المقالات

انا كلمة.. سعد محمد أحمد يكتب : أسر تبحث عن قوتها في بيوت النمل

الحديث عن أزمات السودان لا تنتهي الا وتبدأ أزمة جديدة وترتحل الذاكرة إلى وقائع اليمة يعيشها المواطن السوداني ماثلة، فاعلة في الوجدان. تجسدت في مشاهد وصور فاجعة تجاوزت قدرة المجتمع السوداني على التغلب عليها باستخدام موارده الخاصة.
بالنسبه لي كان أسبوعا كارثيا صادفت فيه رجل ذات خلق وصديق عمر وهو يحمل على عربة (كارو) بعض الأدوات الكهربائية المستعملة ذاهبا لسوق (الجمعة) بغرض بيعها لحاجته في علاج ابنته المريضة بعدما جففت المشافي العامه في إطار النيوليبرالية الاقتصادية لتكون أمر الصحة للقادرين فقط في إطار خصخصة المؤسسات العامة من قبل النظام المخلوع لتسير على دربه نظام البرهان الانقلابي أكثر وحشية في جاحيات الناس الأساسية، لاسيما في الأسبوع نفسه خبر استقالة صديقين اعتز بصداقتهما من مصرفين مختلفين رغم أن كل منهما يشغل وظيفة مدير في أقسام مهمة للغاية تعني روح المؤسسة ويحملان درجات علمية عليا ويجيدان لغات أجنبية وخبرة ودراية وسيرة عطرة في فن التعامل مع العملاء، استقالا من اجل البحث عن موارد تكفي لهم وأسرهم حياة الكفاف في السوق الموازي اي الغير رسمي، في بلد فقد بوصلته الاقتصادية، الملفت والغريب في الأمر أن هذه الاستقالة رغم ما تشكلها من فقدان كوادر مؤهلة للمصرف لم يهز كيان الإدارة العليا.
صادفت في الطريق احد الذين كنا نحسبهم من الأثرياء يمتضي برفقة أبنائه التلاميذ المواصلات العامة ليخبرني بأنه باع سيارته الخاصة لمقابلة سداد رسوم التعليم لأبنائه ومقابلة ظروف المعيشة الصعبة،
هذه نماذج حيث ألقت الأزمة الاقتصادية بثقلها على العاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية، يظهر هذا الأمر من خلال مؤشرات عدة، مثل قدرتهم في الحصول على الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والكهرباء وغيرها، الا انه يمكن معرفة مدى وطأة الأزمة من خلال معاينة آليات إدارة الأزمة، فمع تاكل القدرة الشرائية للأجور أصبح على العاملين في مختلف القطاعات إيجاد مصادر جديدة للحصول على ما يكفيهم من غذاء وسكن وكهرباء وأمور أساسية للحياة، واحد المصادر البديلة التي استخدمها العاملون في استخدام مدخراتهم أو بيع احد أصولهم للحصول على سيولة تساهم في قدرتهم على تعويض جزء مما خسروه بسبب انخفاض
قيمة أجورهم، مهما ارتفعت معدل الأجور ليس كافيا لتغطية غلاء المعيشة إذ بلغ التضخم التراكمي منذ عام ٢٠١٩ نحو ١٠٠٠٪ بمعنى آخر الأجور الحقيقية تأكلت بشكل هائل، وهذا الأمر استدعى الأسر إلى اتخاذ اجراءات طارئة لإبقاء قدرتهم على استهلاك المواد الأساسية التي يحتاجونها للعيش.
هذا الأمر جعل العديد من الأسر تتخلى عن المدخرات التي تركوها جانبا في الماضي أو أصول كانت تعتبر جزءا من ثرواتهم من أجل الحصول على الغذاء أو دفع إيجار السكن أو الحصول على العلاج أو غيرها من الأمور التي لايمكن العيش من دونها.
تدل هذه المؤشرات على الانعكاسات الخطيرة التي تسببت بها الأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة الجنيه السوداني التي فقدت قوتها الشرائية على حياة الأسر السودانية العاملة في مختلف القطاعات، والمشكلة في هذا النوع من آليات التعامل مع الأزمة أن الموارد المستخدمة لتغطية العجز بسبب تاكل الأجور هي موارد قابلة للفناء، فإذا طالت الأزمة وبقي هؤلاء يستهلكون مدخراتهم واصولهم يصل الأمر إلى نقطة معينة تنتهي فيها هذه المدخرات والأصول وعندها سيكون وضع هؤلاء صعب جدا لا يعلم احد نهايتها الا رب العالمين حيث ستصبح كل شي (مباح) هذا يعني ان عدم الوصول إلى وضع اقتصادي يعيد القدرة الشرائية للأجور إلى مستوى تستطيع من خلاله الأسر السودانية تحمل نفقات الأمور الأساسية يضع هذا الأمر في دائرة الخطر، من ناحية أخرى أن تسييل الأسر لمدخراتها وصولها بهدف استهلاك المواد الأساسية يسهم في ازدياد فجوة اللامساواة في الاقتصاد السوداني وهذا يساهم في اشتعال الأزمات وقضايا الهامش وتخلق أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، فمع بيع الأسر للأصول واستخدامها للمدخرات هي تستغني عن ثرواتها من أجل الاستهلاك، الا انها تخسر أجزاء كبيرة من ثرواتها في مقابل هذه الأصول والمدخرات، ستذهب إلى أطراف أخرى في الاقتصاد وهي على الأرجح تكون تابعة للاثرياء الذين ستزداد ثرواتهم في مقابل تاكل الأسر الأكثر فقرا ما يسهم في ازدياد فجوة اللامساواة في المجتمع السوداني وتلاشي الطبقه الوسطى الى الزوال.
……………………………….
الخرطوم13اغسطس2022

مواضيع ذات صلة

تقرير: 1140 حالة اختفاء قسري خلال عام من الحرب في السودان

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: دعوها فانها مأمورة ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: استفهامات بريئة جدا ؟!

عزة برس

على كل.. محمد عبدالقادر يكتب: دموع مريم… وهروب حمدوك

عزة برس

تمبور السودان عصي على التركيع وصامد امام اعتى العواصف

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: تفسير مفهوم مصطلح (تكنوقراط) انجب مولود مشوه ..!!

عزة برس

اترك تعليق