الأخبار

آبعاد الصراع الحدودي السُودانى الأثيوبي وآفاق الحل بقلم: عمار العركي

قرار السلطات السُودانية الأخير بفتح معبر القلابات الحدودي بعد مضى حوالي الستة أشهر من قرار إغلاقه إحتجاجا على قيام قوات أثيوبية – .يُرجح بشكل كبير تبعيتها لمليشيات الأمهرا – بإختطاف وقتل قائد منطقة القلابات العسكرية النقيب بهاء الدين يوسف .
* قراري (الغلق والفتح) دليل آخر على ما ظللنا نقوله ، بأن العلاقة مع أثيوبيا ظلت وما زالت قائمة على ( العلاقات الشخصية للمؤسسات والأفراد عبر آلياتها المتعددة ) دون خطة إستراتيجية شاملة وموحدة عبر آلية متفق عليها ، لذلك غير مستغرب ان يكون الإغلاق إثر واقعة (مقتل) النقيب بهاء الدين ، ويكون الفتح إثر واقعة (زيارة) الفريق اول حميدتي ، او هكذا نستنتج الأسباب لعدم وجود مؤشرات او تبريرات منطقية و إستراتيجية مقنعة.
* تظل هذه الحادثة وغيرها، إحدي أبعاد الصراع الحدودي بين الدولتين ، وان لازال جدل التوصيف مثاراَ حول تشخيص الأزمة الحدودية بين السودان واثيوبيا ، والتي نشبت بسبب إسترداد السودان لآراضيه الزراعية واعادة إنتشار قواته المسلحة علي مساحة تجاوزت حوالي ال 90% بما فيها آراضي الفشقتين (الكبري والصغري) وذلك بعد قرابة ال 25 عاما من الإستغلال الأثيوبي لها ، حيث يجري خلاف في ، توصيف الأزمة الناشئة مابين انه (صراع) بتعريفه الاستراتيجي (تعارض مصالح) ، ووصف مناقض بأنه (نزاع) بحسب تعريف، (تعارض الحقوق القانونية) ، حيث ظلت هذه الجدلية في حد ذاتها احدي العوامل المهمة المتسببة في تفأقم الأزمة ، والتي سنتطرق لها في هذا المقال بالقراءة والتحليل، وصولا لفك هذا الاشتباك بما يُمكن من تحديد وتشخيص حقيقة الأزمة وبالتالي يُسهل تحديد وصفة العلاج.
*حيث نجد أن ملف الحدود بين الدولتين تضخم نتيجة لعوامل عدة ، أهمها تراكم سياسة الإهمال من الحكومات المتعاقبة في البلدين ، خاصة حقبتي (التقراي – الإنقاذ ) اللتان أضاعتا فرص تاريخية لإعادة ترسيم الحدود ووضع العلامات، كما أن (قومية الأمهرا) ظلت العقبة الكؤد في طريق.الوصول لتسوية ، وذلك بسبب أطماعها ومطالبها التوسعية التاريخية علي حساب الآراضي السودانية ،وإستمرارها في حشد مليشياتها سنوياً والقيام بالعدائيات والتعديات لتحقيق مطامعها وفرض سياسة الأمر الواقع، خاصة عقب التغيير السباسي في اثيوبيا والذي، أفضي إلي صعود (أبي احمد) نتيجة لتحالفه الإستراتيجي مع (الأمهرا) ، مما منح الأخيرة نفوذ وتحكم جعلها تعمل علي تحقيق مطامعها التوسعية علي حساب الأقليم الأثيوبية المجاورة لإقليمها ، وبالتالي علي حساب الآراضي السودانية المتآخمة لحدود لإقليم (الأمهرا) ، فيما ظل العامل و الدور الخارجي ببعده الدولي والإقليمي حاضرا بقوة علي المشهد،
* المتابع للمسار التاريخي والسياسي لمسآلة الحدود يجد أن وصف (الصراع) حاضرا وبقوة من خلال منظور (المصالح) بشقيه التعارضي او التماثلي ، بدأَ من إنطلاق المفاوضات لتحديد الحدود بين السودان والحبشة في 15 أبريل 1899، بين ملك الامهرا (منليك) والخبير البريطاني (جون هارنجتون) ، حيث تم الإتفاق علي مسار الخط شرقا حتي منطقة ( القلابات) لتصبح كلها للسودان. ولكن منليك كان تواقاً بشدة لأن يحصل على مدينة (المتمة) ذات الأهمية والمصالح الاستراتيجية والتجارية.
* ناشد منليك، هارنجتون لاعتبارات (عاطفية) أن يُبقي على علمه مرفوعاً في المتمة، وطلب من هارنجتون إبلاغ حكومته بأنه لأجل اعتبارات الصداقة يود الاحتفاظ بالمتمة لارتباطه هو شخصياً وكذلك شعبه بالمتمة،ولأنه يوجد بها مسيحيون ، وقُتل فيها (الملك يوحنا) وأريقت فيها دماء شعبه. لذلك وافقت الحكومة البريطانية على تقسيم المتمة إلى قسمين: بحيث يبقى الجزء الواقع شرقي خور (ابونخرة) في الحبشة ويبقى القسم الغربي في السودان (للفائدة ، نشير هنا علي،أن الملك يوحنا كان قد قُتل في معركة القلابات (مارس 1889) إبان فترة حكم المهدية).
* كذلك كانت آراضي.(بني شنقول) مصدر قلق واهتمام بالنسبة لمنليك، وقد ردّت الوثائق البريطانية ذلك إلى موارد الذهب الموجودة فيها وموقعها الاستراتيجي المهيمن بالنسبة للنيل الأزرق ، رفض هارنجتون الاعتراف للحبشة بأي حقوق في (بني شنقول). ولكنه في نهاية الأمر أبدى استعداده للوصول إلى ترتيب ما يرضي رغبات منليك، وأخيراً تم الاتفاق على أن تُترك (بني شنقول) للحبشة. وفي مقابل ذلك تُمنَح امتيازات التنقيب عن الذهب في (بني شنقول) للشركات البريطانية.
* ومنذ ذاك التاريخ ، تواصلت لعبة المصالح (المتناقضة والمتماثلة) في كل الحقب والأنظمة الحاكمة في البلدين وصولا لحقبتي (الإنقاذ – البشير) في السودان ، و(جبهة التقراي – ملس زناوي) في أثيوببيا ،اللتان أضاعتا فرصة تاريخية لإعادة ترسيم الحدود ووضع العلامات وهو الأمر الذي كان متيسراً حينها باعتبار العلاقات التي كانت تربط الجانبين ولكن المصالح السياسية الضيقة لكل نظام طغت علي المصالح القومية لكل بلد.
* كما ظلت قومية (الامهرا) في اثيوبيا تقف حجرة عثرة امام عملية ترسيم الحدود ووضع العلامات الدولية علي الشريط الحدودي بين السودان واثيوبيا وتمارس كثير من الضغوط السياسية داخل اثيوبيا لاسباب تتعلق باطماع تاريخيه في الاراضي السودانيه .
* الحقيقة الماثلة هي ان كل ما يجري علي الحدود السودانبه الاثوبيه تاريخيا يتصل مباشرة بقومية (الامهرا)، فاتفاقية ١٩٠٢ هي نفسها من صُنع (منيلك) ملك (الامهرا) كما ان الاتفاقية نفسها كتبت بلغتين هي الانجليزيه ولغة (الامهرنجا) علي الرغم من ان النص الرسمي اعتمد باللغة الانجليزية.
* الدافع الأثيوبي ، او بالاحري وعلي سبيل الدقة -. الأمهراوي – كان ولا زال بسبب (مصالح) اشد خطورة من تلك (التعارضات القانونية والتاريخية ) التي يتم تناولها عند توصيف الأزمة دون الغوص في الأعماق ، وذلك ممثلا في المصلحة (العقدية والاعتقادية)، والاعتقاد الديني اليهودي المقدس بأن أرض القشقة هي (ارض الميعاد ، ارض الهيكل ، ارض النبي سليمان…. الخ ) ،
* وهنا تبرز معالم (الصراع) وفك الإشتباك الذي نحن بصدده ، ونجد التفسيرات لدوافع التدخلات الدولية والإقليمية بكل النفوذ والمقدرات السياسية والإقتصادية الكافية لترجيح كفة مصالحهم.
* بالمقابل نجد الطرف الآخر (السودان ) يدخل المعركة بدون تحديد إسترتيجية واضحة المعالم ،أو الحد الأدني من توصيف وتشخيص الأزمة ، ويتضح للمتابع بأن السودان يعتمد علي (التاريخ والقانون) وبدوافع أقل تأثيرا وأثرا (وطنية سيادية) ، حتي هذا الدوافع قابلة (للتفاهمات والتنازلات ) وصاحبها قصور واهمال رسمي متعمد طيلة هذه السنين، إضافة إلي التعويل والرهان علي التحديات والأزمات الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية فى أثيوبيا .
* فبالتالي عندما نأتي لتحليل الموقفين ، بغية الإستنتاج والتنبؤ بالمألات ، نجد ان القضية اعقد ومتشابكة وتتخطي مميزات الهيمنة والسيطرة العسكرية السودانية الراهنة علي الأرض ، وتخضع لمعايير (الحرب المقدسة) للامهرا ذات الخلفية والدافع العقدي ( مسالة حياة او موت).
* فبالتالي الأمر يتطلب وضع (خطة إستراتيجية للتعامل) عبر آلية مختصة تصطصحب تلك الآبعاد والعوامل ، وبمشاركة واسعة وفاعلة من الخبراء والمختصين ومراكز الدراسات .

مواضيع ذات صلة

اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الازمة بولاية الخرطوم تُقر جملة من المبادئ

عزة برس

والي النيل الأبيض ولجنة الامن بالولاية يتفقدون الارتكازات الامامية للقوات المرابطة بمحلية القطينة

عزة برس

المتحدث بإسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح ينفي وجود تفاهمات مع قوات الدعم السريع

عزة برس

Towards a Brighter Tomorrow: India’s G20 Presidency and the Dawn of a New Multilateralism Prime Minister of India Narendra Modi

عزة برس

الاستخبارات تلقى القبض على خلية تتزعمها فتاة بمروى

عزة برس

إجراءات أوروبية لتهدئة الأوضاع المتفاقمة في السودان

عزة برس

اترك تعليق