المقالات

لــــنا كلمة ..بقلم الأستاذ سعد محمد أحمد ..الدور النقابى فى الوضع الراهن السياسى والإقتصادى

تاريخ السودان حافل بالاحتجاجات الشعبية والانتفاضات والحراك الثوري التي كانت غالباً ما تقودها التنظيمات النقابية ومنظمات المجتمع المدنى التي تسبق الاحزاب السياسية فى كل قضايا الامة حيث لعبت الاحتجاجات الشعبية التي قادتها النقابات والتنظيمات المهنية والطلاب والمرأة والشباب دوراً مهما فى اسقاط انظمة شمولية ثلاثة مما دفع كثير من المحللين للحديث عن عودة النقابات بقوة بعد عقود من تدميرها على ايدى الشمولية القمعية وتشتيت فعايتاها في الموسسات العامة والخاصة من انتشار نظريات عن تراجع دور النقابات في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصلحة قضايا الفئات الانتهازية القائمة على مفهوم التشابكات المصلحية التخاصصية ورغم هذا لايبدو أن الطبقة العاملة قد عادت إلى الواجهة السياسية مجدداً بعد ثورة ديسمبر العظيمة التى خلقتها وصنعتها وجعلت المستحيل ممكناً بل شهدت تولى الانتهازية واصحاب المصالح من السياسيين واصحاب رؤوس المال المتوحشة والمتضامنة مع احلاف المحاور الاقليمية والامبريالية العالمية وعملاء مؤسسات التدمير الاقتصادى مقاليد السلطة السياسية والاقتصادية مما حرم الثوار الحقيقيين وأصحاب الثورة الطبقة العاملة من تولى قيادة الحراك السياسي والاقتصادى والاجتماعي لانفاذ شعارات واهداف الثورة كما أن النقابات اي التنظيمات المهنية لم تبدو قدرة كبيرة على تمثيل مصالح الفئات الاجتماية المشتتة التى تتنوع ظروفها واسباب احتجاجها دعك من توحيدها فى كتلة واحدة تتمع بحد ادنى من التنظيم.
خسارة الطبقة العاملة لجانب كبير من رأسمالها الرمزى بكل ما تعلق بها تاريخيا من عناصر نضالية تضامنية موثقة تتحدث عنها مدن السودان وعلى رأسها مدينة عطبرة الصمود التى يشهد لها تاريخ ما قبل الاستقلال ليمتد إلى تاريخ بدء انطلاق شرارة ثورة ديسمبر المجيدة على سبيل المثال وليس الحصر لا يمكن ردة لفقدانها مركزية دورها السياسى والثقافى والاجتماعى وتراجع اهميتها الانتاجية أو لتقدم سياسات الهوية والمصالح فحسب بل عانت الكثير منذ عهد مايو الذى عمل على تدمير المؤسسات النقابية لتاتى الانقاذ لقمع النقابات وتشريدهم وتعذيبهم وقتلهم وكان الشهيد الاول د. على فضل نقابة الاطباء الذى تم قتله داخل بيوت اشباح الانقاد بمسمار على رأسه والشهيد الاستاذ أحمد الخير بسبب عمله النقابي قطاع المعلمين بل أيضا لان العمال الذين يتمتعون بدعم ظهير تنظيمى متماسك إلى حد ما يعتبرون فى نظر كثيرين من أصحاب الامتياز فمن يمتلك القدرة اليوم علي الإضراب زو المطالبة عبر تنظيمات مهنية ونقابية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وظروف العمل ليس سوى فئة محدودة من العاملين الذين غالبا يعملون فى قطاعات مستقرة ولدى جهات تعترف بالحد الأدنى من حقوق عامليها اي اساسا للموظفين العاملين لدى القطاع العام اي لدي الدولة من محاسبين ومعلمين ومهندسين واطباء وغيرهم من المهنيين إلى جانب هؤلاء العمال المتمتعين بالامتياز والوظائف شبه الثابتة حتى التقاعد.
يوجد جيش هائل من العمال غير المستقرين الذين يعملون فى وظائف غير امنة دون أن تكون لديهم امكانية تأسيس اي تنظيم نقابي أو ضمانة للمستقبل أو حتى تحديد واضح لطبيعة مهنهم مثل العمال الموسميين المتدربين المهنيين العاملين وبدوام جزئي المشتغلين بمجال نقل الاطعمة العاملين غير الشرعيين فى القطاعات غير النظامية هؤلاء العمال الذين يمكن تلخيص طبيعة نشاطهم الحياتي بخدمة الافراد المتمتعين بدخل أعلى لا ينطبق عليهم التعريف الكلاسيكى للطبقة العاملة ولا تمكنهم ظروف عملهم من الالتقاء فى اماكن شبيه بالمصانع القائمة على النمط الجماعى المنظم خط انتاج التى تتيح شكلا عفوياً من التضامن والتعاضد بين العاملين وباتوا في الوقت نفسه أغلبية العاملين فى عالم اليوم يعرفون غالبا بشكل هو ياتي.
فكيف يمكن اعادة تعريف الاجتماعي في ظرف انتاجى يسود فيه عاملون لا يمكن ان يصبحوا طبقة أو تنظيم؟
ما القوة السياسية والثقافية للعمل فى ظرف أصبح الجميع مجبرين على المرونة؟ الاقطاعية الجديدة برز هذا المصطلح في عدد من الدراسات المعنية يتطور الراسمالية المعاصرة بشرح التحول نحو نمط من النمو غير القائم على التوظيف الواسع فى المجال الانتاجى بقدر الاعتماد على تحقيق الفوائض من خلال عمليات غير انتاجية مثل المضاربة والاحتكار والاكراه وهذه ما ظهرت جلياً في اخر مؤتمر للجنة ازالة التمكين والتفكيك لنظام الانقاذ من تقنين الفساد والهروب الضريبى وتشويه الاستثمار الحقيقى حيث بلغت ترليونات الجنيهات وملايين الدولارات في المضاربة مع استغلال الشباب ذو أعمار صغيرة وأصحاب الحاجة من «الجوكية» من بين العمليات المنتجة للقيمة يلعب الاكراه دوراً مهما فى فهم طبيعة عمليات التوظيف فىعصرنا وهو شبيه بالممارسات الاقطاعية التى كانت تمارس أيام الاستعمار بواسطة البيوتات الطائفية والدينية وزعماء العشائر واصحاب النفوذ حين تمتعت مجموعة منهم بامتيازات خاصة فى ادارة الموارد القائمة انذاك ما اتاح المجال لظهور مجموعة البيوتات الطائفية وزعماء عشائر عملاء للاستعمار مبنية على علاقات ولاء وتبعية معقدة ومتداخلة تندمج فيها القوة الاقتصادية بالقوة السياسية وصل الحال إلي تجارة الرقيق فرض فيها البيوت الطائفية وزعماء عشائر انظمتهم الخاصة وانتزعوا جانبا اساسياً من إنتاج المزارعين فىعدة امكنة من السودان مثال النيل الابيض والشمالية والقضارف مقابل الولاء للاسياد لغرض الحماية واستفادتهم من بعض احتكارات السادة مثل الاراضي والادوات الزراعية مازالت اثارها تتحكم فى سياسة واقتصاد البلاد حتي اليوم بمايعرف الآن بزواج المال والسياسة فى أيامنا وبدلا من الاقتصار على استغلال فائض القيمة تحدث بناء احتكارات ضخمة وفرض عقود اذعان على العاملين فيها. الاكراه هنا يتخذ اوجه متعددة تنافس عدد ضخم من العاطلين عن العمل على وظائف محدودة مع امكانية فصل وطرد العمال متى يريد مشغليهم اضافة العمل باجر زهيد مقابل نيل شهادة خبرة ومصادرة ملكيات افراد الطبقة الادنى عبر ارهاقهم بالديون والغرامات والقروض الميسرة فضلاً عن فرض نمط من الرقابة علي العمال وانظمة عدالة خاصة بحقهم.
يبدو العمال غير المستقرين اليوم شديدى التبعية لسادتهم الجدد مؤمنين للغاية بايدلوجياتهم القائمة على مبدأ النجاح الخلاص الفردي ساعين للحصول علي ما تيسر من فرص «التمكين» فى عصر تصبح فيه الذات الفردية نفسها بثقافتها ونوعها الاجتماعي وميولها وعواطفها سلعة ذات قيمة سوقية ما يصير اتباع ايدلوجيا السادة اي القيم الاخلاقية والثقافية لرأس المال ذي الامتياز فرصة لتعظيم امكانية بيع قوة العمل وتسويق الذات على منصات التوظيف الافتراضية والواقعية.
يتنافى شرط بيع قوة العمل هذا بالتأكيد مع كل تعريق ممكن لكرامة العمل والعاملين خاصة فى بيئة رفعت الحكومة يدها من ضرورات الحياة للعاملين إلا أن الطبقة العاملة كانت قادرة في لحظات الاحتجاجات المفصلية على فرض حضورها بفضل إئمانها بالكرامة الانسانية والحقوق.
الكرامة هنا لا نعنى فقط الاعتراف المعنوي بل دورهم الاقتصادي والسياسي والمشاركة في السلطة.
اليوم تبدو التنظيمات النقابية بلا مراكز واضحة وتم سرقة ثورتهم وتشويه مطالبهم التغييرية والعمل منزوع الكرامة ولا يمتلكون قوة سياسية تذكر ما يجعل ثورتهم ان لم تكن مجهضة مسروقة ولا تنتج غالبا إلا مزيد من تراكم اليأس والحقد الاجتماعى ومطالبة السادة بفتات التمكين أي مزيد من التبعية للاعتراف ومن يمنح الاعتراف سوى من أقر له بامتلاك الهيمنة المادية والسياسية والاقتصادية والرمزية.
لن يبقى للتنظيمات المهنية والنقابية إلا حراك ثورى آخر لاصلاح الثورة واحداث التغيير المنشود للخلاص من سارقى الثورة من الفئات الانتهازية التخاصصية.
……………………………………
الخرطوم 23اغسطس2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *