المقالات

لنا كلمة ..بقلم سعد محمد احمد .. أزمة غذاء ام سياسة تجويع

العالم يواجه نقص في الغذاء أسطوانة تعاد تكرارها سنويا عن أزمة الغذاء والفقر والجوع التي تواجهها شعوب الدول النامية وهي المقصودة ب (العالم) وعن تقارير منظمة الأغذية العالمية وعن حجم الأزمة والتي تهدد ملايين البشر بالجوع والمناشدات وكم تذهب للشعوب وكم تصرف في المنظمة وحرب روسيا واوكرانيا وعن قمحهما كان العالم بلا موارد ولا أرض ولا ماء وبغض النظر عن الموارد الطبيعية الكبيرة والمتنوعة المناخات المتعددة والمحاصيل التي تملكها تلك الدول المعنية بالجوع والفقر لا يخرج هذا النهج عن صناعة الجوع والافقار التي تاصلت بسبب سياسة التجويع التي عملت لها وخطط لها من قبل الدول الاستعمار ية التي كانت تستعمر هذا (العالم) في القرن الماضي اي هذه الدول المعنية وبعدما امتصوا خيراتها وفرضوا شروطهم وسياساتهم زرعوا عملائها من أبناء جلدتها لتعبث بالدول وبخيراتها، هذا النهج من السلوك والثقافة هي نهج مقاربة الازمات السياسية المعقدة وحلولها، فتخلق ثقافة عامه في التعاطي مع المشاكل في المجتمعات وتصبح سلوكا على المستويين الفردي والجماعي كأنها جائحة عابرة في حاجة إلى تطييب وفي الحقيقة انها تمييع للازمات عبر تجاهل جذر الأزمة الحقيقي والتوجه نحو حلول لا تزعج لكنها لا تفك عقدا بل تحسن مظهرها.
والمواجهة لا ولن تكون سوي عبر فهم هذا النهج المتغلغل في تفكيرنا ومقاربتنا اليومية وعبر خلق نهج بديل يعتبر التطييبية جزء في فهم الازمات المعقدة لا مساحة منعزلة تقذف إليها الازمات من أجل تجنب حلها. هذا النهج القائم على العطايا والتبرعات والمنح والقروض بالمناشدات ما هو إلا سياسة وضعتها وخططتها تلك الدول الاستعمارية للمستعمرات من أجل تجويع الشعوب وافقارها ونهب ثرواتها ومواردها وفرض شروطها تتمثل في شكل الاستعمار الحديث الناعم بشكله الجديد.
بين الحربين العالميتين بدأت إدارة المستعمرات واستدركت ان هناك أزمة غذائية بين سكانها، وفي عام ١٩٣١ تسلم المجلس الاستشاري الاقتصادي في عصبة الأمم ملف الأزمة الغذائية في المستعمرات وطلب بدوره تقارير ومعلومات من المستعمرات حول الأوضاع الغذائية في كل منها، وقد عادت هذه التقارير شبه متفقه على أن المشكلة تتجاوز (مسألة التغذية) بل انها مشكلة بنيوية.
حاكم مستعمرة في ارخبيل الكاريبي على سبيل المثال رأي ان المسبب الرئيسي للازمة الغذائية في بلاده هو الفقر وذلك بناء على بحوث أجريت على حالات سوء التغذية في الأطفال وكان السبب في كل هذه الحالات ببساطة ليس بمقدور أسرهم شراء الطعام. أما مسؤول الصحة في ساحل الذهب (الان دولة غانا) فراي ان القضية ابعد من ذلك رابطا أزمة الغذاء بالسياسات الاقتصادية التي تركز على التصدير وان السياسات الاستعمار ية كرست الكثير من الاهتمام لزراعة الكا كاو بهدف تصديره مهملين بذلك حقيقة ان معظم المزارعين في القرى يعيشون اساسا على الطعام الذ ينتجونه في مزارعهم التي حولها الاستعمار الي حقول لزراعة الكاكاو إضافة إلى ذلك فان معظم الادلة التي عادت في تقارير المستعمرات ان المشاكل الغذائية الخطيرة أصلها حديث نسبيا ومرتبط بالاستعمار وهو ما أشارت اليه أيضا (اودي ريتشارد) عالمة الانثربلوجيا التي كانت عضوا في لجنة البحوث في المستعمرات عندما كتبت ان تغذية شعوب تلك المناطق وصحتهم تدهورت بعد الاحتكاك بمدنية البيض وليس العكس وان سوء التغذية كان وباء حديثا في تلك الفترة فضلا أن كثير من المستعمرات حرمت شعوب تلك المستعمرات من زراعة وإنتاج طعامها والاعتماد على ذاتها.
وفي مارس ١٩٣٨ جمعت اللجنة تقارير مختلف المستعمرات وأعدت مسودة تقرير حول أزمة الغذاء وحددت الأخيرة ان الفقر ثم الجهل هم السببان الرئيسيان لسوء التغذية في المستعمرات وان الفقر ناجم عن نقص في إنتاج محاصيل الطعام وعن الأجور المنخفضة من جهة أخرى وعن تلقى المستعمرات عائدات زهيدة مقابل صادراتها الزراعية ومعادنها وموادها الخام من جهة أخرى، باختصار وجهت المسودة أصابع الاتهام بشكل اساسي الي سياسات المستعمرات والمذهب الاستعماري وسلوكها بشكل عام في ما يخص أزمة الغذاء، لكن المسودة هذه لم تبصر النور على الأقل ليس دون تعديلات جذرية. اعترضت مجموعة من أعضاء اللجنة على تركيز التقرير على انخفاض المستوى الاقتصادي في المستعمرات معتبرين ان التركيز يجب أن يكون على العناية بأمور الغذاء والتغذية أثر هذه الاعتراضات تبدلت لهجة التقرير من متشائمة الي متفائلة واهملت المشاكل البنيوية الصعبة وتركزت العلاج بالتركيز عوضا عن ذلك على مشاكل تقنوية يمكن للحكومات ان تعمل على حلها ونوقشت الأسباب في التقرير النهائي بطريقة أكاديمية طرحت أزمة الغذاء على أنها من شؤون الاقتصاد السياسي اما في النسخة الثانية النهائية فاعتبرت بأنها من شؤون التعليم (تعليم الاهالي) الذين إذا عرفوا ماذا يزرعون وكيف يزرعون ويطهونه فسوف يقل الفقر وبالتالي المرض وأصبح حل أزمة الغذاء يكمن في حشد الخبراء ال مناسبين وعلماء التغذية الزراعية وهكذا بكل سذاجة وببساطة تحولت أزمة الغذاء في السياسة ولاحقا في الوجدان العالمي أيضا من مشكلة بنيوية الي مشكلة تقنوية حلولها تكون عبر الإمداد بالمكملات الغذائية التي (تفتقر) إليها شعوب المستعمرات عبر التثقيف الصحي وتعليم المجتمعات المحلية طرق الاستفادة من الموارد القليلة لصناعة غذاء كامل متوازن لتحول أزمة سياسية بامتياز الي مشكلة جهل وقلة معلومات ونقص في الموارد وهكذا استطاع المستعمر من الاستلاب الثقافي وتغبيش الشعوب وفرض الوصايا، وهذا النهج ليس حل منفرد بل هو نهج مستمر يحاول كتاب كثيرون بأن القرن الماضي شهد نزعة متزايدة نحو جعل المشاكل الاجتماعية والسياسية الي مشاكل علمية ثانوية بمعنى نقل العقدة من المجال الاجتماعي والسياسي الذي يمكن فيه إنجاز شي ما بشأنها الي مجال الطبيعة فتقارب المشكلة كأنها مشكلة ثابتة تحل من خلال الخبراء ويرى البعض ان النهج يقيد وقد يقمع استراتيجيات معالجة الازمات عبر تفادي الحلول الجذرية السياسية والاجتماعية والتوجه نحو الحلول التقنوية كما حصل في مقاربة أزمة الغذاء العالمية في ثلاثينات القرن الماضي
ولنضع هذه المقاربات في الحال والراهن السوداني لابد من بعض التساؤلات عن الاستعمار البريطاني لبلادنا وتاسيس واقامة مشروع الجزيرة لزراعة القطن ليضخة الي مصانعها في لاشكير وغيرها لإنتاج الملبوسات والاقمشة والتوب السوداني وعمة التوتال لنستوردها من أوربا وعن طريف الخليج الان من إنتاج القطن السوداني ألم يكن من الممكن إقامة مصانع الغزل والنسيج ليحدث قيمة إضافية حقيقية مقابل آلاف الافدنه ومياه النيل ولماذا لم يفكر المستعمر في إقامة مشاريع زراعية لإنتاج الحبوب الغذائية من قمح وذرة وغيرها ليخلق أمن غذائي للشعب السوداني ومن وراد تعطيل إنتاج النفط في السودان في سبيعينات القرن الماضي ليصبح صادر الذهب اليوم لا يشكل حضور حقيقي في الاقتصاد السوداني رغم ضخامة الإنتاج في الوقت نفسه أصبحت الدولة تحارب الإنتاج الزراعي وتضايق المنتجين ويرفع الدعم عنها وعن مدخلاتها وتتكاسل في تمويلها حتى تنقضي الموسم ويفرض مزيد من الجبايات والاتاوات وتقيم في الأراضي الزراعية غابات الأسمنت من الفلل الفاخرة لنفتح علامة استفهام كبيرة من يدير العالم اليوم؟؟؟
التعريفات الموضوعية للفقر الموجودة اليوم نزعت الصفة السياسية عن أزمة الفقر وحولها الي ظاهرة لها تعريفاتها وحلولها العلمية عبر ثوابت تقنوية وروشيتات تأتي من المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية على رأسها صندوق النقد الدولي فأصبح بحث سبل العلاج يقتصر على الإمداد بالمواد الغذائية والصحية والتوعية الاجتماعية وبناء مشاريع محلية لتامين فرص عمل غالبا ما تكون أقرب إلى فرص استغلال باجور زهيدة وشروط عمل سيئة وتم تجاهل الحلول المرتبطة بتغيرات بنيوية تتعلق بتوزيع الثروات والإنتاج واستغلال الموارد المحلية ونهبها من قبل الشركات الأجنبية بمساعدة العملاء في الداخل وغيرها من العوامل السياسية المسؤولة عن الأزمة.
……………………………….
الخرطوم3يوليو2022

مواضيع ذات صلة

يا مافي السجن مظاليم بقلم: عميد شرطة فتح الرحمن محمد التوم- الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة

عزة برس

كلام سياسة.. الصافي سالم أحمد يكتب: وزير الخارجية : ملفات في الانتظار

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: يا نجوى كلنا فى الحكمة شرق

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: إعدام وزير ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: من يستحى لهولاء من؟

عزة برس

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب: من يجرؤ على الكلام..!

عزة برس

اترك تعليق