Site icon عزة برس

بُعْدٌ و مسَافَة ..مصطفى ابوالعزائم يكتب: اللواء محيي الدين والفلاشا وزمن نميري .

أعرف أن هذا العنوان طويل لكنه يعبر عما سوف أكتب عنه ، وهو مرتبط بأخٍ وصديقٍ قديم ، وبإنتاجه الأدبي الأخّاذ ، وأعني اللواء شرطة (م) محيي محمد علي ، ابن أرقو الذي إلتحق بكلية الفنون الجميلة تم تحول عنها إلى (كُليّة البوليس) كما كانت تسمى آنذاك ، وقد تخرّج فيها برتبة الملازم عام 1967م ، وهو حاصل على زمالة أكاديمية السّودان للعلوم الإدارية ، وصاحب خبرات عملية ممتدة ، إشتملت على عضوية سابقة بالمجلس الوطني الإنتقالي ، تم تقلّد منصب الوكيل لوزارة الثقافة والسّياحة ، ثم أصبح مديراً للمكتب الصحفي برئاسة الجمهورية ، وهو شاعر رقيق وكاتب صحفي معروف ومرموق .
تشرّفت قبل فترة بزيارة سعادة اللواء. محي الدين. ، وقد أهداني نسخة (طازجة) من كتابه الجديد الموسوم ب (زمن نميري.. ضحكات ومواقف مثيرة) ، وهو حصيلة جهد وخبرة ومعايشة ومشاهدات وشهادات شخصية لفترة من أهم فترات تاريخنا السّياسي.. وقد نشر الأخ اللواء (م) محيي الدين عدة مقالات في صحيفة (الوطن) الغراء حول الحقبة النميرية، رأى في نهاية الأمر أن يجمعها بين دفتي كتاب بغرض التوثيق والامتاع والمؤانسة، ولا أحسب أنه سيكون بعيداً عن إمتاع ومؤانسة «أبو حيان التوحيدي» إذا ما قرنا بين أحداث اللواء محيي الدين محمد علي ، وبين الوقت الذي حدثت فيه وعايشه آخرون ، ربما تكون أنت شخصياً أو نحن جميعاً قد عايشنا جانباً مما يروى لنا .
سألت سعادة اللواء(م) محيي الدين محمد علي ، إن كان قد ضمّن قصة قريبه ضابط الأمن إبان حكم الرئيس نميري في كتابه ذاك ، .. لكنني عرفت أنه لم يُضمّن كتابه تلك القصّة ، التي أذكر أنني أول من عَلِم بها منه هو شخصياً ، وقد كانت هي الخيوط الأولى في مسلسل ترحيل الفلاشا الإثيوبيين إلى إسرائيل ، وقد حمل ضابط الأمن في ذلك الوقت ، عبد الله عبد القيوم الوثائق الخاصة بتلك العملية وهرب بها إلى دولة عربية شقيقة ، وطلب أن يقابل أي مسؤول ليشرح له تفاصيل أخطر عملية لترحيل اليهود الفلاشا عبر السّودان ، لكن مصيره كان القبض عليه ، وإعادته للسّودان ليدخل إلى سجن كوبر مباشرة ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد الانتفاضة في أبريل عام 1985م .
وقتها كان اللواء شرطة (م) محيي الدين مديراً لشرطة أم درمان برتبة العقيد – إن لم تخنّي الذاكرة – وذهبت إليه في مكتبه قبل أن أصل إلى مكاتب صحيفة (الأيام) التي كنت أعمل بها ، وطلبت إليه مدّي بأي قدر من البنزين لأن سيارتي تعمل بالمخزون الاحتياطي فقط ، وكانت البلاد تعيش سلسلة من الأزمات الخانقة والطاحنة ومن بينها أزمة في الوقود والغاز .
كان مدير شرطة أم درمان وقتها يجلس في (البرنده) التي أمام مكتبه (يتشمّس) ، صدره ووجهه جهة مسند الظهر في كرسي الخيزران ، وظهره إلى الجانب الآخر .. وقد قصّ عليّ قصة الضابط عبد الله عبد القيوم ، التي لم أعرف أين ومتى وكيف يمكنني نشرها في ذلك الوقت ، إلى أن التقيت بالسّيد عبد الله عبد القيوم لاحقاً في ليبيا ، وقد أكد لي الوقائع .
اللواء(م) محيي الدين محمد علي ، قدّم لنا ما يمكن أن يكون مذكرات ، أو سيرة ذاتية مرتبطة بظاهرة أو نظام ، وما يمكن أن يكون توثيقاً ومعايشة وشهادة على الورق .
لم أترك الأمر يمر هكذا.. طلبت إلى إدارة التوزيع في شركتنا آنذاك ، أن تتولّى أمر توزيع هذا الكتاب ، وأن تطرحه إعتباراً من يوم صدوره في المكتبات بالعاصمة والولايات ، لأنه كتاب يستحق أن نقرأه جميعاً .

Email : sagraljidyan@gmail.com

Exit mobile version