الأخبار

انه الطوفان يابنتي.. عبدالدين سلامة

انشغل قلبي بك يا ابنة اخي بالميلاد ، توتا .. انشغلت رابطة الدم والرحم والمسؤولية والأبوّة القلقة على مصيرك وأنت تعيشين مع اسرتك الصغيرة في تركيا التي جعلتنا نتسمّر أمام مختلف وسائل ووسائط النقل ، للمتابعة باهتمام ماتعرضتم له ، بحثت عن وسيلة للاتصال بك ولكن دون جدوى فأين أنت ياترى ؟؟ وهل جال بخاطرك مدى قلق عمّك عليك ؟؟ وهل وصلتك دعواته التي لم تنقطع لتقيك ما أصاب اجزاءا كبيرة من البلاد بالقلق والمخاطر واقتطف أرواح البعض ، في بداية الأمر يابنتاه تابعت لاهتمامي بأمرك فوجدت نفسي دون أن أدري أتابع لأجل كل من أصابهم المصاب حتى من اختلفت معهم من بني جلدتي الذين استوطنوا هناك ، فالمصائب لايتم خلطها بالمواقف ، وهاهي الدول الشقيقة والصديقة والعدوّة لتركيا وسوريا على السواء بادرت برغبتها في مدّ يد العون ، فالموقف إنساني لاسياسي ولا اقتصادي ولايرتبط بما سوى الإنسانية التي يجب أن تساند بعضها بعضا لتعيش على الأرض بأمان وطمأنينة وتفجّر باستقرار أوطانها كل صنوف الإبداع الفردي والجماعي الذي يخدم تنفيذ استراتيجيات استمرار النهضة والتطور ، وامتطى الكل في إحساسي بمختلف أجناسهم وجنسياتهم إسم ( توتا ) ، فالمتواجدون كلهم تحوّلوا لتوتا ، ودعواتي لتوتا تحوّلت لكل من أصابهم الإبتلاء ، وعاطفتي تحوّلت لكم كلكم في الوقت الذي اختلف فيه المختلفون ، فرجال الدين انشغلوا عن معاناتكم والخوف عليكم بثلاث آراء فقهية مابين ( وماكان ربك مهلك القرى بظلم ) ، وبين ( إن يمسسكم قرح ) ، وانشغل السياسيون يابنتاه باستثمار الأذمة في تحقيق مكتسبات سياسية فالسياسة وقودها الانتهاز غير المحسوس في كثير من المواقف ، ولكنه انتهازا حميدا لوساق لبذر بذرة تفتيت سطور الخلاف بين المتخالفين وبداية سيادة التسامح الذي أنشأت له بعض الدول وزارات لتبيين أهميته وأهمية أن تنتهل الشعوب من إرث مدرستهم التي أرساها مؤسسوها ومن خلفهم فأنتجت ، وهاهم يابنتاه أشقاؤكم وجيرانكم السوريين يستثمرون الأزمة بمحاولة ربط صعوبة تقديم بعض المساعدات بسبب المواقف السياسية ومابين من يقول ( أرحموا عزيز قوم ذل ) ، و بعض آخر من الناس فسّرها ضمنا بأنها واحدة من نقلات لعبة شطرنج للطوفان الثاني الذي سيجتاح الأرض بعد طوفان سيدنا نوح مرتكزين على مفهوم ( وبعضهم قد قصصناه عليك وبعضهم لم نقصصهم عليك ) ، وما إن كان من بين من قصصناهم أو نقصصهم من أرشف خبر قيام هذا الطوفان ، فالأوبئة دائما كانت الجنود الحاضرة بعد الماء في الطوفان ، وبعد نوح جاءت الكوليرا ختام مسك للعديد من مظاهر التنبيه العامة كالجراد والقمل والضفادع والدم والريح والرجفة والصيحة والإعجازات المختلفة التي تعاقبت عليها فصول تاريخ البشرية ، ولو تتبعتي يابنتاه مظاهر ماعايشه الجميع في مراحل الكورنا وحتى بداية تخلّص الشعوب من فوبياها وحينما كانت دول العالم المتحضر تلقي بجثث منتسبيها في الحفر وتدفنهم بطرق لاتتناسب مع إنسانيتهم ، وحينما تجسّد مشهد مماثل ليوم بقرّ المرء من اخيه بالتقاط الكاميرات منظر نواب يهرولون من مجلس العموم فارين من رئيس وزراء داهمه الوباء في ذلك الحين ، كان المشهد ختاميا لطوفان يشبه تلك المظاهر المتعاقبة كقطع دراما نهاياتها موحّدة ومسيرة حلقاتها متشابهة ، وأبطالها يتعاقبون على المسرح من خلال حركة التوارث ، بعد طوفان سيدنا نوح عليه السلام ، وأنه جاء هذه المرة بالأوبئة بدلا عن الماء وحده ، فالزلازل في مختلف عالمنا الإنساني هذه المرة اختطلت بماء الأمطار ، والأرض إما فرحة أو منتفضة بالمطرالذي غاب أو خفف فترات زيارته لها ، والأرض مع شح أو تلوث قسم كبير من الماء هاجمتها أمراض عديدة تمثّلت في العديد من الأوبئة من إيدز وجدري أبقار وحمى قلاعية وغيرها من المسميات التي حمل بعدها تسونامي اللواء وبعده العديد من الصور المتلاحقة من أوبئة وجراد وكورونا وحروب أسقطت من كانوا بالأمس كقارون أو فرعون أومن كانوا في صلاح الخلفاء الأربعة وعمر بن عبدالعزيز ، ومن كانوا في مقام الخوارج بدرجات متفاوتة أيضا ، وهاهو الزلزال يزحف زحفا من منطقة لأخرى ، ونرى البنايات تتهاوى كأعجاز نخل خاوية ، فهل هو تحذير أم انذار أم تغيير أم فرصة أخيرة ؟؟ لقد ولّت طبائع أجيال يابنتي ، ونحن نعيش عهد المنطقة المشتركة في عملية تسليم طبائع وعادات وشكل حياة جيل لشكل جديد يكون عنوان حياة جيل آخر لايشبه ماتبقى من الجيل الحالي في شيء إلا كالذي بين حياة الصحابة وحالة أصهارهم بالعقيدة ، فهل هي تذكرة أم تبصرة أم إنذار أم تهيأة ؟ فمن الواجب إيجاد محتويات لتخطيط إستراتيجي جديد بجيد التعامل الآمن مع الحاضر والقادم دون إضرار ، أو على الأقل بقليل من الأضرار ، والرؤى تتشعب ، ونحن هنا عليك قلقون ياتوتا وياكل توتا حيثما زحفت الكوارث ، ولهفتنا وخوفنا عليكم هو حال بلادنا التي تعيش أوضاعا مضطربة كتلك التي تعيشينها الآن بين الزلازل ياتوتا ؟ فزلازل أزمات الضمائر خلطت حابل الأمور بنابلها في كل مناحي الحياة من سياسة وثقافة واقتصاد وامتدت حتى للرياضة وللعلاقات المجتمعية حتى تلك التي بين الأسرة الواحدة ناهيك عن الأيدلوجيا والتوجّه ، ووصف بن خلدون لفشل الدولة منذ الزمان الغابر تجسّد رؤيا حقيقية تتتحقق الآن في بلادنا كما تحقق حلم سيدنا يوسف عليه السلام بعد ملك مصر ، وزلازل أشدّ تنذر بمزيد من الحطام هو العلاقة بين المدنيين والمدنيين والعسكر والعسكر والمدنيين والعسكر ، ولو كل فرد تعامل مع الطوفان الجديد تعاملا فرديا فإن المجتمع كله سيتغير ببناء حقيقي للإنسان كما يجب ، ولنا أسوة في مجتمعات حملت الإرادة ونهضت ، ومما يثلج الصدر يابنتاه أن مجتمعات المنطقة لم تكن أقل استجابة من مجتمعات الدول الصديقة ، ولم ينكأ ناكيء جرح برغم الجراح العميقة التي جعلتنا حتى قبل لحظات من الزلزال الحالي ( بأسهم بينهم شديد و تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى ) ، وسارعت مختلف المجتمعات معلنة جاهزيتها لتلبية نداء الإستغاثة وأثبت الجميع في هذا الموقف قول عمر ( والله لوعثرت عنزة في العراق لخشيت أن يحاسب الله بها عمر ، لم لم يسوّي لها الطريق ) ، وكأنما الله تعالى بهذا الزلزال أراد لفت نظر الجميع أن الفطرة أداة لتقريبهم أكثر من الطرق الأخرى التي جرّبوها فلم توحدهم ، ووجدوا التوحّد الآن في الإنسانية ، فهي تتفق في كل المباديء ، والإنسانية هي المعيار الذي يوحد الجميع ، وكل الأديان السماوية يابنتاه جاءت لتحقيق أسمى معاني الإنسانية كلّ بقدر ، ليحفظك الله ياتوتا ، فبمواقع تواجدكم لفت الله نظر البشرية لقيمة الإنسانية ، وبرهن له أن البناء قابل للإنهيار لو لم يحمه أصحابه منذ البداية فمواصفات البناء في منطقة قابلة للزلازل من المفترض كما يقول التخطيط العمراني أن يتم إنشاؤها بمواصفات السلامة الوقائية ضد كل خطر محتمل تتعرض له الأرض التي يتم تشييده عليها والتشديد في مواصفات البناء ، وهو خطأ لازالت معظم المجتمعات البشرية واقعة فيه ، ودروس ودروس تعلمناها ويجب أن نتعلمها من هذا الطوفان الجديد .
وقد بلغت …

مواضيع ذات صلة

الرئيس الفرنسي يلتقي حمدوك

عزة برس

مصرع 18.. تقلبات جوية وأمطار غزيرة تضرب الإمارات وتغرق دبي

عزة برس

أبالسة باريس بقلم: عمر عصام

عزة برس

شاويش يكشف معلومات مثيرة بشأن مؤتمر باريس ويهاجم (شلة المزرعة)

عزة برس

وزارة العدل تحتسب المحامي العام لجمهورية السودان الأسبق عبدالله مهدي

عزة برس

ترتيبات لإستئناف دفن الموتى في مقابر أحمد شرفي والبكري

عزة برس

اترك تعليق