المقالات

عمار العركي يكتب: أمي مع السلامة ويا وطني السلامة

• بنت الله جابو ، ذلك الصّوت ، الحاضر في إشراقة الصّباح والسّاهد في غفوة اللّيل، والكامن في أسارير الوجود، ذلك الكيان الّذي يتلقّف قسوتنا ولا يقسو، يحتمل جهالة طفوليّتنا وطيش شبابنا وعنت كُبرنا ، ولا يشتكي !!، يُعاين مرارة اختلافاتنا وخلافاتنا وجهامة عقولنا وغلاظة قلوبنا ولا يتردّد في احتضاننا !!.
• بنت الله جابو، أمّي ووجه لوطني ، فالأمّ الوطن الكيان بكلّه ، يمنحه من ذاته نمو ، ومن عطائه سمو ، فنكُبر وقد نتغرّب او نرحل عنه وننشغل وننسي ، وتظل الأمّ الوطن القويّ بذاته، بضعفه العاطفيّ الّذي لا يتوانى عن العطاء اللّامتناهي، والّذي يتغذّى من رحمة قلبه ويتقوّى بنظرات التّحنان على فلذات أكباده ، وعلي الوطن الجغرافي.
• بنت الله جابو بصوتها المشفق المُتعب تهمس : عمار يا ولدي ” الخرطوم كيفنها ؟ لسه ما قربت ؟ الله يغطيكم ويحفظ البلد”. إنّها الرّسالة الملائكيّة الّتي تنطوي فيها آمال قصائد الرجاء الجميلة، ومواعيد الأحلام وترانيم الصّفاء عند ساعة النّوم الهنيء. إنّها المرأة المثقلة بالصّبر والمعدّة لجهاد عظيم لا تدرك قدسيّته إلّا من حملت في قلبها ما شابه حبّ الله للعالم ، ذاك الحُبّ الّذي ينهمر بقوّة وبوفرة ولا يشحّ، ويتوزّع على الكلّ ولا يحابي الوجوه.
• بنت الله جابو وطني الإنساني ، بوجه وملامح وطني الجغرافي الجريح الطريح الممدد على آسنة رماح العقوق الوطني ، فتشردت بت الله جابو وصُحيباتها ورفيقاتها ومثيلاتها في الأُمومة بين المنافئ والملاجئ ، وهُن يحملنً في دواخلهنً ما تبقي من الكيان وعبق المكان وجميل الزمان ، وتركوا لنا جراحات المباكي الحسرة الألم بفقد الأم الوطن الملاذ ، تُرافقنا أينما تشردنا ونزحنا وحللنا داخل ما تبقي من جغرافيا وطن النزوح والإقامة القهرية علي سفوح الجروح.
• تبدّلت الأيّام، وتقلّبت الأحداث، وخانت قوانا الصًعاب ، وأينما حطّت رحال الأمومة المُشردة المُهجرة قسراً ، تُحطّ حضارات الوطن الأمة الهوية ، وينشدن على مسامع الكون حتّى يتحوّل الوطن شخصاً يتنقّل بين حضارات العالم المنافي الملاجئ .
• بنت الله جابو ، رفعة العطاء في مجّانيّته، وسموّ الحبّ في بذل ذاته ، كانت فينا نُسيمات الرّجاء عندما يفتر فينا الأمل ، ورهبة الجمال عندما تباغتنا دمامة السّنين، وعظمة الخيال ، وقبل أن يستفيق آبناءها علي حقيقة قهر الرجال وعجز حولهم عند تصفعنا بنت الله جابو بطلب حقها الطبيعي وبسيط بصوت رقيق متعب ومريض ” يا اولادي ، رجعوني السودان ، افرشوا علي في بيتي ، وادفنوني مع اهلي” .
•ونحن حولها ، بقهرنا واللاحولنا نُجيبها ” يُمة بنت الله جابو ، بيتك مُحتل من الغاشم المُختل ، مقابر أهلك قيد الأسر والقهر ، من إقترب منها مفقود ، ومن في باطنها آمن مسعود ، حتي المدافن يا يُمة ، اصابها التهجير والتشريد ما بين قارعة الطريق الآمن مؤقتاً الي حين إنتهاء مراسم الدفن ، وأزقة الحواري وامام البيوت ، خُلسة من عيون الكلاب الأدمية النباشة وفوهة البندقية النياشة.
• بنت الله جابو أمي وطني ، حملتني وطن وهن علي وهن ، منذ النّفس الأوّل، تسكب في شراييني ماءه العذب النّضير. من سُنبله يقتات جسدي وفي كنفه تتغذّى روحي. سماؤه غطائي وشمسه سراج دربي مهما تعسّر السّبيل، أفترش ترابه فأحنّ إلى الحضن الأوّل وأرتحل في أحلامي البسيطة أبحث عنه في طيورالخريف العائدة والهاربة من قرّ الشّتاء، لتلقى أمي وطني عشّاً هنيئاً ترقد فيه بسلام فأمي وطني ، سنابل قمح لا يرهقها الشّموخ ولا تثقلها حبّات تقيها لإشباع أفواه أطيار جائعة.
• بت الله جابو أمي وطني، بملامح إمرأة وجدت لتكون أمّاً وأمّة تجمع في ظلّ جناحيها إخوة يتلاقون عند ضفاف الأنهار، يلعبون ويفرحون، ويتنازعون ويحزنون. وعند هتاف الغروب يعودون إلى أحضانها متحابّين، مبتسمين، متناسين أيّ نزاع حتّى لا يتنسّموا إلّا رائحة الوطن كي يحيوا.
• الأمّ ملاك ينشده الله للخليقة حتّى يتذكّر أبداً أنّ السّلام لا يزهو إلّا بالبذل والعطاء، وأنّ الحُبّ لا ينمو إلّا إذا منح بوفرة ومجّانيّة، وأنّ الامّحاء سرّ العظمة وسرّ الحبّ الّذي لا يفنى. والوطن أمّ ، زرعه الله في جنّة مشرقة، على أطرافها أنهار تفيض الدّموع لننهل منها بهاء الرّوح ونقائها، وفي وسطها أغصان عدّة، متفرّعة ومتفرّقة لكنّها ملتحمة بجذع واحد، حتّى نتجرّع أبداً معنى الكرامة .
* ذهبت أمي أخيراً بعد أن أسلمت روحها ، وإستسلمت لقضاء وقدرية عدم درايتها بأي أرض تموت، وأن تموت وتدفن رُفاتها في غير أرض أهلها وملامحها وصفاتها، لسان حالها حال المُتنبئ:

يـا مَـن نُعيتُ عَلـى بُعـدٍ بِمَجلِسِهِ
كُــلٌّ بِمـا زَعَــمَ الناعــونَ مُرتَهَــنُ
كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ
ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبـرُ وَ الكَفَـنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قَولِهِـمِ
جَماعَةٌ ثُمَّ ماتـوا قَبلَ مَن دَفَنـوا
مـا كُـلُّ مـا يَتَمَنّى المَـرءُ يُـدرِكُهُ
تَجري الرِياحُ بِما لاتَشتَهي السُفُنُ

* فيا أمي مع السلامة فى رحاب الله المجيد ، نلتقيك بإذنه بدارك الجديد ، في علائك الأبدي السعيد لدي مليكٍ عزيزٍ مقتدر و شديد ، من بعد كامل الرضا والتسليم إنا لله وإنا إليه راجعون.

* خلاصة قولي ومنتهاه :
• دعواتكم لأُمي الوالدة عائشة الله جابو محمود العركي بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وللوطن الأمن والآمان والسلامة وإخماد النار.

مواضيع ذات صلة

بُعْدٌ و مسَافَة .. مصطفى أبو العزائم يكتب: الروس قادمون

عزة برس

العطا لمن عصا بقلم: بدر الدين عوض الله المحامي

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: بعد إنقلاب عربته بالأربعة من زادنا طه حسين للأسافير

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: كري المدني: (الشهادة السودانية والجنسية الخضراء ام خرتيت) ..!

عزة برس

شيء للوطن.. م. صلاح غريبة – مصر السودان، حربٌ على النسيج الاجتماعي أم حربٌ على الشائعات؟

عزة برس

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

اترك تعليق