المقالات

صرخة في واد.. د. بهاء الدين مكاوي

يُؤسِف المرء أن يقول إن بلادنا تسير، وبخطى متسارعة، نحو هاوية عميقة ودركٍ سحيق. يواجه السودان اليوم ما ” إذا احتملت بعضه الراسيات ارتمت جاثيات” كما يقول المرحوم الشاعر صلاح احمد إبراهيم، وما لم تفتح القوى السياسية والاجتماعية في السودان أعينها على التحديات الجسيمة، والعقبات العظيمة التي تواجه السودان وتعترض طريقه، والقوى الدولية والإقليمية التي تتربص به وتسعى للنيل منه، وما لم تعد العدة لمواجهة كل ذلك، فإنه يُخشى على السودان من مستقبل مروِّع ومصير قاتم” لا قدر الله ذلك ابداً”.
ينتشر خطاب الكراهية هذه الأيام كالنار في الهشيم، ويتصاعد يومياً في كل أنحاء البلاد، وهو أمر في غاية الخطورة، فما اندلعت حرب إلاّ وسبقها خطاب كراهية؛ حدث هذا في رواندا وبوروندي، والبوسنة، وكمبوديا، والصومال؛ ويحدث الآن في بورما ضد الروهينجا وغيرها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى. وبسبب خطورة خطاب الكراهية ودوره المباشر في الحروب على مستوى العالم، حددت الأمم المتحدة اليوم الثامن عشر من يونيو على أنه “اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية”.
تُكدِّس الآن بعض القوى السودانية الأسلحةَ والعتاد الحربي لحسم الصراع بالقوة إذا استدعى الأمر، ويعمل تجار الحروب ، ومن خلال بث خطاب الكراهية، على توسيع دائرة الخلاف، وإذكاء الصراعات توطئة لإشعال الحرب الاهلية التي، إن قامت، فإنها “لا تُبقي ولا تذر”.
وهذا اتجاه تشجعه قوى دولية وإقليمية كثيرة، فالقوى الدولية تعرف موارد السودان وإمكاناته الهائلة، وتمد عينيها إليه ويسيل لعابها لهذه الموارد والإمكانات وتسعى للاستحواذ عليها، لكنها تعلم علم اليقين أن ذلك لن يتأتَّى لها في ظل وحدة الشعب وسيادة السلام واستقرار نظام الحكم، فتسعى لإشعال الحرب حتى تتمكن من تحقيق ذلك.
وهناك قوى إقليمية ترى في استقرار السودان واتجاهه نحو استخراج ثرواته وخيراته وإقامة مشروعاته التنموية وتعزيز مكانته الدولية والاقليمية تهديدا لمصالحها الوطنية فتسعى جاهدة للإبقاء عليه ضعيف الإرادة، مهيض الجناح، مغلوب على أمره حتى تتحكم في مصيره وتستولي على ثرواته.
وفي ظل هذا الواقع الذي يجعل السودان بلداً مستهدفاً بكل معنى الكلمة، نلحظ قوى سياسية سودانية تتبارى في توطيد علاقاتها مع هذه القوى الطامعة في خيرات البلاد والساعية إلى إضعافها، فيتوجه بعضها صوب الغرب يلتمس عند القوة والعون والسند السياسي، بينما يتجه بعض آخر صوب دول إقليمية يرجو مساعدتها ودعمها المالي والسياسي، ويجمع بعض هذه القوى السياسية بين الطرفين: الدولي والإقليمي وهو “مرتاح وخالي البال”، لا يؤرقه إحساس بخطأ ولا وخز من ضمير.
وبعض هذه القوى التي اُبتلي بها السودان يسعى لاحتكار السلطة والقرار السياسي في السودان، وينصب نفسه وصياً على البلاد، ويرفض مشاركة الآخرين، ويوزع صكوك الوطنية على من يشاء، ويحرم منها من يشاء، ونتيجة لذلك وبسببه، تشعر جماعات أخرى بالمرارة، وتغلي دواخلها كالمرجل، وتتعامل على طريقة ” عليَّ وعلى أعدائي”، وهي تتحسس سلاحها كلما حاول ذلك الطرف تهميشها وإقصاءها، وهذا، لعمري، اتجاه خطير نخشى أن يكون بداية لما لا تُحمد عقباه.
ومحمد أحمد” المواطن السوداني البسيط” هو ضحية كل هذا الصراع والنزاع والعلاقات المشبوهة، ويقول المثل الإفريقي “عندما تتصارع الأفيال لا تسأل عن العشب والأشجار الصغيرة”، ومحمد أحمد هذا لا تشغل القوى السياسية المتصارعة نفسها به كثيراً، ولا تتذكره إلا حينما تحتاج إليه ليخرج في مسيرة أو مظاهرة مؤيداً لموقفها في إطار صراعها مع الآخرين، وحين يصاب أو يذهب إلى ربه شهيداً تنفض يدها عنه، فلا تحرص على علاج مصاب، ولا تسعى للتحقيق في مقتل شهيد أو معاقبة قاتله.
وبينما يكابد محمد أحمد من أجل توفير معاش أبنائه وتعليمهم وعلاجهم بشق الأنفس وفي الحد الأدنى، وفي الوقت الذي يعجز فيه المواطن البسيط عن دفع رسوم المدارس وتكاليف” المواصلات”، تتبارى قياداتنا “الملهمة” في الصراع على القضايا الهامشية والأمور ذات الأولوية المنخفضة، وفي زمن تسعى فيه “القوى المدنية” في كل أرجاء المعمورة في بناء التوافقات، وإقامة التحالفات، والبحث عن القواسم المشتركة مع الآخرين، يجتهد قادتنا “هداهم الله” في ” اكتشاف” جوانب الاختلاف وتضخيمها، وفي ابتداع آليات التسلط وتطوير أدوات الصراع.
لقد اتسع الفتق على الراتق، وغابت الحكمة في واقعنا السياسي ، وانحسرت القيم الوطنية في بلادنا فانتشر التنازع واتسعت دائرته، وبات حظ الصراع أوفر من فرص الانسجام، واحتمال قيام الحرب أقرب من فرضية تحقق السلام، خاصة وأن أعداء السودان اليوم أكثر من أصدقائه، والحادبين على مصالحه أقل من المتربصين به.
إن كل هذه التهديدات والتحديات والمعوقات والعقبات والمخاوف على مصير البلاد تُحَتِّم التقارُب والتلاحُم والتوافُق والتنسيق بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة في السودان، وتدفع بهم للاتجاه بموقف موحد لضمان سلامة البلاد وصيانة وحدتها والحفاظ على مصالحها العليا، وحين تحفظ سلامة البلاد وأمنها القومي، ويزول عنها شبح الحرب والتدخلات الخارجية، يمكن، حينئذٍ، أن تتنافس القوى السياسية بشكل طبيعي وتمارس المساومات والتسويات لتحقيق المصالح المشروعة، كما تفعل الأحزاب السياسية في كل انحاء العالم، وبطريقة سلسة مسلحة بالوعي، ومحروسة بالقانون، أما إن استمر الوضع على هذا الحال، فنخشى ألا نجد وطناً نتنافس أو نتصارع عليه. ولذلك فهذه ” صرخة في وادٍ، إن ذهبت اليوم مع الريح، فستذهب غداً بالأوتاد” كما قال عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله. و” إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”. صدق الله العظيم.

مواضيع ذات صلة

على كل.. محمد عبدالقادر يكتب: الامارات.. كيد وتطاول و( بجاحة)

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: رفقا بالجنرال عقار… وهؤلاء !!

عزة برس

عمار العركي يكتب: خبر وتحليل: – مجلس الشيوخ الامريكي ومجلس الشيخ الإماراتي

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: ايها السادة .. انتبهوا !!

عزة برس

أماني الطويل ومعطوب القول!! بقلم: عمر عصام

عزة برس

تقرير: 1140 حالة اختفاء قسري خلال عام من الحرب في السودان

عزة برس

اترك تعليق