هذا التوقيت، إن دل على شيء إنما يدل على استغلال الظروف ونية تحقيق المصالح الذاتية ليس إلا.
شاهدنا قبل ذلك حروب عديدة واجهتها بعض الدول العربية مثلنا، لكن كانت التغطية الإعلامية والصحفية على مدار الساعة، متحدثون مختصون وصحفيون وإعلاميون في الميدان في مواجهة فوهة البندقية، عرّضوا أنفسهم وأرواحهم للموت، تحدثوا بكل شجاعة لم يخافوا في قول الحق لومة لائم، لم يندسوا ولم يختفوا إلى الآن يتحدثون بنفس لهجتهم وشجاعتهم التي بداوا بها، أين نحن من هؤلاء لنأتي في نهاية المطاف نجرجر أذيالنا دون خجل لتحقيق مصالحنا الذاتية فوق مصالح الوطن والشعب.
ليتنا ندرك أهمية الإعلام في كل الظروف، الإعلاميون والصحفيون الحقيقيون هم الأصيلون وليسوا أصحاب المصالح الذاتية.
لو استمر حالنا بهذه الكيفية التي كانت في السابق لن تقوم للسودان قائمة إلى أن تقوم الساعة.
نحن نطمح في سودان وإنسان جديد بمواصفات يعلمها كل العالم عن السودان والسودانيين، صفات ليتنا نخرجها ونطبقها حتى نلحق بركب الشعوب والأمم التي قامت على أكتافنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *