المقالات

ياسر العطار يكتب : أزمة مياه القضارف.. للقرى الشرقية قضية

تقرير _ ياسر العطار

لم يستيقظ الطفل خير الله البدري قبل اذان الفجر بقرية الشملياب شرقي القضارف.
لم يستيقظ في ساعات الصباح الاولى هذه لاحتساء كاس حليب أعدته له والدته الحانية او استذكار دروس المدرسة في ساعات الحفظ الذهبية.
بل يستيقظ خير الله مصارعاً النعاس ليتوجه إلى حيث مربط حماره ليشده على عربة الكارو التي تحمل برميل المياه ليبدأ رحلة قاسية نحو بئر الماء الذي تنتظره فيه ساعات طوال تحت هجير الشمس وعراك الانداد.

يقول محدثي الصغير الذي لم يتجاوز عمره السنة العاشرة إنه يصحى منذ الثالثة صباحاً قبل أن يكمل نومه ليذهب إلى بئر المياه وينضم الى اقرانه الذين سبقوه الى هناك ليحجز موقع في الصفوف الطويلة التي تبدا من اطراف القرية وتمتد الي داخلها.
ويضيف البدري “والله نحن القراية ذاتها قنعنا منها وخلينا المدرسة عشان اهلنا يشربوا موية ولو لقينا الموية متاخرين مشينا بدقونا” .
وهنا تكمن المأساة الحقيقية لاجيال تضيع حقوقها في التعليم بسبب مياه الشرب.
ويقول الخبير التربوي الاستاذ عبد الجبار بابكر إن احصاءات غير رسمية تؤكد ان نسبة التسرب من المدارس تتجاوز 30 ٪ في قرى المنطقة وذلك بسبب اعتماد الاسر على الاطفال في جلب المياه مشيرا الى المعاناة الكبيرة التي يتكبدها التلاميذ من اجل توفير المياه مما دفع باعداد كبيرة منهم الي الفاقد التربوي.
ويتابع عبد الجبار ” الموية بالنسبة لينا مشكلة حقيقية عايزين موية وبس” .

لم يكن خير الله البدري هذا الا نموذج لمئات الاطفال الذي وجدناهم في صفوف بئر المياه بقرية الشملياب وهكذا يكون الحال في العمارة والعقل وودالسيد والدلسات والشرفة وبقية قرى مجمع محلية وسط القضارف التي تقارب ال (25) قرية.

◾قصة خير الله البدري واخوانه هذه تعكس واقع الحال لمواطنين سودانيين يبحثون عن المياه من أجل الحياة ولأجل ان يعود ابنائهم للتعليم.

◾ البشريات.
في ظل هذا والواقع الماثل استبشر أهالي الشملياب ومجمع قرى وسط القضارف خيرا بمشروع الحل الجذري لمياه مدينة القضارف حيث ان أنابيب مياه المشروع تشق اراضيهم الزراعية وتمر بالقرب من منازلهم فيما يقبع اضخم صهريج لتوزيع المياه فوق رؤسهم في جبل الشملياب حيث مثل كل هذا لهم بارقة أمل في حل ازمة المياه التاريخية التي طالما عاشوا ويلاتها

◾ وعود وشكوك واعتصام

مع بداية انطلاقة اعمال المشروع تلقى اهالي مجمع قرى محلية وسط القضارف وعود قاطعة من حكومة الولاية بايصال المياه اليهم ضمن مشروع الحل الجذري لمدينة القضارف الذي تحمل انابيبه اكثر من (75)الف متر مكعب بما يكفي حاجة المدينة ويفيض.
وهنا يقول القيادي بالمنطقة وعضو المجلس التشريعي السابق الصافي العوض ان الدراسات الاولية التي اجريت منذ بدايات المشروع في العام 2016م شملت القرى بعد جهود كبيرة اجريت دراسات وعمل تصميم للخطوط الطولية للقرى لتشرب عبر اكشاك في المرحلة الاولى ويقول الصافي بعد توقف المشروع في اعقاب التغيير الذي شهدته البلاد وبدأ استئنافه برز حديث بتاجيل القرى للمرحلة الثانية قبل ان نبرز لهم المستندات التي تاكد ان الدراسات الاولى شملت القرى ليتم التوجيه بان تدخل القرى ضمن مشروع المدينة
وذهبت السلطات ابعد من ذلك بمخاطبة الوالي المكلف محمد عبد الرحمن لحفل جامع بالمنطقة اكد فيه عزم حكومته على توصيل المياه لهذه القرى ضمن المشروع الحلم.
وقبل ان ينهى المقاول الصيني اعماله في مشروع خزان الشملياب لاحظ الاهالي بان كل الانابيب الخارجة من الصهريج متجهة نحو المدينة ولا يوجد انبوب متجه نحو قراهم.
عندها انتابتهم الحيرة وسالوا السلطات المختصة والجهات الفنية ولم يجدوا اجابة فثارت ثائرتهم وخرجوا محتجين واوقفوا المقاول الصيني عن العمل واعلنوا الاعتصام في الجبل حتي ينالوا حقوقهم المشروعة في شرب المياه.
و يقول عضو اللجنة الميدانية للاعتصام عبد الرازق محمد عبد المؤمن انهم خرجوا لهدف واحد فقط هو ان يتاكدوا من جدية الحكومة والجهات المنفذة لايصال المياه اليهم وليست لديهم اية ارتباطات سياسية او مصالح مع اي جهة اخرى غير انهم يريدون مياه الشرب لمناطقهم المظلومة.

◾ *الوالي لازلنا عند وعدنا الاول.*

في حديثه الهاتفي معنا اكد والي القضارف المكلف محمد عبد الرحمن محجوب التزام حكومته بوعدها الذي قطعته مع اهالي القرى لتوصيل المياه.
وفي رده على سؤالنا عن عدم خروج انبوب مياه من الصهريج تجاه القرى قال الوالي ان هذه امور فنية لا نتدخل فيها..!!
ولكننا ملتزمون بوعدنا لهم
وفي رده عن من يطمئن أهالي القرى بان حقوقهم محفوظة رد الوالي بان هناك لجنة مكونة من قيادات المنطقة وهي المنوطة بذلك.
اما عن الاعتصام وتاخر المشروع يقول الوالي في حديثة الهاتفي معنا ان الاحتجاج حق مشروع وسينتظر المقاول حتي انتهاء الاعتصام لاستئناف العمل دون تحديد سقف زمني لذلك.

◾ *الفنيون يمتنعون عن الحديث.*

ومن جانبه رفض مدير مشروع الحل الجزري لمياه القضارف المهندس مصطفى ابراهيم.
رفض الادلاء باي تصريحات بخصوص الازمة وقال ان ذلك بتوجيه من الوالي بعد اجتماع لجنة امن الولاية.
وبهذا تظل اسئلتنا الفنية عالقة حتي يسمح الوالي لمصطفى بالحديث.

◾انعدام حلقة وصل.
المتابع لازمة مياه الشملياب والقرى المجاورة لها والتي تسببت في ايقاف العمل الكبير الذي يجري في اكمال مشروع الحل الجذري لمياه القضارف يستنتج بان الازمة على سهولة حلها الا انها تكمن في غياب الشفافية والوضوح بين حكومة الولاية والسلطات المختصة والجهات الفنية من جهة وبين واهالي القرى الذين لا مطلب لهم سوى الاطمئنان بان مناطقهم ستشرب المياه ضمن المرحلة الاولى من مشروع الحل الجذري لمياه القضارف.
وهنا نبحب عن الحكمة والقيادة الرشيدة التي تعرف كيف تدير الازمات وتخرج بالقضية الي بر الامان.

مواضيع ذات صلة

عمار العركي يكتب: خبر وتحليل: – مجلس الشيوخ الامريكي ومجلس الشيخ الإماراتي

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: ايها السادة .. انتبهوا !!

عزة برس

أماني الطويل ومعطوب القول!! بقلم: عمر عصام

عزة برس

تقرير: 1140 حالة اختفاء قسري خلال عام من الحرب في السودان

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: دعوها فانها مأمورة ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: استفهامات بريئة جدا ؟!

عزة برس

اترك تعليق