تحقيقات وتقارير

الإعلا رؤية وطنية لحل الأزمة السياسية السودانية.. الإعلامي خالد الاعيسر

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
صدق الله العظيم
وقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

رؤية وطنية لحل الأزمة السياسية السودانية

التاريخ: سبتمبر 2022

مقدم المقترح:
الإعلامي خالد الإعيسر

هذه الوثيقة تتعلق بنظام حكم يتراضى عليه الجميع لإخراج البلاد من حالة الفوضى إلى بر الأمان وعبور المرحلة الانتقالية نحو التحول المدني والديمقراطية المستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الوضع القائم:
تأسيساً على مشاعر وطنية خالصة، وبعيداً عن المناكفات والسجالات غير المنتجة، وانطلاقاً من روح المسؤولية تجاه بلدنا وشعبنا؛ أقدم رؤية للمساهمة مع الآخرين، وتحتوي على إضاءات في نقاط مختصرة، ومعادلة وسطية تفتح آفاق نحو الخروج من نفق الانسداد السياسي وتدفع بإتجاه حل الأزمة السياسية المزمنة، وأمل في أن تجد هذه الرؤية آذاناً صاغية وتسهم – مع غيرها من المبادرات والمقترحات الوطنية التي أعلنتها بعض القوي السياسية الوطنية – وتضيف أيضا لاجتهادات الحادبين على بلوغ مرحلة توافق تطوي صفحة الصراع المستحكم، وتفكك انسداد الأفق الذي أوصل السودان لمرحلة متأخرة “سياسياً، اقصادياً، إجتماعياً وأمنياً”.
تنطلق هذه الرؤية من روح وطنية مؤسسة على إيمان راسخ بحق الجميع في المشاركة، وتستصحب قيم الرأي والرأي الآخر، وعليه يمكن الأخذ بها إن كانت مناسبة على أمل أن تلبي تطلعات وآمال شعبنا العظيم ومصالح وطننا الغالي السودان.
مع التأكيد على أنها اجتهاد قابل للتطوير، ولكن حسب معطيات الراهن وإداركاً لحجم المخاطر المحدقة فقد انصب التركيز في الرؤية على أن تكون شاملة لترضي كل الأطراف الحادبة على سيادة البلاد ومصالحها العليا وأمنها الوطني، وتدفع بإتجاه وقف إراقة الدماء ودعم مسيرة البلاد إلى الأمام.
الرؤية تأسست على نقطة جوهرية هي مصالح الوطن العليا وليس لأي غرض أخر، ولم تكتب من منطلق أجندة خاصة أو روح تنظيمية أو حزبية أو جهوية أو عرقية أو أيديولوجية.
والغاية الأساسية السامية هي تقديم حل يسهم في الحفاظ على الهوية السودانية والسيادة الوطنية وتأمين الانتقال الديمقراطي الكامل، والحفاظ على وحدة وسيادة واستقرار وأمن السودان وتعايش أهله بسلام، حتى لا تصل بلادنا إلى مرحلة التمزق والانهيار والاقتتال الأهلي والانزلاق في درك النعرات العنصرية والقبلية والجهوية المقيتة.

الأهداف:
تكمن الأهداف في تحقيق أكبر قدر من التوافق الذي يسهم في ردم الهوة بين المكونات السياسية والعسكرية بما يخدم المصلحة الوطنية العليا بعيداً عن الاستقطاب والصراع المتطاول الذي أنهك الشعب السوداني بصورة غير مسبوقة، ومن هنا تأتي الحاجة لإدارة الأزمة بطريقة واقعية بغية الوصول للأهداف التالية:
الانتقال إلى وضع يتراضى عليه الجميع ويلبى رغبات وآمال الأمة السودانية كافة.
تحقيق هدف السودانيين الأسمى بالوصول إلى وطن مستقل ذو سيادة كاملة وموحد يحكم بالقانون وعلى أسس دولة المواطنة.
أن تكون المواطنة هي الأساس لكل شيء تحت عنوان دولة المواطنة وهذا لن يتأتى إلا بالتراضي خلال الحوار على شكل لنظام حكم توافقي مؤسس على أسس دولة المواطنة المتساوية.
التأمين على مبدأ التوزيع العادل للثروات وذلك إرتكازاً على محصلة الاتفاقيات التي وصلت إليها أطراف النزاع السوداني خلال السنوات الماضية.
قطع الطريق على استخدام الدين كأداة سياسية ومحاربة نهج الاحتكام للخطاب العرقي العنصري والمناطقي في السياسة.
الوصول لاتفاق سياسي شامل حول نظام للحكم – كخطوة أساسية – لطي الصراعات واقتلاعها من جذورها ولملمة الجراح واسدال ستار على حقبة الأخطاء التاريخية، واستشراف مستقبل أكثر سلماً وأمناً واستقراراً ورفاهية.

أصحاب المصلحة:
أهل المصلحة من هذا العمل المجرد من المصالح الشخصية، والفئوية، والجهوية، والأجندات والأيديولوجيات، ومطامع الأحزاب، ومنهج الطوائف، وأهواء القبليات، وهؤلاء هم أبناء وبنات الشعب السوداني.

المسارات المستهدفة:
(أ)- أولاً، مسار لتشكيل سلطة تنفيذية لتسيير الأعمال ويبدأ باختيار رئيس للوزراء “مستقل” تسند إليه مهمة تشكيل حكومة المهام “حكومة كفاءات وطنية مستقلة وغير حزبية”.
(ب)- ثانياً، مسار لبحث قضايا المرحلة الانتقالية يسند للقوى السياسية الفاعلة.
مسار بحث قضايا المرحلة الانتقالية تشارك فيه حكومة تسيير الأعمال بإعتبارها طرفاً تنفيذياً محايداً. وهذه المرحلة يمكن تعريفها بمرحلة الانتقال من الوضع القديم وتهيئة الأجواء للانتقال المدني والتحول الديمقراطي.
(ج)- ثالثاً، مسار لنقاش عميق وشامل بمنهج “برلماني” تداولي يطرح قضايا ما بعد المرحلة الانتقالية ومستقبل التحول الديمقراطي في السودان وقضايا أخرى كثيرة بما فيها ملفات قضايا شرق وشمال ووسط السودان، وتطرح على نهج مقترح “المؤتمر الدستوري” الذي طرح منذ منتصف الثمانينيات. (على أن تتاح الفرصة لجميع المكونات الحزبية والسياسية بالإضافة لمنظمات المجتمع المدني، والطرق الصوفية، والطوائف الدينية، ولجان المقاومة، وزعماء القبائل، والمكونات العسكرية بإمكانها المشاركة بمناديب لتكون جزءاً من عملية الحوار داخل البرلمان أو قاعة الصداقة على أن يكون عدد المقاعد 300 مقعد أو يزيد عن ذلك إذا دعت الضرورة).
من المهم الإشارة إلى أن الاصلاحات والقوانين المحددة للأطر المنظمة للحياة السياسية بعد انتهاء الفترة الانتقالية واقامة مؤسسات محاربة الفساد وبناء القواعد الضابطة للعمل السياسي بما في ذلك القوانين التي تعزل الأشخاص الذين تورطوا في عمليات قتل أو نهب أو من ارتكبوا جرائم في حق الشعب والوطن، كفيلة بحرمان الأشخاص أصحاب السجل الإجرامي من المشاركة في صياغة شكل الحياة السياسية المستقبلية.
وفي المقابل تأسيس مبادئ تتجنب الإقصاء بهدف تأسيس دولة مدنية قائمة على قاعدة المواطنة ودولة القانون تتطلب تنزيل ذلك إلى فعل يتيح المشاركة لكافة المواطنين الصالحين وغير المشاركين في أفعال اجرامية خاضعة للمحاسبة القانونية وآليات جبر الضرر وتبعاتها المعروفة.

المطلوبات العاجلة:
من الضروري إصدار مرسوم رسمي يوقف المنهج السائد بدافع قسمة الثروة والسلطة لحين البت في دستور دائم لحكم البلاد ينظم علاقة المركز بالأقاليم والتوزيع العادل للثروات.
الإبقاء على الاتفاقيات الموقعة التي أبدت حولها بعض الجهات ملاحظات، ومن بين هذه الاتفاقيات “اتفاق جوبا للسلام”، وذلك إلى حين المراجعة التفصيلية للايجابيات والسلبيات لكل الاتفاقيات والتفاهمات بواسطة جميع المتحاورين في “المسار الثالث” الموضح، وحتى يتثنى إلحاق كل الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاقيات سلام.
لا سيما وأن اتفاق جوبا للسلام حسب تقييم كثير من الجهات المحلية والدولية مايزال ينتظر التنفيذ ‏ويفتقر إلى التمويل ‏الذي التزمت به جهات عديدة ويتطلب توافقاً عريضاً داخلياً لتشكيل حكومة مدنية حسب اشتراطات الممولين والمانحين.
المنع القانوني للتمويل الأجنبي للتنظيمات السياسية وفقاً للمواثيق والمعاهدات المعروفة دولياً لأنه يتعارض مع استقلال وسيادة السودان ولما له من تأثير سلبي – مباشر – على تبني نهج وطني لحل الأزمة بعيداً عن مصالح الدول والمنظمات الممولة التي ترتبط بمصالح مؤسسة على توسيع هوة الخلافات بين المدنيين والعسكريين، وتوسيع الشقة بين المكونات المدنية، والتوتر القائم بين المنظمات والحركات المسلحة والأحزاب السياسية فيما بينها من جهة أخرى.
اعداد وثيقة مقترحة لنظام حكم يصادق عليه الشعب بالتصويت أو اعتماد المجموعات الممثلة للشعب خلال التداول والحوار التأسيسي للرؤية الوطنية.
اللجنة الوطنية – المطلوب تأسيسها – تقوم بإعداد مسودة خاصة بنظام حكم يشمل كل النقاط التي تؤسس لدولة المواطنة المتساوية.
المنظومة العسكرية والأمنية لا يمكن الفكاك من دورها خلال عملية وضع ملامح نظام الحكم المطلوب. على أن تدرج مهام المكونات العسكرية والأمنية ضمن مؤسسات الدولة بعد ذلك وفق ما هو متعارف عليه في تجارب مماثلة، وذلك نسبة لخصوصية الواقع العسكري والأمني الحالي وتبعات ذلك على المرحلة وما بعدها. وهنا يمكن تسمية مجلس السيادي الانتقالي بإسم “سلطة الأمر الواقع الذي أفرزته قرارات 25 أكتوبر 2021 التي أنتهت الشراكة المختلف حولها والتي أسهمت بإعادة المشهد لما كان عليه الحال في 11 أبريل 2019”. ومعلوم أن حل الأزمة السياسية الراهنة في السودان يتطلب وجود سلطة تأسيسية تملك مشروعية اصدار مراسيم دستورية مبينة على تفويض شعبي حقيقي – وهذا غير موجود – لذا يمكن الاستعاضة عنه ظرفياً ومرحلياً – ومؤقتاً – بسلطة الأمر الواقع المبينة أعلاه.
وضع جدول زمني صارم ومحكم يحدد آجال زمنية معلومة (مصفوفة أهداف وجدول زمني) لإعداد هذه المسودة وفترة طرحها للشعب السوداني إذا دعا الأمر للتصويت عليها لإجازتها أو رفضها أو المطالبة بتعديلها.
العمل على وقف التدهور على الصعيد الخدمي والاقتصادي والتنفيذي والإداري، وعليه يصبح من الضروري خلال هذه الفترة اتخاذ قرار عاجل بتشكيل سلطة تنفيذية لمواجهة الحاجة الماسة واليومية التي تتصل بالقضايا التنفيذية والخدمية المتعلقة بهموم الناس. وذلك تنزيلاً واقعياً “لمسار تشكيل حكومة تسيير الأعمال”، على ألا يكون لهذه الحكومة سلطة ترأسية على اللجنة المعنية بإجازة مقترح مسودة نظام الحكم التي تعرض على الشعب للاستفتاء حولها. ولكن يمكن للحكومة أن تكون شريكاً في الرؤى والأفكار، وقد أثبتت الأيام بأن تعطيل تشكيل الحكومة التنفيذية أضر كثيراً بالواقع الاقتصادي والمعاشي للمواطنين.
من خلال ما أفرزته مسودة نظام الحكم تُستَكْملَ عملية التحول الديمقراطي وتصحيح مسار ثورة ديسمبر بقيام انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وفق ما جاء في مسودة نظام الحكم التي سيصادق عليها أبناء الشعب السوداني كافة.
في المسار الثالث “قضايا ما بعد المرحلة الانتقالية” يتم إشراك ممثلين عن حركات الكفاح المسلح غير الموقعة على اتفاقيات سلام “حركة تحرير السودان/ عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية لتحرير السودان/ جناح عبد العزيز الحلو، وأي تنظيم مسلح آخر غير موقع على اتفاقية سلام” وذلك للمساهمة في رحلة البحث عن السلام مع ضمان صون الحقوق والسلامة والحماية لمن يمثلون هذه الحركات – داخل السودان – ضمن مشاركتهم مع الجهات المعنية بالبحث والتداول وصياغة مسودة نظام الحكم، وتقدم لهم كافة الخدمات التي من شأنها إتاحة الفرصة الكاملة لهم للتواصل واستشارة قادة حركاتهم أو تنظيماتهم في الخارج.
النقاش حول القضايا التفصيلية لمسودة نظام الحكم تقوده مجموعة من الخبراء القانونيين الوطنيين، على أن يشمل النقاش هوية الدولة، ومصدر التشريع، والقضايا ذات الصلة بالاقتصاد والاستثمار، والسياسات الداخلية والخارجية، وقضايا الحكم في الولايات والمركز بما يحفظ للدولة مكانتها وسيادتها ويحمي مؤسساتها الدستورية.
تقدم اللجنة المعنية بإدارة الحوار حول مسودة نظام الحكم مقترح يشمل خلاصة الأفكار المعروضة في مسودات تشمل كل منها مقترح متكامل بصيغة شاملة لذات القضايا، ويتم تنوير الشعب تفصيلاً بحملات إعلامية مكثفة تبين نقاط الخلاف في الرؤى وذلك لاستفتاء الشعب لمعرفة النسخة الأكثر تأييداً وتعرض النسخ المختلفة بديباحات، كمثال: مقترح (أ)، مقترح (ب)، ومقترح (ج)، ألخ. وبعدها يحتكم للنظام الفائز بالأغلبية وأكثرية الأصوات خلال الاستفتاء.
من المهم أن يشمل الحوار نقاط تفصيلية حول شكل هياكل ومؤسسات نظام حكم الفترة الانتقالية، ثم يتبعه حوار اخر عميق حول نظام حكم فترة ما بعد المرحلة الانتقالية.
تسند عملية النقاش حول دور المنظومة العسكرية والأمنية لفترة ما بعد المرحلة الانتقالية لمجموعة من المشرعين والعسكريين وذلك بالتفاهم تراضياً مع قادة هذه الأجهزة. على أن تطرح فكرة مقترح المجلس الأعلى للقوات المسلحة واختصاصاته وصلاحياته وتراتيبيته في بنية الحكم المدني الديمقراطي، وعملية استيعاب ودمج القوات العسكرية تحت مظلة جيش وطني موحد كعملية فنية ومحورية في مسودة نظام الحكم بإعتبارها قضية جوهرية في عملية التحول الديمقراطي. شريطة ألا يكون هذا الحوار المدني/العسكري مؤسس على فقه المزايدة والتشفي والانتقام والمكايدة وخدمة أجندات الخارج الساعية لتفكيك الجيش الوطني السوداني والاضرار بالاستقرار في البلاد، وهنا لابد من التذكير بأن عملية التحول الديمقراطي المنشود تعد مسؤولية مشتركة بين المدنيين والعسكريين معاً.
تسند مهمة إجازة قراري تشكيل حكومة تسيير المهام واللجنة الوطنية أو الآلية الوطنية المعنية بإدارة النقاش حول مسودة نظام الحكم إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي لأنه يمثل حالياً سلطة الأمر الواقع، وذلك لغياب مؤسسات السلطة التشريعية المستقلة والمنتخبة “المجلس الأعلى للقضاء، المجلس الأعلى للنيابة والمحكمة الدستورية” والمفوضيات المساندة. مع ملاحظة أن الانسداد الحالي يفسر هذه النقطة الخاصة باتخاذ هذه القرارات المطلوبة من قبل سلطة الأمر الواقع.
يقوم رئيس المجلس السيادي باختيار لجنة وطنية من خلفيات متعددة ومؤهلة أكاديمياً وتخصصياً، ويكون أعضاء اللجنة من المشهود لهم بالنزاهة والأمانة والمسؤولية والروح الوطنية للاشراف على تأسيس برامج ومواقيت لتنفيذ هذا المقترح.
القوانين المتصلة بالانتخابات والمفوضيات وتهيئة أجواء الانتقال تطرح للتداول بين المشاركين في عملية الحوار داخل منصة التداول الخاصة بتهيئة المناخ لقيام الانتخابات ضمن المسار الخاص بقضايا ما بعد المرحلة الانتقالية.
تقوم اللجنة الوطنية المعنية بإعداد مسودة نظام الحكم باختيار لجنة تحقيق جديدة من قضاة وطنيين للتواصل مع لجنة التحقيق في قضية فض اعتصام القيادة العامة في السودان والتي يرأسها حالياً المحامي نبيل أديب، وذلك لاستلام مهامها أو دمجها ضمن أعضاء اللجنة الجديدة المقترحة لتكملة التحقيق في هذه القضية الحساسة وحسمها لأنها قضية مهمة وأساسية في سياق الوصول للحل الشامل.
من المهم للغاية أن تقوم اللجنة المعنية بالتحقيق في قضية فض اعتصام القيادة العامة في السودان بتحديد شكل من أشكال التعويضات وجبر الضرر لأسر الشهداء وإيجاد طريقة لاسدال ستار على هذه القضية – قانونياً – بما يحفظ حقوق وكرامة الشهداء وعوائلهم والمفقودين ومصابي الثورة وعوائلهم عبر مظلة عدلية قضائية، وذلك تقديراً لدورهم الكبير وتضحياتهم خلال مسيرة الثورة السودانية.
بعد بلوغ مرحلة إجازة مسودة نظام حكم يتراضى عليه الجميع، يتم توقيع وثيقة وفاق وطني شامل مع كل القوى المسلحة “غير الموقعة على السلام” انطلاقاً من موافقتهم على مسودة نظام الحكم.
المسار التنفيذي “حكومة تسيير المهام” يجب أن تستثنى منه كل الأحزاب ولا يسمح لها بالمشاركة ضمن الوزراء المعنيين في هذه الحكومة، ولا حتى يسمح لها بالمشاركة في اختيارهم، لتصبح الحكومة مكونة من كفاءات وطنية مستقلة مؤهلة وغير حزبية.
أنصار وأتباع حزب المؤتمر الوطني المحلول قبل تاريخ 11 أبريل 2019 يسمح لهم بالمشاركة في مرحلة التداول حول مشروع الدستور الدائم “ضمن المسار الثالث الخاص بمرحلة ما بعد الفترة الانتقالية”، وهذا تأسيساً على أن الفكرة الجوهرية والأساسية هي تأسيس نظام حكم “دستوري” يحدد شكل المستقبل المرجو لجميع السودانيين، وهذا يتطلب توافقاً وطنياً لا يستثني أو يعزل أحداً من كل شرائح المجتمع السوداني وذلك في اطار السعي للوصول إلى حل توافقي دائم ومستدام.
المعنيون من أنصار حزب المؤتمر الوطني المحلول هم الذين لم يشاركوا في الحكم ولم يتولوا أي منصب وتكفلت لهم البراءة من شبهات الفساد وارتكاب جرائم يحاسب عليها القانون خلال أعوام حكم الإنقاذ.
الحوار الفاعل والإيجابي بين السودانيين قادر على انتاج حلول خلاقة تطوي صفحة الصراعات إلى الأبد، ويحقق سلاماً مستداماً، ومن الممكن أن يسهم أسهاماً كبيراً في تجاوز كل ترسبات الماضي بما فيها الأزمة الحالية، وذلك تأسيساً على افتراض تحلي الجميع بروح وطنية هادئة ومتسلحة بالتسامح والصبر ورجاحة العقل ليصل الناس جميعاً إلى بر الأمان.
المواطنون الذين شاركوا في حكم الإنقاذ ولم يتورطوا في جرائم ضد الانسانية أو قتل أو نهب للمال العام أو أي مخالفات تتعلق بأي شكل من أشكال الفساد، هؤلاء تقع عليهم مسؤولية أخلاقية – فقط – لتبعيتهم لنظام أفسد وأسهم في تعقيد المشهد السياسي. وهنا لابد من التذكير بأن بعضهم شاركوا بفعالية في ثورة ديسمبر ومنهم من استشهد خلال مسيرة الثورة ومن هؤلاء الشهيد أحمد الخير وآخرين خرجوا من السجون والمعتقلات بعد سقوط نظام الإنقاذ في يوم واحد مع قادة المعارضة يومها. وهنا أذكر بقوله تعالى: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، صدق الله العظيم.
وحتى تتحقق العدالة وجبر الضرر وتتوفر أبجديات حقوق الانسان يصبح من الواجب إتاحة الفرصة لهؤلاء في ظل التخطيط للانتقال المنشود، وبهذا الفهم الواقعي العميق يصبح من حقهم تأسيس تنظيم يخصهم إذا أرادوا ذلك أو بإمكانهم التحالف مع من يرونه مناسباً لانضمامهم وخوض الحياة السياسية معه بقيم ومفاهيم جديدة.
لقد أثبتت الأيام والتجارب بما لا يدع مجالاً للشك صعوبة حكم السودان من دون مشاركة الجميع، وأن تنزيل شعار “وطن يسع الجميع” الذي يردده الناس كثيراً يحتاج لفهم وادراك حقيقي لحجم المخاطر التي تمر بها بلادنا، ومن هذه الزاوية يصبح من حق جميع السودانيين/السودانيات المشاركة في الشأن العام، وجميعهم أصحاب مصلحة ويتمتعون بحقوق المواطنة حالهم حال الآخرين، لذا ليس من المنطق حرمان أي سوداني/سودانية من المشاركة في إجازة الدستور الدائم لحكم البلاد ومستقبلها عندما يطرح مشروع الدستور الدائم للحوار بين السودانيين.
تأسيس مفوضية لمكافحة الفساد ومحاكمة كل من تورط في قضايا فساد خلال فترة حكم الإنقاذ، وهذا يتطلب نظر القضاء بحيادية وعلى أسس قانونية بحتة وبعيداً من التشفي كما فعلت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة، وهذا يتطلب مراجعة كل قراراتها من خبراء قانونيين للأخذ بما كان قانونياً وإلغاء التجاوزات التي وقعت فيها بمخالفتها للقانون.
تأسيس آلية وطنية للإشراف على مطلوبات الحكم المدني والتحول الديمقراطي، على أن تشرف هذه الآلية على مطلوبات الحكم المدني والتحول الديمقراطي على عمل اللجنتين (اللجنة الوطنية الخاصة بالمرحلة الانتقالية “في المسار الثاني”، واللجنة الوطنية الخاصة بمسودة نظام الحكم “في المسار الثالث”). وتعتبر الآلية الوطنية العليا جهة أرفع تشرف على عمل اللجنة الخاصة بطرح قضايا المرحلة الانتقالية واللجنة الوطنية الخاصة بمسودة نظام الحكم.
إيماناً بمبدأ حقوق الآخرين في المشاركة لتحديد شكل الدولة المطلوبة، وتعزيزاً لفرص الحوار بين الجميع، أشير في هذه الفقرة بأن مبدأ الإضافة والحذف لكل ما ذكر أعلاه، هو أمر متاح ومتروك للكافة وبلا استثناءات لأن الغاية السامية والمقدسة في هذا الطرح هي تحقيق فرصة للناس جميعاً لتحقيق ما من شأنهم فائدتهم. وأقر كمواطن سوداني أني هنا لا أصيغ قانوناً أو أفرض رأياً ولا حتى أملك حقاً بأفضلية خاصة لتوزيع العدالة وفرض الرأي على الاخرين.
يمكن للآلية الوطنية التعاون والتنسيق مع الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية لتنمية وسط وشرق أفريقيا (إيغاد)، بإعتبارها المنفذ لنيل التأييد الدولي لهذه الخطوة الوطنية، ولا بأس من مشاركة الآلية الثلاثية كجهة استشارية في هذه العملية وباعتبارها جهة رقابية مفوضة دولياً.
أخيراً، ينتهي أجل هذا المقترح بمحطة قيام الانتخابات واستلام سلطة تنفيذية منتخبة عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة لتمارس شرعيتها انطلاقا من تفويضها شعبياً.

الاستحقاقات:
منذ فجر التغيير في 11 أبريل 2019 فشلت كل المحاولات – الداخلية والخارجية – الساعية لتجاوز الأزمة السياسية والتعقيدات المترتبة على حالة الاستقطاب والتدخلات الدولية التي أسهمت بصورة مدمرة في ضياع الفكرة الوطنية المبينة على قيم وأعراف الشعب السوداني وصون الهوية القومية والثقافية، ولدينا مثال حي يبرهن فشل محاولات الخارج جسدته بوضوح “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان – يونيتامس” المدعومة دولياً وأسهمت في تعقيد المشهد السوداني أكثر مما كان. ولهذا بني هذا المقترح على أسس المصلحة الوطنية والحفاظ على تماسك النسيج المجتمعي لابعاد شبح ومخاطر تفكك السودان، ولهذا جاءت فكرة تقديم هذا المقترح أيضاً على أساس هذه القاعدة “ولا شيء غيرها سوى المساهمة ضمن الاجتهادات – الجماعية – الساعية لإخراج البلاد إلى بر الأمان وعبور المرحلة الانتقالية بسلام”.
مع التأكيد على أن الفكرة الاستباقية بالدعوات والتجهيز والإعلان عن موعد لقيام الانتخابات في ظل هذه الاوضاع الحالية المعقدة للغاية يصبح أمراً غير ممكناً ويتطلب تنفيذ الخطوات المذكورة حتى تلقى العملية الديموقراطية تأييداً من الجميع وليس فئات محددة امتلكت نفوذ غير شرعي وأدخلت البلاد في هذا الوضع الكارثي.

خطة التنفيذ:
تتكون خطة التنفيذ من ثلاثة مسارات أساسية، ولا تلغي بعضها البعض لأنها تكمل الرحلة إلى بر الأمان، وهذه المراحل الثلاث المختلفة تنتهي بتاريخ قيام الانتخابات.

تفاصيل المقترح مبينة أدناه في عناوين ونقاط مختصرة من دون الخوض في تفاصيل لأنها قضايا عميقة في الشأن العام وتخص الجميع وتحتاج لبحث مستفيض يعيد الأمل للشعب السوداني، لذا لا يمكن تفصيل هذه الروية إلا بعد الحوار العميق بين الجميع، (مع ضرورة التأكيد بأن تجاوز تقسيم مسارات الأزمة سيعقد من الحل كما ثبت ذلك طوال السنوات الثلاث الماضية).

المسارات:
المسار التنفيذي – حكومة تسيير المهام “حكومة كفاءات وطنية مستقلة وغير حزبية”.
المسار الانتقالي – خاص بالتداول حول قضايا المرحلة الانتقالية.
المسار الثالث خاص بفترة ما بعد المرحلة الانتقالية.

قنوات التنفيذ:
يتم تشكيل لجنة أو آلية وطنية بواسطة “سلطة الأمر الواقع” ، وهذه اللجنة الوطنية تعنى بإعداد مسود لنظام حكم يتراضى عليه الجميع ويصل بالسودان إلى مرحلة الديمقراطية والانتقال لحكم مدني.
سلطة الأمر الواقع الحالية ينتهى أجلها بعد التوافق على نظام للحكم وتبدأ مرحلة التنفيذ التي تشمل مهام ودور المنظومة العسكرية والأمنية في إطار الحل الوطني الشامل.

النتائج المستهدفة:
اذا قدر للفرقاء السودانيين دعم هذا المقترح والنظر إليه بحيادية وتجرد وموضوعية تستصحب تعقيدات المشهد السوداني فإن النتائج المتوقعة ستسهم بفعالية كبيرة للغاية في اسدال الستار على مرحلة الفرقة والصراع والتشرذم والتشتت التي عاشها السودان وشعبه، ويمكن عبر هذا المقترح التأسيس لروح التعاون والمصالحة الوطنية الشاملة، والأمل مازال حياً لجني ثمار هذا الجهد المتواضع لإبعاد وطننا من الانزلاق نحو الفوضى والتشرذم.

معايير وآليات التقييم والتقويم:
تعتمد معايير نجاح المقترح على مدى تجرد الساسة وعامة أبناء وبنات الشعب من النظر بزاوية تحقيق المصالح الضيقة “شخصية كانت أو حزبية أو تنظيمية”، ويعتمد نجاحه أيضا على الرغبة في بناء الثقة مع الآخرين لخدمة الشعب وخصوصاً جيل الشباب الذي ضحى كثيراً من أجل أن تحقق الثورة غاياتها المنشودة والتأكيد كذلك على دور المرأة ومشاركتها الفاعلة في نجاح الثورة، وجميعها مجهودات هدفت لترسيخ قيم الحرية والسلام والعدالة، وتوفير فرص واعدة للجميع نساءً ورجالاً في وطن واحد أكثر أمناً واستقراراً وتطوراً.

التحديات:
المقترح تأسس على قاعدة الاستفادة من تراكمات الأعوام الماضية، ويحتوي على خطوات لعملية اجرائية عاجلة تحتاج قدراً من المرونة ومساحة زمنية معقولة لإنهائها. ومن الطبيعي أن تكون هناك تحديات كتلك التي أفشلت كل المجهودات السابقة التي انتهت بفعل الاستقطاب والتخوين والتنميط والانقسامات المؤسسة على النظرة الحزبية الضيقة أو الأيديولوجية أو العرقية أو الجهوية. وهذا كله ليس مبرراً لترك الحال على ما هو عليه، بل أصبح من الواجب العاجل أن نتحسس جميعاً أقصر وأفضل الطرق لاختبار مصداقية المنظومة العسكرية والأمنية وإلزامها للوفاء بتعهداتها الخاصة بضرورة التوافق بين المدنين ابتداءً ليتثنى لها تسليم السلطة للقوى المدنية حتى تكمل مسيرة التغيير الذي ضحى من أجله الشهداء، وهنا أذكر بالتزام رئيس المجلس السيادي المتكرر والذي أكده مؤخراً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 يوم 22 سبتمبر 2022 بالتحول الديمقراطي وتسليم السلطة لحكومة مدنية.

الأمانة الإدارية:
تسند مهمة اصدار المراسيم الدستورية الخاصة بتنفيذ هذا المقترح وتنزيله إلى أرض الواقع إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي “سلطة الأمر الواقع”، وذلك باعتبار أن الوضع الحالي استثنائي ونسبة لغياب مؤسسات السلطة الدستورية المستقلة والمنتخبة “المجلس الأعلى للقضاء، المجلس الأعلى للنيابة والمحكمة الدستورية”.

الختام:
ختاماً، هذه الرؤية تبلورت من حي زيارتي الأخيرة للسودان وتمثل محاولة للنقاش حول سبل احتواء الأزمة الحالية ومنهج للخروج بحل وسط يسهم في إيجاد معادلة توزان تصل بالناس لنظام حكم معترف به من الجميع وبتوافق شامل يصل بالشعب السوداني لمحطة الخروج من النفق المظلم للصراعات التاريخية التي يجسدها الواقع الماثل حالياً بكل تعقيداته المعروفة.
مع التأكيد مرة أخرى أن الهدف الخالص من هذه الرؤية هو محاولة لبناء الثقة وتعزيز فرص الحوار بين السودانيين/السودانيات بهدف الوصول إلى صيغة تراضٍ بين كل القوى الوطنية وصولاً للتحول الديمقراطي والوفاق لصالح السودان وشعبه.
والله من وراء القصد.
قال الله تعالى: (‏‏لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير).
صدق الله العظيم

الإعلامي خالد الإعيسر
لندن
سبتمبر 2022

مواضيع ذات صلة

خريطة وعلامات وردية.. راصد الزلازل الهولندي يغرد عن إيران

عزة برس

متعاطو الآيس.. مآسٍ وحكايات صادمة.. الحلقة الأولى

عزة برس

يوم في بيت البنات.. “هبة الله محمد عبد الله” تفجرها داوية (هذه حكايتي)!!!

عزة برس

صاحبها أحد أخطر عناصر مافيا المخدرات العالمية.. تفاصيل ضبط اضخم شحنة مخدرات بمطار الخرطوم

عزة برس

بداية فصل الشتاء فلكيًا

عزة برس

شبكة الجامعات العالمية المفتوحة باسبانيا برشلونة للدراسات العليا تمنح كلية النهضة عضويتها التي تضم 110 جامعه و 35 دولة

عزة برس

اترك تعليق