الأخبار

*جمال عنقرة.. يكتب: شرق السودان .. فصل القضايا*

تأملات

*كتبت قبل ذلك أكثر من مقال حول أزمة شرق السودان، وتشعباتها الأخيرة، ولا أدعي معرفة كاملة بملف الشرق، إلا أن اهتمامي بهذا الجزء العزيز من وطننا الحبيب، وصلاتي العميقة مع كثيرين من أهله في ولاياته الثلاث، البحر الأحمر وكسلا، والقضارف، وعلاقاتي المتجذرة مع كثير من مكوناته الأصيلة حشدت عندي بعض المعارف، أحسب أنها يمكن أن تعينني علي قراءة المشهد بصورة معقولة.
وبرغم أني كنت أحسب أن ما كتبت قبل ذلك كان كافيا من ناحيتي مساهمة في هذا الملف، فضلا عن بعض المساعي التي لم تنقطع حتى يومنا هذا، رغم الجمود الذي أصاب جهدنا عبر لجنة السلم المجتمعي في مبادرة الشيخ الياقوت لوحدة الصف الوطني والسلم المجتمعي، والذي شهد عليها حادي ركبها صديقنا الأستاذ الممتاز عبدالله آدم خاطر بأكثر مما وصفته بها من جمود، فلقد قرأ عبدالله عليها الفاتحة، لكنني – علي الأقل علي المستوي الشخصي – لا زلت أسعي، وأعتقد أن ما بالمبادرة من وقود يمكن أن يجعلها تضئ مرة أخري، وقديما قال أهلنا (الفيها جاز بتولع)
وكنت قد رشحت أكثر من عنوان لهذا المقال من واقع التحديات التي استوجبت علي الكتابة أكثر مما كتبت، واول عنوان اخترته كان (شرق السودان.. الخير مصوبر في محل، والخيل تجقلب في محل) وذلك من واقع أن كثير من الجهد الذي يبذل لحل الأزمة، يصوب بعيدا عن مكامن الداء، ولا يصف الدواء، ثم اخترت عنوانا آخر هو (شرق السودان .. الوسطاء يمتنعون) وذلك من كثرة الذين يظهرون في هذا الملف ساعين بالخير تطوعا من عند أنفسهم، أو خدمة لآخرين، وبعضهم لا يدري أحد ماذا وراءهم، حتى أن الأمر تداخل علي الناس، فلم يعودوا يعرفون الصالح من الطالح، ولذلك كنت افكر في الكتابة تحت هذا العنوان (الوسطاء يمتنعون) إلى أن استقر بي الرأي أخيرا علي هذا العنوان (شرق السودان .. فصل القضايا) وأحسب أن تحت هذا العنوان يمكن أن نكتب حول كل ما أشرت إليه سابقا، ويمكن كذلك التأكيد علي ما ذكرناه في مقال قبل أكثر من شهر بعنوان (شرق السودان .. تصحيح المسار)
لا يزال كثيرون ممن يسعون في حل أزمة الشرق يواصلون الخلط بين القضية السياسية، وبين المسألة القبلية، صحيح أن هناك تداخل مخل حدث في التطور الأخير لأزمة شرق السودان، منذ انفجارها الأخير للسببين المهمين، تعيين الولاة، ومسار الشرق، وهذه مسائل سياسية تماما إلا أن ضعف القراءة السياسية لدي الحكومة، والذين يحتضنونها كان سببا أساسيا لهذا الإنفجار الأخير، ومما زاد الطين بلة، أنه خلال العهد السابق أرست الحكومة بعض المفاهيم اعتبرها البعض ثوابت، ونقول علي سبيل العموم فإنه تم التعارف علي تقسيم معين للوظائف القيادية في ولايات الشرق الثلاث علي أساس قبلي، كأن يكون والي البحر الأحمر مثلا من الهدندوة، ونائبه من قبيلة أخري، ويكون رئيس المجلس التشريعي من قبيلة ثالثة، وفي كسلا يكون الوالي من البني عامر، ونائبه من قبيلة أخري، ويكون رئيس المجلس التشريعي من قبيلة ثالثة، وتم تخصيص ولاية القضارف للمجموعات الأخري التي تسكن شرق السودان، فلما جاء الإختيار الأخير لولاة الشرق، تم ترشيح واليين من البني عامر لكسلا والقضارف، وقدم للبحر الأحمر وال من الأرتيقا، وهو مقبول لدي الهدندوة لكنه لا يمثلهم طبعا، ووجد الهدندوة بعض الثغرات في شخص والي كسلا، فصوبوا سهامهم نحوه، وللأسف الشديد فإن بعض السهام أصابت معه أهله البني عامر، هذه السهام التي طاشت جعلت البني عامر كلهم يصطفون خلف صالح عمار، رغم أنهم كقبيلة لم تتم استشارتهم في تعيينه، ولم يعين باسم القبيلة، وليس لأية قبيلة حق في تعيين وال، ولو أن البني عامر طلب منهم تقديم عشرة أسماء مرشحين لولاية كسلا، لما قدموا من بينهم صالح عمار، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام خيار واحد هو الدفاع عن صالح عمار، لأن رفضه بدأ وكأنه رفض للبني عامر، وذات ما حدث في ولاية كسلا، حدث في مسار الشرق، فالذي حدث أن الإثنين اللذين تقدما جبهة الشرق، الأمين داود، وخالد شاويش، من البني عامر، وأن آخر سلام في الشرق كان قائده موسي محمد أحمد من الهدندوة، فاصطف الهدندوة ضد مسار الشرق، كما اصطفوا ضد والي كسلا صالح عمار، وفي المقابل اصطف البني عامر مع المسار، ووقف معهم كل مخالفي، أو منافسي، أو خصوم ناظر الهدندوة الناظر ترك، ومثلما أن الذين وقفوا مع الناظر ترك ليسوا علي قلب رجل واحد، فإن الذين احتشدوا ضده مع المسار أيضا ليسوا علي قلب رجل واحد.
صحيح أيضا أن المسألة حدث فيها تداخل معيب بين القبيلة والسياسة، والمصالح الذاتية كذلك، سواء لبعض مكونات من كل الأطراف أو لبعض أفراد، ولكن المشكلة الأكبر أن أكثر الساعين في الحل، إن لم يكن كلهم، يخلطون الحل السياسي مع القبلي، وهذا الخلط يزيد الأزمة تعقيدا، فصحيح أيضا أن الخلاف السياسي خلف وراءه أزمات ومرارات قبلية، هنا وهناك، ولكن حل هذه غير حل تلك، والمسألة القبيلة مهما بلغ تعقيدها، فهي هينة جدا، ومقدور عليها، وما ييسر من حلها ما يتحلي به الناظران ترك ودقلل من حكمة، المشكلة الوحيدة في بعض الذين يختبئون خلفهما، وكذلك الذين يحسبون انهم يعملون علي حل الأزمة، وهم في الحقيقة يزيدونها تعقيدا، فلا بد أولا من فصل المسألة القبيلة عن القضية السياسية، فبالنسبة للمسالة القبلية تترك للإدارة الأهلية، وحسب علمي ومتابعاتي فإن محاور الأزمة معروفة لدي الطرفين، ولكل طرف ملاحظاته، ومطالبه غير السياسية، وهذه لن يحتاج حسمها إلى زمن طويل أو جهد كبير في وجود الناظرين الحكيمين دقلل وترك.
أما بالنسبة للمسالة السياسية فإن كل ما يجري فيها يزيدها تعقيدا، لا سيما (شغل التلات ورقات) الذي يرعاه بعض الذين يسعون في الحل، وينشط فيه وسطاء، لن نعاب إن وصفناهم ب (سماسرة) ومن ذلك ما يجري في أروقة جبهة الشرق، والمحاولات الفطيرة لمعالجة تعقيدات المسار، ولعل الناس قد تابعوا البيانات المتعارضة التي صدرت بشأن قيادة جبهة الشرق التي يتنازع حولها السيدان الأمين داود، وخالد شاويش، وهو في الأصل ليس صراعا بينهما، ولكنه صراع جهات أخري تحاول أن تحقق مرام أخري من ورائهما، فالمسألة أكبر من ذلك، وليست بهذه البساطة، ثم أن محاولات الضغط علي هذا أو ذاك تجعلهما يستنجدان بمن يمكن أن يسند ظهر كل منهما، أو يناصره، وهذا أيضا يزيد الأمر تعقيدا. فبعد فصل المسألة القبلية من القضية السياسية، يصبح مسار الحل السياسي واضحا، فما حققه المسار للشرق يثبت لكل أهل الشرق، وبالنسبة للمؤتمر الذي كان قد أقره المسار، طالب أهل الشرق بمؤتمر مثله، فيمكن بقليل من الحكمة والتدبير تنظيم مؤتمر لكل أهل الشرق، تتم المشاركة فيه علي أسس جغرافية ونوعية، فمثلا تحدد مشاركات للولايات الثلاث، تقسم علي المحليات، وتكون فيها نسب محددة للرجال والنساء والشباب، وتكون هناك مشاركات للقطاعات مثلا الإدارة الأهلية، المثقفون، الأكاديميون، وهكذا، ويحسم هذا المؤتمر كل القضايا العالقة والمهمة التى تهم شرق السودان في كل المجالات، وبالله التوفيق.

مواضيع ذات صلة

القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح.. بيان عسكري عاجل

عزة برس

رجل أعمال سعودى يلتقى بسفير السودان في القاهرة ويبدى رغبته العمل مع رجال أعمال ومؤسسات سودانية

عزة برس

تمشيط لمناطق واسعة بمحلية شندي والمناطق الحدودية

عزة برس

إقامة صلاة الجمعة في (18) مسجداً بأمدرمان القديمة والاقباط يشاركون في المسح الميداني للاجسام الغريبة

عزة برس

الجكومى: العلاقات السودانية المصرية ظلت مستهدفة من الداخل والخارج

عزة برس

إعلام الشمالية: ما يتداول حول إقالة الوالي استهداف للولاية وإنسانها

عزة برس