المقالات

المياه في السودان..الأزمة المحتملة. إبراهيم شقلاوي

يعد الحديث عن ازمة مياه توشك ان تحيط ببلادنا خلال السنوات القادمة من المفارقات العجيبة.. حيث يجري في عمقها اعظم نهران.. النيل الازراق والنيل الاببض بالاضافة للنيل الرئيس الي جانب عدد من روافد الانهار الموسمية.. عطبرة.. سيتيت.. القاش.. طوكر .. فضلا عن احتياط المياه الضخم الذي يوفره الحوض النوبي وعدد من الاودية والخيران الموسمية بركة.. ابو حبل بالرغم من ذلك يواجه اغلب السكان في ولايات دارفور و كردفان ازمة حقيقية في توفر المياه والتي كانت سببا مباشرا ضمن اسباب اخري في العودة لمربع الحرب و النزاعات حول المرعي والارض مما انعكس سلبا علي الاستقرار والامن وحركة الرعاة .. كذلك ولاية والبحر الاحمر التي ظلت تعاني من شح في مياه الشرب رغم التدابير والجهود المبذولة حيث مضت مؤخراً نحو استجلاب معامل لتحلية مياه البحر .. كذلك ولاية كسلا التي اعلنت حالة الطواري في جانب ادارة وتوزيع المياه بسبب الشح الذي تعانية في المياه .. أيضآ ولاية القضارف التي تنتظر اكتمال مشروع الحل الجذري لتوفير مياه الشرب.. وبعض الولايات الاخري بما في ذلك ولاية الخرطوم التي اعلنت مؤخراً عبر هيئة المياه أن العجز اليومي في مياهها يقترب من 900 ألف متر مكعب ، مشيرة إلى أن المتوفر تقلص إلى 1.8 مليون متر مكعب، بينما الحاجة الفعلية للاستهلاك اليومي تبلغ 2.8 مليون متر مكعب.. هذا بالاضافة لتعطل الصيانات الدورية و عدم تمويل خطط جديدة لحل المشكلة.

هذا الواقع في عدد من الولايات السودانية يحتاج الي التدخل العاجل فقد خلق نوع من عدم الاستقرار وعقد من انسياب الحياة.. ذلك لاهمية المياه في حياة الانسان للاستخدام اليومي.. حيث نجد ضعف التمويل وعدم انفاذ الخطط المعدة في هذا الجانب .. قد خلق أوضاعا سيئة في امداد المياه ووفرتها ..وجعل المواطنيين يجدون صعوبات حقيقية في الحصول علي مياه الشرب النقية عند الطلب وهذا مهدد عظيم للأمن والاستقرار بهذه الولايات يساعد علي حفز الهجرات الي المدن الكبيرة او الي دول الجوار الحدودي مما يشكل ضغط علي الخدمات او يزكي اوار النزاعات الاقليمية حول المياه والمرعي .. جراء المعاناة في الوصول إلى مصادر مياه صالحة للاستخدام، خصوصاً أصحاب الماشية في الارياف حيث يمضي النساء والأطفال والفتيات عدد من الساعات مشياً على الأقدام بهدف الوصول إلى مصدر مائي نظيف، ويتعرضون جراء ذلك لصعوبات كبيرة ما يُؤدي إلى الإهمال في التعليم و تربية الأطفال والصحة .. حيث يتم الحصول على المياه بصعوبة من الآبار المحفورة يدويا والتي ربما تعاني التلوث بالامراض او الجفاف.

لقد ظلت الحكومات السودانية المتعاقبة رغم شح الامكانيات والموارد تعطي اولوية قصوي لوفرة المياه في المدن والارياف بالاستعانة بالدول الشقيقة والصديقة والصناديق العربية والمنظمة الاممية في تمويل المشروعات .. ذلك لاهمية المياه في احداث الاستقرار ودعم الأمن وتنمية المجتمعات.. لذلك نجد قضايا وفرة المياه ومكافحة العطش هاجس يؤرق العديد من الدول حيث تضعه علي رآس الأولويات اذا انها تمثل جانبا مهما من الامن القومي وآمن معاش الانسان لارتباطها باستقرار السكان والحد من النزاعات حول مصادر المياه ومايترتب عليها من استقرار الرحل ونمو المناطق السكانية وازدهار التعليم والصحة والخدمات الاخري .

قامت العديد من المُجتمعات المحلية بالريف السوداني بإنشاء العديد من المشروعات الصغيرة للاحتفاظ بالماء لاوقات الجفاف والجفاف الممتد فاستعانة في ذلك بجزوع اشجار التبلدي و الآبار التقليدية والسدود المؤقتة والخزانات التي كانت تعرف محليا بالحفاير او الترد حيث تطور الامر لاحقا بعد تدخل الدولة فاطلق عليها اسم السدود بعد ان تم تطوير تصاميمها لزيادة السعات التخزينية .. اذ تمكن هذه السدود المواطنين من تخزين المياه في اوقات الوفرة الناتجة عن هطول الأمطار والفيضانات وجريان الوديان للاستعمال لاحقاً في اوقات الجفاف والندرة لينتج عن ذلك الاستقرار في جانب مياه الشرب و الزراعة وسقيا الحيوان كما تقام أيضاً أحواض صناعية لتخزين مياه الأمطار خلال المواسم المُمطرة، بالرغم من ذلك تظل المياه الجوفية مصدراً رئيسياً للمياه بالنسبة لما يزيد عن 80% من المواطنين في الريف السوداني اذا ان معظم مياه الشرب في السودان مِن الحوض النوبي العظيم الذي يُعد أكبر الأحواض في العالم و السودان.. والذي تقدر مياه ب مليار مترمكعب أو ما يعادل إيراد نهر النيل السنوي لخمسون ألف عام تقريباً .. يحوزُ السودان على 25 % من مساحة هذا الحوض تقريباً.. إذ أن إجمالي ما يقع في السودان يبلغ حوالي 380 ألف كم تغطي ولايات شمال دارفور.. شمال كردفان.. والولاية الشمالية.. حيث تتشار دول شاد وليبيا ومصر ايرادات هذا الحوض العظيم وقد بدات ليبيا ومصر فعليا في استقلاله لفائدة التنمية الاجتماعية لمجتمعاتها المحلية هذا بالإضافة إلى عدد من المصادر المهمة الأُخرى كحوضي البقارة وأم روابة، وأحواض أودية المقدَّم، الملك، وادي هور.

طرحت وزارة الري السودانية ممثلة في وحدة تنفيذ السدود خطتها الخمسية
للعام 2016 – 2020م التي توقف فيها العمل منذ العام 2019 و التي تهدف لتوفير المياه في جميع أرياف السودان تحت شعار معا لسودان خالي من العطش والذي عرف لاحقاً بصفرية العطش.. لإمداد مياه الشرب الى كل ولايات السودان مستندة على قاعدة معلومات الأطلس المائي الذي يعرف بانه مسح معلوماتي جغرافي لكل البلاد رصداً لمصادر مياه الشرب (محطات نهرية، سدود، حفائر، وآبار ) , تم من خلاله التعرف على مناطق الفقر المائي والمصادر المتاحة وخواص مياه الشرب بالولايات وتحديد مدى كفايتها لاستهلاك الإنسان والحيوان والتخطيط لها وفق معايير سليمة لاستخدام أمثل مستدام من اجل رفع نصيب الفرد من المياه في الريف من 00.1 لتر/ اليوم إلى 50 لتر/اليوم ذلك حسب معايير المنظمة الدولية على أن لا تتجاوز مسافة اقرب مصدر للمياه من المستفيدين أكثر من 5 كيلومتر في المرحلة الأولى.. حيث انطلق العمل عبر وحدة تنفيذ السدود لمحاربة العطش بالتنسيق مع شركاء التنمية ممثلين في الصناديق العربية و المنظمات و الوزارات ذات الصلة لإمداد مياه الشرب الى كل ولايات السودان.. مقرة بذلك 7500 مشروع نفذ منها حوالي 2000 مشروع مائي موزع بين سد؛ حفير؛ بئر يعمل بالطاقة الشمسية.. علي مستوي ولايات السودان كافة.

نجد ان مرور النيل الأزرق والابيض و نهر النيل في الوسط والوسط الشرقي للسودان ادي إلى وُجود مناطق تمتلك مصادر مائية جيدة بالمقابل هناك مناطق تعاني الفقر المائي مما جعل خطة التنمية تتجه نحو توفير المياه من مصادر بديلة لسد العجز في هذه الولايات حيث يعتمد سكان تلك المناطق على الوديان الموسمية الناتجة عن هطول الأمطار .. نتج عن ذلك اختلال في توازن توفر المصادِر المائية مما جعل الدولة ملزمة بالتدخل في وقت من الأوقات بمشروعات مائية تساعد في احداث التوازن المطلوب لتحقيق الاستقرار اللازم والحد من الهجرات من الريف للمدن.. بِالإضافة إلى ان ندرة المياه كانت سببا رئيسياً في نشوب النزاعات حول المصادر المياه والمرعي وضعف خدمات التعليم والصحة.

عملت الحكومات الي معالجة هذه الإشكالات مع العديد من الصناديق العربية والبنك الافريقي للتنمية وعدد من المنظمات و الفاعلين المحليين إلى تمويل مشروعات حصاد المياه في ولايات دارفور وكردفان وعدد من الولايات الاخري بجانب إنشاء السدود والحفائر والابار الجوفية المعتمدة علي الطاقة الشمسية مما ساعد في استقرار المُجتمعات المحلية وعزز الامن وزاد من نجاح فرص السلام والاستقرار الاجتماعي.. كما مكن من قيام النشاط الزراعي كذلك ساعد هذا المجهود في الاستفادة من المياه الجوفية التي تشكل مصدراً رئيسياً لمايقارب ال 80 ٪ من السكان في السودان .

من ناحية اخري نجد ان الخطة التي طرحتها الحكومات المتعاقبة قد تاثرت مؤخراً بالاستقرار السياسي الذي تعيشه بلادنا خلال الفترة الماضية مما اثر سلبا علي توقف العمل وتشريد الخبرات وتدفق اموال المانحين الاقليميين في جانب مشروعات حصاد المياه علي وجه الخصوص رغم المنحة الموقعة مؤخراً مع المملكة العربية السعودية عبر البنك السعودي للتنمية بمبلغ (100) دولار والتي اعلن عنها عبر وحدة تنفيذ السدود موزعة على خمس سنوات.. لتنفيذ (500) محطة مياه بعدد من الولايات .. الا انها غير كافية بالنظر لحجم الفجوة المتوقعة في شح المياه بجانب توقف الصيانة في المشروعات المائية المنشأة من قبل في ظل شح الموارد وعدم قيام مشروعات جديدة خصوصا في ظل الندرة المتوقعة للامطار خلال الفترة المقبلة مما قد ينتج عنه تجدد النزاعات بين السكان الباحثين عن المياه والمرعي بجانب بحثهم عن التعليم والغذاء والذي يتوقع ان يترتب عليه مزيد من الهجرات من الريف الي المدن التي تعاني هي أيضآ من ضعف خدمات المياه والطاقة والخدمات الاخري مما يشكل عليها ضغطا كبيرا يستوجب تدخلا استثنائيا من الحكومة للسيطرة علي ماتواجهه المرافق من اعداد كبيرة تفوق طاقتها الاستيعابية المخططة.

لذلك وحتي نتحاوز ازمات شح المياه المتوقع خلال الفترة المقبلة لابد من العمل علي دعم الكثير من المشاريع الجديدة علي مستوي حصاد المياه او علي مستوي المحطات النيلية او الجوفية وتوفير التمويل اللازم واهمية العمل علي تطبيق خطط عاجلة قصيرة الاجل وطويلة الاجل بجانب تطبيق عدد من المشاريع لتطوير البنى التحتية المتعلقة بالمياه وتنويع المصادر وتوفير الدعم المالي والاداري اللازم لهذه المشاريع عبر الشركاء الاقليميين والدوليين فضلا عن الشركاء المحليين.. بذلك نكون استطعنا القيام بالتحوطات اللازمة لتفادي الازمة المحتملة في شح المياه والذي يساعد بدوره في دعم الامن والاستقرار في الريف السوداني قاطبة والحد من الهجرات للمدن الكببرة واحكام تخطيط الخدمات لكافة المواطنيين بما يساعد في احداث الاستقرار اللازم وصولا للرفاهية المنشودة.؛

بالله التوفيق.

مواضيع ذات صلة

دكتور وليد شريف يكتب : صديق الحلو.. رحيل لثورة ضد السكون

عزة برس

عائشة الماجدي تكتب: السلطان سعد ( أسمحوا لي بالمغادرة )

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: مؤتمر باريس ومتلازمة أزمة الضمير السياسي ..!!

عزة برس

كل الحقيقة عابد سيد احمد اقتراب تحرير الجزيرة بين الأقوال والافعال !!

عزة برس

كتب السفير على الصادق: الإتحاد الأوروبي والحرب في السودان.. تبني السرديات البديلة تشجيع للإرهاب والفوضى

عزة برس

بينما يمضي الوقت.. عام على حرب السودان.. فزلكة.. أمل أبوالقاسم

عزة برس

اترك تعليق