المقالات

حنان النيل .. والدمــع المــصـون سـفـوح .. إبراهيم أحمد الحسن

(١)
محاولة يائسة من العازف الأشهر بارئ قوس الكمان علي ميرغني لمداراة دموعه ، ما أبكاه والحضور إنشاد شجئ من حنان.
والمناسبة فعاليات الدورة المدرسية في العام 1982.المخرج الفنان والمصور الحريف التقطا دموع الحاضرين دمعة وراء دمعة وتسمرت الكاميرا عنده علي وهي تتابع سير الدموع تنساب علي الخد المشلخ مطارق، كانت الطالبة حنان تنشد:
( حــنــنـتُ إلى قـبـر النـبـي مـحـمــــــدٍ/ وراحــت بــــروحــي نـحـو طـيـبـة ريـحُ/أقـــوم وأنـــي بـــالمـــديــح نــصــيــح/حــليــمٌ رحــيــمٌ مُـحـســــــنٌ مـتـجــاوزٌ/ وعن كل من يجني عليه صفوح/حفيظ علي ميثاقه وعهوده/اذا قال قول فالمقال صحيح )
وتبلغ قمة شدوها حين تقول:(حــفــفــنــا بــحــاديــنـا بـمـدح مـحـمـد../نــنــاديــه والدمــع المــصــون سـفـوح ..)
وتسيل مشاعر الحضور جداول وكان اكثرهم التياعاً علي ميرغني فقد جعل الدمع المصون سفوح.
(2)
يجئ العيد الكبير ونستمع الي حنان تُنشد:( ويقول لي يا نائماً جدَّ السُرى/عرفاتُ تجلو كلّ قلبٍ صادي/في يوم عيد أشرفِ الأعيادِ..)
وتدلي حنان بدلوها في دنيا الفن السوداني الراسخ فغنت:
(خسارة يا قلبي الحنين هجرونا احباب السنين ../ابكيك وين القي الدموع ياريتها من بعدك تفيض..) ثم تمضي الاغنية عميقاً (والقالوا ليك عن الفراق ان شاء الله يوم ماتشوفو عين ). أغنية حنان هذه تمشي في خط تماس مع اغنية هاشم ميرغني:(قالوا البعيش الدنيا ياما تشوفو/تشقيهو بي فرقة عزيز/بالحسره ريقو تنشفو/وإن شاء الله ما يحصل فراق لقلوب بعد إتولفو..)،كم؟ كم من الدمع المصون كان سفوحاً بين يدي هاتين الاغنيتين ؟ ثم غنت حنان (هسة خايف من فراقك ولما يحصل يبقى كيف)، وتواصل حنان النقش في الوجدان علي خُطى هاشم (وحتى لو ايامي طالت ما أظني اعيش بدونا/ انت خوني زماني كله الا اوعك يوم تخونا ).
(3)
حمل غناء حنان فرح الدنيا كله لما التقطت درة ثنائي العاصمة (بلقى الدنيا فرحة لما اجيك تائه) . و الفرح صنو السعادة دائماً عند حنان ، رأيناه عندما غنت وأسعدت الناس في (القى ايام سعيدة).
السودان كان حاضراً مع حنان يغني مع المراكبية علي صفحة النيل ( انا السودان جمال اشراق وعيدية / انا السودان بضئ شمسه النهارية ).. وتعالوا نفتح حقيبة الفن عند حنان ما فيها ، هل نكتفي ب(قولي بكل صراح قلبي مالو اليوم؟ ) أم نمضي في التساؤل مع حنان وهي تطلق اشرعة مركبها في بحر النظم الباذخ ( نحن هل جنينا ام عقولنا نُصاح ؟؟) أم نمضي في فلق الصباح (يا بليبل الدوح قل لي هذا هواك ام هواء الاسحار ؟.)
(4)
نغلق حقيبة حنان ونفتح حقيبة عبدالمنعم عبد الحي ونتأمل طويلاً قماري سيد خليفة حين صدحت بها حنان ( علمينا يا قماري سر المحنة /وكيف بتبني يا قماري القشة جنة ؟).
ومع العميري وقاسم الحاج غنت حنان القيم كلها والامنيات الجميلة وأضحت بها حنان في الماضى وزمنا الفات وفي الحاضر والآن بل وفي المستقبل دائماً -وبإذن الله – زول ليه قيمة وغصن طيب اخضر تردد( لو اعيش زول ليهو قيمة اسعد الناس بوجودي).
(5)
طربت أيما طرب للقامة صديق الكحلاوي وهو يغني في حفل عرس بهيج (انا يا طير بشوفك / فرحان وبتغني وحبيبك معاك / وحبيبي غاب عني ). صيحات الاعجاب وأنات المحبين في ساحة الحفل جعلت الكحلاوي يطلق آهة من اعماقه يودع فيها بديع اللحن والكلمات والموسيقي، واشواق المحبين وأرواح الحضور تنعتق من أغلالها تردد (انا يا طير موله محزوناً لاني وحيد وحبيبي غايب / زعلان مني صد وبرايو استبد/ اتناسى المودة واعتاد التجني/ يا ريت لو كنت زيك لو يجدي التمني ).. وادت حنان الاغنية وبذات التطريب العالي فجعلت منها أسطورة تحلق بها الاسافير و أضحت بلبلاً صداحاً يغني (والبلبل الصداح جاء قريب / جاك يحكي ليك جاك يشكي ليك من شوقه ليك ) .
(6)
نظم السر عثمان الطيب ( الخرطوم ) بدونك ونشرها في الجريدة واهداها الي الراحل المقيم مصطفى سيدأحمد، أتى بحملها الجميل سيف الجامعة ملحنة، السر اعجبه اللحن وطرب له، عثرت حنان علي الاغنية تواصلت مع سيدأحمد عبدالحميد وطلبت منه وضع لحن لها ، وافرغ الاخير كل المدخور الابداعي في النص ومضت حنان تغني: الخرطوم بدونك (ساعة اللقيا عدت / فات ميعاد قطارا / هزت راسا بلعت همها وانكسارا /تسالنى الشوارع عنك وعن مكانك/ جلسات الفتارى منتظرين اوانك) .
(7)
بايقاع موزون علي الدليب غنت حنان هداوة الريف ( أيامنا الزمان ياحليلن/ شاربات من هداوة الريف/ وارثات الجمال من نيلن/عامرات في ليالي الصيف).. ثم غنت حنان حصاد غربة السر علي خُطى النعام آدم:( منادي الشوق ينادي / عايز ارجع لبلادي / أحكي للطيبين واغني / أنسى الآمي وسهادي)، ولا يسألنني أحد عن كم من السنوات تطاولت غربة السر بعد منادي الشوق ولكن اسألوني كيف اجادت حنان الاداء.
(8)
أوغلت حنان عميقاً في اشعار السر فغنت احكام الزمان ( ساقتنا الظروف يا صاحي لي دار العذاب والغربة/ فارقنا البلد نتباكي احكام الزمان صح صعبة ). لم يجب صوت حنان الرخيم على سؤال السر السرمدي ( نرجع متين لي بلدنا يفرح عاد قلبنا الحب) ونستحق تجربة حنان مع اغاني الدليب وقفة طويلة معتبرة من متخصص .
وتجعل احكام الزمان وأقداره حنان صلاح عابدين تعتزل الفن وفي لقاء سابق اجابت (في ناس كتار بتنزل معاش اختياري ومافي زول بسأل عن السبب). احترامنا بلا حدود لقرار حنان الذي لخصته بهذه الجملة الوارفة البليغة . نتفهم الدواعي والاسباب ومع ذلك تظل مدحة الدمع المصون سفوح اداء حنان النيل علامة فارقة في خارطة المديح في السودان تظل لسان ذرب لكل مادح لمًا يغوص في اعماق قصيدة تمدح الرسول عليه افضل الصلوات واتم التسليم، عندهاتحلق الارواح في سمو وسموق ليس فيه غير الدمع المصون سفوح.
(9)
مثلما كانت الخرطوم بدونك وجيب قلب محب عدى عنده ميعاد اللقيا ومثلما كانت الرائعة (وداعاً روضتي الغناء ) نقف نحن طويلاً عند روضة حنان النيل الغناء نوثق اخضرارها المستدام وسحائب غيثها السكوب، وتحت ظلها تظل كل رياض الفن السوداني كتاب مفتوح ( بدون خاتمة وبلا تمهيد) .
صدقوني ما عدت قادر اواصل الابحار في محيط لا ساحل له من الاغنيات التي رددتها حنان النيل ولكنني حتماً قادر علي التوقف عند حالة الطرب الشفيف والمشاعر الانسانية الباذخة عند حنان النيل وهي تردد ( ما عدت قادر انتظر سامحني غلطان بعتذر / ما كنت قايل من عتاب تحكم علي بالوحدة والشوق والعذاب ) .
(10)
حنان النيل قدمت للثقافة السودانية ما هو باقٍ باق ، يمضي الناس وتنقضي السنوات ويبقى الفن دوماً يطرب ويسعد ويشجئ، زاخر بكل ما هو جميل. قد يعتزل الفنان او يتوقف لدواعي واسباب يراها ولكنه حتماً لن يندم علي ما قدم ، لما اعطى وبذل . دعكم من اي حيثيات أخرى دعونا فقط ننظر في هذا الشدو الذي تغنت به حنان (ما بنندم علي الماضي وزمانا الراح / وليه نشكي من الآلام كل صباح / ما دام حاضرنا فيه طريق ملآن افراح ) . وأثق تماماً ان حاضر القامة حنان صلاح عابدين حنان النيل) ملآن أفراح .

مواضيع ذات صلة

ماذا ينتظر الجنجويد؟؟ بلقم: عمر عصام

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: وزير الداخلية والعين القوية !!

عزة برس

خبير اقتصادى: تجار العملة اتجهوا للعمل في مصر وجذب تحويلات المغتربين السودانيين

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: إبتسام نون النسوة منبرنا للسلام والعدالة

عزة برس

وجه الحقيقية.. السودان بين ديمقراطية العسكر المشروطة و دكتاتورية المدنيين الطامعة. – إبراهيم شقلاوي

عزة برس

بينما يمضي الوقت السيادى في الميدان ( كيفما اتفق).. أمل أبوالقاسم

عزة برس

اترك تعليق