المقالات

عبدالمعين.. من خُلاَلْ السخلة بقلم: إبراهيم احمد الحسن

عبدالمعين في صغره كان يعجب بالحيوانات الاليفة وضواري البرية في ذات الوقت ، حلمه كان ان يقتني حيواناً مستأنساً يربيه معه في البيت ويجعله اليفاً مستأنساً ولكن قوانين بيتهم الصارمة التي وضعها اهل بيته اعراف وتقاليد راسخة كانت تمنع بصورة قاطعة تربية اي نوع من الحيوانات في البيت كما ان المنطقة التي يسكن بها كانت تخلو من السوائم والحيوانات السابلة . لذا كان عبدالمعين كثير ما يهرب من قيود مجتمعه ومنطقته التي تمنع تربية الحيوانات الي براح الحياة في الحي المجاور حيث اقربائه يستمتع صغارهم بتربية الحيوانات التي تشاركهم المسكن والماء والكلأ ، فقد كانت الحيونات المستأنسة والاليفة والداجنة تسرح وتمرح معهم في حيشان كبيرة وواسعة ، تضج الحياة فيها بكل ما هو جميل ينظر اليه عبدالمعين في سعادة غامرة متمنياً لو انه كان وسط هذه الجوقة وينصب نفسه قائداً لاوركسترا عزفها . وبالفعل كانت جوقة وكانت موسيقى ، فانت تسمع المواء والخوار والنقيق والنباح والنهيق والصهيل والطقطقة والهديل والهسيس والصغيب والمأمأة والرغاء فتعزف القطط والابقار والدجاج والكلاب والحمير والخيول و(حتى الاسماك في احواضها ) والحمام في ابراجه والسلاحف والخراف والابل سيمفونية النغمات الاليفة ، اما اذا انتحي عبدالمعين ركناً قصي في خلاء هذا الحي الطرفي الذي لا يفتأ يزوره فان موسيقى حيواناته الاليفة يخالطها دون شك شئ من نشاذ اصوات وحوش غابته القريبة فيسمع ضُباح الثعالب ، فحيح الافاعي وفخفخة الضباع ، وقد لا يخلو الامر من غطيط نمر ، زئير اسد او نحيم فهد .
كان عبدالمعين يعشق الحيوانات ويتمني ان يعيش وسطها . كانت تعجبه الادوات التي تساس بها حيوانات المنازل واصوات مناداتها والتي لا تنفصل من موسيقى اصواتها ذاتها ، فعمته في منزلها البعيد كان تنادي الدجاج ب ( كُت .. كُت .. كُت ) وتصرفه ب ( كَر ) ربما تلحقها هش ، اما اغنام عمته فكانت تاتي قفزاً عندما تناديها ( حيحي ) وتنهرها ( تك ) اما الحمار تحثه ( النقرطة ) علي الوخذ في المشي مقرونة ب (عر ) والخيول تذهب وتأتي ب ( هورت ) والقطط تأتي ب ( نُس نُس ) مكررة مع تعطيش النون وتطرد ب ( بس ) بكسر الباء وتسكين السين .
‎كان عبدالمعين كثيرا ما يجلس الي جده في العطلة السنوية للمدارس حيث كان يرافقه الي مزرعته الكبيرة والتي كانت تعج بالحيوانات , يذكر عبدالمعين صوت جده يقول له وهو يشير الي فرس جامح يقفز في الهواء ويركل برجليه الخلفيتين شيئا لا يرونه ، كان جده يقول له بصوته الدافئ العميق “الصريمة في الحقيقة هي نوع من انواع لجام الخيول و هي ذلك النوع الذي يتكون من سيور من الجلد تتدلي علي جانبي رأس الحصان و تكون من غير شكيمة ، و الشكيمة هي قطعة الحديد التي يتم ادخالها في فم الحصان حتى يتم التحكم في حركته بصورة افضل . و الصريمة في العربية هي الهجر و القطيعة و الانعزال . يواصل جده “اما الصر ( الصرمان ) هي معالجة ضرع البقرة او الشاه او الناقة بعدة طرق تمنع صغارها من الرضاعة اما بصورة مستديمة ( فطام ) او بصورة مؤقتة ريثما يتم حلب اللبن .. و قد يكون الصر بعيد عن ضرع الماعز ( مثلاً ) و ينسحب علي صغيرها ( سخلة او عتود ) و في هذه الحالة لا يسمى صر و انما يسمى خُلال و هي قطعة صغيرة من الخشب تُربط من جانبيها بخيط ( دبارة ) توضع في فم ( السخلة او العتود ) و تلتف الدبارة حول الرأس و في بعض الاحايين يتم سن طرفي قطعة الخشب هذه و يتم ثقب اشداق ( السخلة او العتود ) و تثبت بصورة مستدامة حتى تتم عملية فطام الحيوان الصغير ، ومن هنا جاءت العبارة السودانية الشهيرة الشهيرة والتى كانت مغرمة بها جدتك فتنادي بها كل حين وتقول : ( اريتو ب خُلَال السخلة )” يضحك الجد قائلاً وهو يشير الي سخلة تتقافز بالقرب منه اها هذا هو خُلَالْ السخلة . يواصل جدو كما يناديه عبد المعين : “الغريبة في اللغة العربية الفصحى السخلة هي صغير الضأن او الماعز ذكرا كان ام انثى اما ( ع .. تود ) فتعني ولد الماعز
.
‎كان عبدالمعين يحب الكلاب ، وكثيراً ما كان يتوق الي اخذ واحد من جراء الكلبة التي وضعتهم غير بعيد تحت ظل شجرة المسكيت وفروعها المتشابكة عند طرف الحي ، كانت شجرة المسكيت باوراقها الشائكة تمثل ملاذاً آمناً للكلبة وضعت جرائها تحتها وحرستهم بانياب واظافر ، ولان عبدالمعين كان يجهل فنون التعامل مع الحيوانات ولان شقاوته وجرأته كانت تجعله يندفع دون كابح نحو ارتياد الصعاب فقد قرر انتزاع احد الجراء من احضان امه واخذه معه للبيت وليحدث ما يحدث فربما استطاع اقناع اهل بيته بجدوى تربية كلب معهم في المنزل ، وخاصةً ان حلم حياته كان في اِقْتِناء كلب أبيض ولعل اللون يكون شفيعاً في قبول اهله للفكرة يقول في سره ، ولكنه لم يحس عقابيل انتزاع الجرو من حضن امه ويجهل كذلك الحالة النفسية التي تكون عليها كلبة والدة حديثاً .
زحف عبدالمعين تحت اغصان شجرة المسكيت الشائكة المتدلية تلامس الارض لم يأبه للخدوش التي اصابت ظهره وبدأت تؤلمه ، لم يكترث للنزف الذي جرى دمه علي ظهر يده وهو يزيح الاغصان الشائكة لم يهمه الم كوعه وهو يرتكز به علي حجر في الارض تحت شجرة المسكيت فى مشواره الي الجرو في مأمنه ، وظل يزحف ويزحف وهو يعاني الامرين من الالام والجروح علي اليد والخدوش علي الظهر ، صوت تكسر اوراق الاشجار وطحن الاغصان الناشفة والتي حملتها الرياح لتختبئ تحت شجرة المسكيت منعه من سماع اي اصوات أُخر ومن ضمنها زمجرة الكلبة كصافرة إِنذار اول .لعلها تردع عبدالمعين عن المضى قُدماً في تنفيذ نواياه في انتزاع الجرو . اقترب عبدالمعين اكثر واكثر من مكان الجرو ، زاد وجيب قلبه فها هو تحقيق حلمه قد اصبح قاب قوس يده ، زمجرت الكلبة الام عاوية تحذر عبدالمعين الذي لم يرعوي ، بل قل لم ينتبه فهو في هذه اللحظات يحبس الانفاس فلا يتكلم ويصم الاذان فلا يسمع ، وقفت الكلبة علي اربعتها بعد ان كانت تستلقي في امان تطعم جرائها من لبن اثدائها الثمانية ، نهضت الكلبة نصف واقفة ولم تزل جرائها معلقة علي الاثداء ترضع . اختار عبدالمعين الجرو الابيض واسطة عقدالجراء ومد يده لينتزعه من مأمنه ، عندها برزت الانياب مكشرة وأُنشبت الاظافر ، كان مستقر الانياب ساعد عبدالمعين الذي امتد لاقتناص الجرو اما الاظافر فقدكانت تعمل حيث اتفق في جسم عبدالمعين .
حًمل عبدالمعين علي جناح السرعة الي المركز الصحى القريب ، تحمل عبدالمعين في شجاعة نادرة الم مطهرات الجروح الذي يغشى بيد ممرض ماهر ومتفان في عمله مواضع الجروح والخدوش والكدمات واثار الانياب والاظافر ، اما خياطة الجرح الكبير مكان العضة فقد قام به المساعد الطبي الحكيم ، ثم كانت اللحظات الحاسمة حقنة سعار تحت الصرة ، عبدالمعين نظر مليئاً الي الممرض هو يغرس الحقنة في بطنه ولم يرمش له جفن .
اللحظات الحاسمة عند الطبيب الجراح تجعل بكاء الاطفال يعلو والكل يشتكي الالم مقروناً ذلك باسئلة وجلة خائفة : خلاص انتهينا ؟ تاني فضل شنو ؟ ، الا عبدالمعين كان قلبه معلقاً هناك في شجرة المسكيت تحت اغصانها المتشابكة واوراقها الشائكة ، وكان سؤاله العجيب : “والان يا دكتور اين الجرو” ؟

مواضيع ذات صلة

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

كلام سياسة.. الصافي سالم أحمد يكتب: وزير الخارجية : ملفات في الانتظار

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: يا نجوى كلنا فى الحكمة شرق

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: إعدام وزير ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: من يستحى لهولاء من؟

عزة برس

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب: من يجرؤ على الكلام..!

عزة برس

اترك تعليق