كان قضاء الله وقدره أمرا نافذا، ولا مفر من أمر الله، ونعلم جميعاً بأن أعظم آيات المولى عز وجل الموت، الذي جعله أعظم تجلي للبشرية، تأكيداً على قدرته العظيمة، وحقا الموت مفرق الجماعات، وهادم اللذات، الحمد لله الذي جعل الصبر عند الصدمة الأولى أمرا لابد منه، والدعاء سببا للرحمة.
رحم الله تعالى العارف بالله الشيخ عبد الوهاب الشعراني شيخ الطريقة السمانية الطيبية بمدينة الخرطوم بحري ومنطقة شمبات ونحن إذ ننعيه نعي فيه أخلاقه الفاضلة وحسن خلقه والتواضع الذي جعله كبيرا في نظر كل من قصده في أمر من الأمور ومسألة من المسائل، فمحبته للمساكين وأهل الحاجات لا تخطئها عين، عاش الراحل زاهدا داعياً إلى إصلاح الأمر بالتي هي أحسن، كدأب أهل التصوف الذين يقابلون لؤم غيرهم بالصفح، ولجاجة من لا يعرفون للحديث أصوله بالرجاحة، ما تعودنا منهم أن يضيقوا واسعاً، نختلف ونتفق في آلية حبنا لسيد البشر صلى الله عليه وسلم إلا أن لأهلنا في الطريقة السمانية الطيبية فلسفة خاصة يجبرونك أن تتوقف عند ذلك انتباها وتأملا. ومن ما نحفظ لشيخنا الشعراني اهتمامه المتعاظم بالبسطاء، وسؤاله عن أهل الحاجات دون كلل، غير اهتمامه بالدعوة والدعاة والتيسير لهم بقدر استطاعته، ومناداته بالرفق في التعامل مع من يخالفونه الرأي، بجانب تركيزه على الوسطية التي هي روح ديننا الحنيف، علاوة على تركيزه على تجنيب الخطاب الديني العنف اللفظي، حقيقة لا يعرف قدر الرجال إلا من عاصروهم، كثير من الحيران، والمريدين، وأهل التصوف، لحظة مواراة الراحل الثرى، أفاضوا وأجزلوا في ذكر مناقبه.
وهذا قليل من كثير.
شاءت الأقدار أن تكون مصر المؤمنة على قول أبونا البرعي هي آخر محطاته في هذه الفانية، ترحل الأجساد وتبقى السيرة العطرة، أسطرا في كتاب، حروفه بماء الذهب، حواشيه والمتون بنفائس القول، نوافل لا تسع المساحة لذكرها.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، واحشره في زمرة الصالحين، واجعل العاقبة في أبنائه، وألزم أهله ومريديه، وأهل التصوف عامة الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.
