المقالات

سعد محمد أحمد يكتب: تهجير غير شرعى مسؤولية من!؟؟ ثانيا وثالثا ورابعا والف مرة!!

كتبنا كثيرا عن الهجرة غير شرعية ومأساتها ومالاتها وأسبابها وكيفية معالجة اشكالتها وضرورة خلق وظائف وضمان اجتماعي وتعليم جيد للشباب الذي يشكل أكثر من ٦٥ ٪ من نسبة سكان السودان الا انها لم تجد أذان صاغية من الجهات المعنية، لنشهد خلال هذا الشهر الجاري2023 غرق أكثر من مائة شاب سوداني في البحر الأبيض المتوسط في سبيل الوصول لأوروبا وعدد آخر لقى حتفه في رمال الصحارى وناهيك عن ابتزاز حرس الحدود، الكارثة أن تستمر هذه الظاهرة وان يظل الوضع كما كان بعد ثورة ديسمبر العظيمة التي قادت حراكها هؤلاء الشباب الذين جزء منهم فقد الأمل في التغيير والعدالة والسلام واختار أن يكون طعاما لتماسيح البحر بدلا من أن تكون فريسة ل ( تماسيح السلطة،). عليه رأيت أن لا جديد في هذه المأساة التي أصبحت أكثر إئلاما وارقا إلا ان أعيد مقالي الذي سطرتة في أكتوبر ٢٠١٦ لعل التكرار تصحي ضمائر السلطات المعنية والجهات ذات الصلة فضلا عن ظاهرة العقودات لدول الخليج التي تباع في مكاتب الاستخدام الخارجي والتي تحصد منها الشباب سرابا.
الهجرة غير الشرعية مصطلح غير دقيق ويسئ للمهاجرين قضايا الهجرة دائماً مسؤوليتها تقع فى عالم اليوم على الثالوث المعولم من سلطات طاغية فى بلدانها فى العالم الثالث والتى تحميها الامبريالية من العالم الاول وهيمنة إقتصاد معولم يزيد الاغنياء ثراءاً والفقراء فقراً وحروب أهلية بشراكة بين منتجي هذه الاسحلة ومستعمليها من الطغاة وشبكات الهجرة الغيرة شرعية والتهريب التى تنشط بدعم من بعض المسؤولين وتحت حماياتهم فالهجرة حق ربانى فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها بل حق بالقانون الدولى يعطى للناس كافة الحق فى التنقل والهجرة. ويمكن القول أن هناك نمطين من الهجرة الهجرة النظامية القانونية والهجرة غير الرسمية التى تتم خارج الأطر القانونية.
والهجرتين أصبح المواطن المهجر يدفع الملايين من الجنيهات مقابل الفوز بالهجرة إن كانت شرعيا أم غير شرعي تخيلوا عقودات العمل التى توقع بين المهاجر ووكلاء دول الخليج والسعودية مقابل إيجاد فرصة عمل تدفع ملايين الجنيهات وعقود إذعان ونلاحظ أن ضحايا الهجرة النظامية وغير النظامية معا ليسوا من أبناء الطبقة الغنية أو الوسطي بل هم من الفقراء الذين لا يملكون فرصا حقيقية فى الداخل ومن البديهي أن شبكة تهريب البشر هي إحدي شبكات الجريمة المنظمة ولكن ليست مرتبطة ببعضها بالضرورة قد يكون هناك نقاط التقاء بينها ولكنها ليست الشبكات ذاتها مثل المخدرات وتجارة الاعضاء البشرية بل بعضها مقننة كما يرتبط الهجرة غير النظامية بتجارة الجنس والرق.
للأسف هناك أحاديث دايرة ومشاعة تحتوى على ادانة المهاجر على الرغم من انه هو نفسه الضحية.
المجرم الحقيقى هو سلطة بلاده ونظامها التى لم توفر وتستوعب الشباب فى مشاريع حقيقية وايجاد فرصة عمل وتوظيف هذه الطاقات المهدرة وايجاد فرص للحياة الكريمة من صحة وتعليم جيد وتوفير بيئة فيها حرية وثقافة والمشاركة فى الحياة العامة.
والمجرم الحقيقى هو من يستغل حاجة المهاجر للهجرة ان كانت هجرة قانونية بعقودات أو هجرة غير رسمية اي غير شرعية.
فالهجرة فى حد ذاتها فعل غير اجرامي فى القانون الالهي والدولى بل تعتبر حقا أساسياً.
الضحايا أصبحوا طعاما لاسماك القرش فى البحار والضباع فى الصحاري ولا بواكى عليهم أن ضلوا الطريق فى الصحارى وماتوا ام حصدتهم الرصاص المجهول أو غرق مراكب متهالكة تقل مئات المهاجرين من جنسيات مختلفة من العالم الثالث ومصرع المئات منهم.
إنه أحاديث تتداوله وكالات الانباء واجهزة الاعلام وسط صمت غريب للجهات الرسمية التى من المفترض ان تكون المعنى بهذه القضية والغريب فى الامر ان بعض الاراء الرسمية التى تتعامل مع الحدث تلك الاراء التى ذهبت وتذهب لادانة ضحايا الحادث والمهاجرين الذين يغامرون بحياتهم ويقطعون الصحارى جوعا وعطشا ويركبون البحر فى سفن متهالكة بحثا عن حياة كريمة صحية وامنة وتعليم والحلم بتوفير بعض الحاجات الاساسية لأسرهم.
وذلك فى مواجهة نقد الاوضاع السياسية المأزومة والتى دفعت وتدفع الشباب للهجرة واهمال الدولة فى ملاحقة شبكات التهريب المستفيدة من الهجرة، بل أن الدولة ذات نفسها بأنها لم تعلم أن ملاحقة الشبكات الاجرامية من واجباتها وتدعى انها تخدم دول المهجر وتطالبها بالمستحقات. الذين هاجموا ويهاجموا الضحايا اتهموهم بالغباء لان تكلفة الهجرة فى وجهة نظرهم تكفى لايجاد فرصة عمل أو انشاء مشروع صغير بدلا من مغامرات الغرق أو الموت فى الصحراء هذه الدولة التي لم تسأل حاملى عقودات العمل الرسمية لدول النفط كم من المبالغ التى دفعت مقابل الهجرة الرسمية وفيما يدفع وفيما يدفع وكيف يتم تحويل هذه المبالغ للخارج بالنقد الاجنبى وحجم هذه المبالغ والضمانات الكافية لحقوق المهاجرين والذى يقضي الواحد منهم شهوراً دون راتب ربما الاستغناء من دون حقوق مع عجز سفارات بلادنا فى ملاحقة أصحاب العمل فى تلك الدول ورد حقوق مواطنيها.
هذه الاراء الرسمية تتفادى عادة أبسط قواعد التفكير المنطقى والملاحظات البسيطة الواضحة للعيان لتبحث فقط عن تلك الاتهامات الدفاعية الرسمية التى تخفى الاوضاع الحقيقية.
فمن يستطيع تدبير مبلغ كبير للهجرة غير شرعية بامكانه من دون جهد أو مغامرة استخراج تاشيرة السفر عبر القواعد القانونية ولا يلجأ للهجرة غير الشرعية إلا من لا يسمح ظروفه المادية والاجتماعية بالسفر القانوني. وللحقيقة يتغافلون عمداً ان الهجرة والسفر القانوني مرتبطا ايضا بتلك العوامل والاهم من كل ذلك والذى يعلمه الجميع علم اليقين ان رؤوس الاموال تحجم عن الاستثمار فى بلادنا لظروف سياسية واقتصادية لا تبشر بالاستثمار. ايضا رؤوس اموال كبيرة تسافر للاستثمار بالخارج والكثير من الشركات والمشاريع تغلق أو تتغلق نتيجة لسياسات الحكومة ونتيجة للازمة الاقتصادية والركود وتدهور العملة الوطنية مع هذا الوضع والراهن فماذا ستفعل مبالغ الهجرتين الشرعية والغير شرعية الزهيدة فى سوق ينكمش ويعصف برؤوس الاموال الكبيرة.
الحقيقة أن أسباب الهجرة واضحة للعيان ويمكن رؤيتها بوضوح وببساطة وسط الاحصاءات التى تعلنها الخبراء وعندما نكتشف ان نسبة الفقر فى السودان قد تجاوز نسبة ٩٠٪ من عدد السكان فى بلادنا. فانه يعنى ان جل سكان البلاد يعانون من عدم القدرة على تلبية الحاجات الاساسية وتراجع فرصهم فى حياة كريمة وبالتالى تكون محاولات الهجرة المخفوفة بالمخاطر بديلا وارداً من استمرار فى حياة ليس فيها فرصة حقيقية للعيش.
وعندما تعلن الاحصائيات ان نسبة البطالة تقترب من 50٪ من قوة العمل فان هذا يدفع الالاف من الشباب فى سن العمل إلى البحث عن فرص عمل فى الخارج لم تتوافر لهم فى الداخل كما أن معدلات التضخم التى وصلت إلى ما يقارب ٣٠٠٪ مع انكماش الاجور أو ثباتها فى أفضل الاحوال تجعل تدبير الحاجات اليومية امراً عسيراً ليس للعاطلين ولكن أيضا للعاملين بأجور صغيرة أو متوسطة.
هذه هي الأسباب التى دفعت السودانيين للهجرة حتى إلى إسرائيل وسط رصاص الجنود المصريين والتى راح ضحيتها شبابنا الذى لم يتحسر عليهم حكومتنا.
فالهجرة كانت متوفرة منذ سنوات وتزايدت بشدة مع الانهيار الاقتصادى والكبت السياسي الغير مسبوق وتراجع القدرة على الحصول على وظيفة باجر مناسب. ولكن الاكثر وضوحاً مع تزايد العوامل التى تدفع للهجرة كيفا وكما تراجعت فرص الحصول على عمل فى الخارج بالطرق التقليدية كانت لدول النفط ملجأ للباحثين عن فرص عمل فى الخارج بالرغم من القسوة ونظام الكفيل الذى يعود إلى عصر العبودية تراجعت نتيجة لتدنى أسعار النفط والحروب وبالتالى انكماش إقتصادياتها وتدنى مداخيلها وتوجه تلك الدول لتلبية حاجتها من العمالة وشروط الحياة تغيرت تغيراً ملحوظاً فى الدول النفطية ما جعل الهجرة اليها على الرغم من صعوبتها غير مجدية.
هذا ما جعل تزايد معدلات الهجرة غير شرعية وميل الضحايا للمغامرة وأن تزايد الازمة الاقتصادية فى الداخل وتراجع فرص الهجرة القانونية تبدو أسباب واضحة ومعقولة للغاية للهجرة غير القانونية للسودانيين حتى للجنسيات الاخرى والتى يعتبر السودان بالنسبة لهم دولة معبر لكثير من اللاجئين.
فمن البديهى انهم لم يهدفوا للاستقرار فى السودان اصلا كما أن تراجع فرص المواطنين فى بلادنا يعنى تراجع فرص الاجانب بكل تأكيد.
يبدو أن ان تشديد شروط الهجرة وأغلاف الابواب امام المهاجرين هو الدافع الاكبر لاتجاههم نحو الهجرة غير شرعية والنظامية على الرغم من المخاطرة خاصة ان الكثير من هؤلاء المهاجرين يفرون من الحروب الاهلية والظروف الصعبة.
وعلى الدول الغربية الامبريالية التى تشتكى من الهجرة إن كانت حريصة على إيقاف موجات الهجرة إليها أن تكف يدها من حماية ودعم الحكومات الديكتاتورية الشمولية الفاسدة وان تقيم مشاريع تنموية حقيقية فى دول العالم الثالث وان تكف عن ديونها وقروضها وفوائدها التى تجنيها من عرق هؤلاء الضحايا حتى يحدث تنمية حقيقية فى الدول الطاردة لشعوبها للاستقرار وتوفير فرص عمل وحياة كريمة.
إن اتهام الضحايا الذى وصل حد الشماتة فى بعض الاحيان لا يهدف إلا لاعفاء اطراف اخري من المسؤولية على رأسها الدول الامبريالية الغربية التى أرهقت ميزانيات واقتصاديات العالم الثالث والتى خلقت الانظمة الشمولية التابعة لها والتى خلقت الحرب الأهلية سوقا لمنتجاتها من الاسلحة التدميرية. فضلا عن شبكات تهريب البشر التى تستغل ظروف المهاجرين الفقراء من السودانيين وغيرهم من الشعوب الفقيرة والماثلة لاوضاعنا في جمع الاموال وتدفعهم للموت هن من يحملن المسؤولية المباشرة عن سقوط الضحايا بكل تاكيد. ولكن خلف المسؤولية المباشرة هناك مسؤولية اخري تتحملها السلطات فى دول التهجير التى تخلق البيئة الطاردة انه فشل الدولة فى توفير فرص الحياة الكريمة لقطاعات واسعة من السكان وسيظل دافعا لهجرتهم باي طريقة ممكنة مهما كانت درجة المغامرة والخطر وسيظل الموت تلاحقهم خلال رحلة الهجرة عبر الصحارى والبحار خطراً محتملا وسيراه الكثيرون بديلا أفضل من اليأس الحقيقى الذى يعيشونه فى بلادهم.
كذلك لا يمكن إغفال مسؤولية الدولة فى ملاحقة شبكات الهجرة غير شرعية والتهريب والتى لا يمكن فصلها عن شبكات الجريمة المنظمة وقد يكون نشاطهم اوسع نطاقا من الهجرة القانونية.
مثلت حوادث الغرق أو الموت فى الصحارى أو تحت نيران قطاع الطرق صدمات كبيرة للمجتمع والصدمة الأكبر جاءت من كيل الاتهامات والادانة التى تسبق الحيثيات لمن حاولوا الفرار من الفقر والبطالة والكبت وغياب الامل ووضعوا إمكانياتهم المالية المحدودة القليلة فى جيوب تجار الهجرة وسط إهمال سلطات أو تواطؤ من مسؤولين يبتلعهم البحر أو يأكلهم الضباع والذئاب قبل الوصول إلى نقطة أمل.
………………..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *