المقالات

همس الحروف..في رحيل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بقلم: الباقر عبد القيوم علي

أنه الموت الذي تنتهي عنده كل النهايات .. و الحقيقةٌ القاسيةٌ التى لا نجد مفر منها ، و هي التى تواجه أهل الدنيا قاطبة بدون إستثناء ، فلا أحد من الناس يستطيع ردها ، و لا يمتلك أحد منهم كذلك دفعها ، إنها الحقيقةٌ اللازمة و الملزمة التى ينعدم عندها طعم ملذات الدنيا و نعيمها ، و هو كما عرفه أهل الحكمة بأنه هازم اللذات و مفرق الجماعات ، و الموت مصيبة تتكرر في كل لحظة ، اليوم نجده تخطانا إلى غيرنا و غداً يتخطى غيرنا إلينا ، و قد فرضه الله علينا و لذا وجب علينا النعايش معه ، فنجده يمد يده إلينا مرة بعد مرة ويختار خياراً من خيارنا ، فيجدنا مستسلمين له و مسلمين أمرنا إلى الخالق ، فالموت حق لابد منه ، فهو مصير محتوم، يواجه كل المخلوقات ، و منهم البشر فلا يسلم منه الكبار أو الصغار ، و لا الأغنياء أو الفقراء ، و لا الضعفاء و الأقوياء ، و لا الحكام أو المحكومين .. إنه الموت و أنه النهاية التى يقف الجميع أمامها عاجزين لا يستطيعون معه حيلة ، ولا يملكون لرده وسيلة ، فالموت هو الموت ، فهو حق و واجب علينا ، و لكن ما يعزينا في ذلك هو وعد الخالق للنفس المطمئنة و هو أحسن الواعدين : بان النفس المطمئنة سترجع إلى بارئها راضية مرضية لتدخل في معية عباده الصالحين و جناته الفسيحة ، فطوبى لنا بهذا الوعد الصادق .

حينما بلغني نبأ إنتقال الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الى الرفيق الأعلى ، إنقبض لذلك الخبر الحزين قلبي و رجعت بى الذكريات إلى الوراء سريعاً (18 عاماً) و كأنها البرق إلى ذلك اليوم الذي بلغنا فيه نبأ وفاة الوالد الشيخ زايد أسأل الله لهما الرحمة والمغفرة ، و وقتها كنت مقيماً بالامارات ، فقد عشت تفاصيل تلك اللحظات القاسيات و التي كانت من أصعب المواقف على الجميع في إستيعاب تفاصيلها ، حيث كانت قسوة الفقد تخيم على كل من كان على أرض الامارات ، فعشنا معهم الحزن الأسود لحظة بلحظة ، حيث لم أجد وقتها أحداً كان يعزي أحد ، فكلنا كنا أصحاب هذا الوجع و الفقد الجلل ، فكل الإمارات على إمتداد السبعة إمارات كانت عبارة بيت عزاء مفتوح ، و كل سكان الامارات كانوا أهل هذا العزاء ، و يبكون و يعزون أنفسهم قبل أن يعزوا بعضهم بعضاً ، فما أشبه اليوم بالبارحة و ما أعظم مصابنا في خليفة الذي كان نعم الخليفة في خلف والده ، فنجد دائماً عند مثل هذا الفقد الجلل يختل التركيز و يضعف الإستيعاب و يقل في تلك اللحظات الثبات و لهذا كانت آيات الله تبشر الصابرين الذين يستطيعون ضبط عواطفهم عند الوهلة الأولى التي تجزع فيها الانفس و يغطي فيها الحزن على القلوب و الصدور ، و التي يعز فيها الفراق و مرارة الفقد .. إنها لحظات قاسية أسأل الله أن يخفف وقعها عند هذه النوازل ، حيث يقول الله تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.) .

في هذا اليوم (الجمعة) 13 مايو 2022 م ، ترجل عن صهوة هذه الدنيا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة و قائد ركبها تاركاً خلفه ملفاً حافلاً بالإنجازات الممتدة و ذكرى خالدة معتقة برائحة تراب أرض الإمارات الطيبة و التي يطول فرعها ببسوق نخيلها ، و الغزيرة بغزارة مساجدها داخل و خارج الإمارات ، أنها ذكرى تملأوها الحكمة الصامتة و الصوت الخفوض الذي كان لا يعلو إلا في إستجلاب الحق و محق الباطل ، فطوبى لمن إستزرع الورود في كسبان الرمال و انبت فيها البساتين و فجر فيها الطاقات البشرية و جعل من بلاده قبلة لكل العالم .

اليوم يوم فقد عظيم يتلوي لمرارته جميع أبناء الإمارات و شعوب الأمتين العربية و الإسلامية و كثير من شعوب العالم التي يعرفون فضل وحكمة سموه ، و حتى المدن و الصحاري ، ستبكي عليه بدموع سخينة ستتفجر من تلك العيون و الينابع التى فجرها ابناء الإمارات في تلك الأرضي الطيبة .

إن الشيخ خليفة بن زايد يعتبر إمتداداً طبيعياً و تقليدياً لمسيرة العطاء و البناء التي خلفها الوالد المعلم و الحكيم زايد بن سلطان آل نهيان ، حيث كان خليفة قائداً فذاً من أميز القادة على المستوى الإقليمي و العالمي ، فهو اليوم في ذمة الله و نحسبه عند الله و هو أحسن الحاسبين من الأخيار الذين وثقوا لكثير من أعمال البر و الخير في العالم أجمع ، بيد إنه يعتبر من أبناء الصالحين الذين إختصهم الله بالعناية الربانية حيث ورد في ذكرهم : (وكان أبوهما صالحاً) .. و لقد كان أفضل اًنموزج للحكمة التي قادت الإمارات الى إستمرار الإستقرار و الإزدهار داخلياً و الإنطلاق خارجياً .

عزاؤنا الوحيد أنه قد ترك خلفه من الأخوان و الذرية من سيحملون الراية و الرؤيا و سيسيرون في نفس الدرب و بذات الهمة و النهج إن شاء الله .. و إني أسأل الله و هو أفضل من سئل أن يتغمده بواسع رحمته و كامل مغفرته و ان يرزقه الفردوس الأعلى بصحبة الأنبياء والمرسلين و الشهداء و الصالحين، أن يجعل البركة في ذريته و جميع أهله و شعبه و أن ينزل من السماء غيثاً على قلوبهم يكون لهم صبراً و سلواناً .. و إن العين لتدمع و إن القلب ليحزن  و لكن لا نقول إلا ما يرضي الله و رسوله ، إنا لله و إنا إليه راجعون و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. خالص آيات التعازي لشعب و حكومة الإمارات في هذا الفقد.الجلل و أخص بها كذلك كامل البعثة الدبلوماسية بالسودان و على راسها سعادة السفير حمد الجنيبي سفير دولة الإمارات العربية المتحدة بالخرطوم .

مواضيع ذات صلة

زوايا المرايا.. د.زينب السعيد تكتب: ابني مات مرتين

عزة برس

نحن عزنا جيش بقلم: شادية عطا المنان

عزة برس

عمار العركى يكتب : محمد ديبي بين مطرقة الامارات وسندان فرنسا

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: مؤتمر اللاجئين وتبرئة عنان.. تقديم السبت احتسابا للأحد

عزة برس

الاتحادي الأصل بنهر النيل يهيب بجماهير الحزب الاحتشاد في شندي لاستقبال السيد جعفر الميرغني

عزة برس

أمصال وإبر.. د. وليد شريف عبدالقادر يكتب: المسودات. بين. طارق. الهادي. ودكتور سامر. وعلوبة (1/ 2)

عزة برس

اترك تعليق