المقالات

تأملات.. جمال عنقرة يكتب: السودان .. انتهي زمن المحاصصات والمساومات

لم يكن هذا هو العنوان الذي كتبت تحت مظلته هذا المقال، لكنني غيرته في الأخير، حتى لا يكون صادما للبعض، أو أن يسيئ آخرون فهمه، العنوان الأول كان “السودان.. انتهي زمن المبادرات” لكنني – فضلا عن ما ذكرت سابقا – خشيت تعميم الخاص علي العام، والمبادرات التي أعني أن زمانها قد انتهي هي التي لا يزال أصحابها يسعون لإيجاد مشروعية لتشكيل أجهزة حكم تقود ما تبقي من عمر الإنتقال، أو تزيد عليه، وتحت هذه المظلة تدخل أكثر المبادرات التي تعج بها الساحة هذه الأيام، وقد تشملها كلها إلا ما رحم ربي، وتلك كلها لم يعد لها وجود في واقعنا اليوم.
فعلي الرغم من عظمة ثورة ديسمبر المجيدة، التي تتمثل في مشاركة كل أهل السودان تقريبا في صناعتها، لكنها – وللأسف الشديد – ضلت الطريق منذ أيامها الأولى، ويتحمل القادة العسكريون الوزر الأكبر في هذا، ذلك أنهم قد وضعوا رأس القوات المسلحة برأس قوي سياسية وحزبية لا قيمة لها، وكان الوضع الطبيعي أن يفعل القادة العسكريون ذات ما فعله اسلافهم قادة المؤسسة العسكرية في ثورة رجب أبريل ١٩٨٥م، فكما هو معلوم أن القيادات العسكرية في أبريل ٨٥ كونوا مجلسا عسكريا انتقاليا من القادة العسكريين، ثم تركوا قادة الانتفاضة المدنيين الحقيقيين يشكلون مجلس الوزراء، وشرع المجلس العسكري مباشرة في الإعداد للانتخابات في الوقت الذي تم الإتفاق عليه، واتاح الفرصة كاملة للأحزاب لتنظيم عملها وترتيب صفوفها، ومخاطبة جماهيرها، وبنهاية العام المحدد اجلا للفترة الإنتقالية، جرت الانتخابات، وأشرف المجلس العسكري الإنتقالي علي تسليم السلطة لمن اختارهم الشعب، وانسحب من المشهد السياسي تماما، تاركا وراءه تجربة هي الأعظم في السودان، وفي غير السودان كذلك.
ولئن عبنا علي العسكريين وضع رأسهم برأس بعض أدعياء الثورة بداية عهدها، فإن العيب التالي والأكبر يتمثل في سوء استغلال من ظن العسكريون والشعب بهم خيرا، وجعلوهم ممثلين للثورة رغم أن دورهم في الثورة لم يكن بالحجم الذي يزعمون، فقدموا في حكومة حمدوك الأولى أضعف عناصر مرت علي حكم السودان، فقدمت القوي التي كانت مسيطرة علي مركزية الحرية والتغيير عناصر محسوبة لها، ولم تكن معروفة للآخرين، ذلك أن في تلك المرحلة كان الإتفاق أن يكون الوزراء والولاة من التكنوقراط غير الحزبيين، فكان أكثر من قدموا يفتقدون للتجربيتين السياسية والتنفيذية معا، فلما جاء سلام جوبا استثمروا رغبة قادة الحركات في المشاركة في الحكم بأنفسهم، فالغوا شرط عدم الإنتماء الحزبي، فقدموا قياداتهم الواضحة في حكومة حمدوك الثانية، وكان هذا بمثابة القشة التي قصمت ظهر الحرية والتغيير.
وهنا يجب أن نقف عند اكذوبة روج لها البعض، ويبدو أنهم قد صدقوها، وصدقها كثيرون معهم من الذين صاروا يسوقون لهذه الاكذوبة التي تدعي أن الخلاف هو خلاف بين المدنيين والعسكريين، وهذا بالطبع كلام غير صحيح، فالخلاف الأساسي هو خلاف بين مكونات الحرية والتغيير، وهو خلاف لم يكن لمبادئ أو سياسات، أو مواقف، بل هو خلاف سببه الأول والأخير نصيب كل طرف من كيكة الحكم، وهذا هو الخلاف الذي شتت شمل الحرية والتغيير، فخرج منها الحزب الشيوعي، وخرج تجمع المهنيين، وجمد حزب الأمة القومي عضويته، ولم يعد إلا للمشاركة في الحكومة بعد سلام سوبا، وقبلهم كانت قد خرجت الجبهة الثورية، وخرج فصيل من حزب البعث، وخرج بعض الاتحاديين، إلى أن انتهت مركزية الحرية والتغيير بما عرفة ب”٤+١”
والإجراءات التي بدأها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من شهر اكتوبر من العام الماضي ٢٠٢١م، بوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة، ليست إنقلابا كما يسميها البعض، ولكنها في الحقيقة محاولة جريئة لإعادة الأمور إلى نصابها، وهي ليس كما يحاول بالبعض تشويهها بوصفها بأنها حكومة عسكرية، وليست كما يقولون تدخلا من العسكريين في الشأن السياسي، فالمظاهرات التي انطلقت في ديسمبر ٢٠١٨م توجهت نحو القيادة العامة للقوات المسلحة، وظل المتظاهرون يهتفون الليل والنهار “شعب واحد جيش واحد” ولم يفعل قادة الجيش أكثر من الاستجابة لمطلبهم، وانحازوا إلى الشارع، وخلعوا الرئيس السابق المشير عمر البشير، ولئن جانب الصواب القادة العسكريون وسمحوا لحزبيين أن يتسلموا السلطة التنفيذية بغير سند ولا تفويض، فبعد ٢٥ أكتوبر بدأ التصحيح بتسليم السلطة إلى مهنيين حقيقيين غير مصنفين حزبيا، لذلك أعتقد أن الحكومة القائمة حاليا سواء في الجهاز التنفيذي أو في الحكم الإتحادي، فهي أنسب حكومة لهذه المرحلة، فالوزراء المكلفون كلهم من داخل وزاراتهم، كلهم بدأوا حياتهم العملية في ذات الوزارت قبل أكثر من ثلاثين عاما، وتدرجوا في الوظائف إلى أن وصلوا أرفع الدرجات. وهذا بالطبع لا يعني أنهم جميعأ يمثلون افضل الخيارات، ولذلك لا بأس من تعديلات داخل ذات الخيارات من داخل الوزارات، بحثا عن الأفضل إلى حين إنتهاء الاجل الذي يتفق عليه لنهاية الفترة الإنتقالية، وذات الشئ يصح بالنسبة للولاة المكلفين، فكلهم من الضباط الإداريين المشهود لهم بالكفاءة، وقد يكون بعضهم في حاجة إلى تغيير ليس لأي سبب سياسي أو مهني، ولكن بحثا عن الأفضل، ويتم ذلك بالتشاور بين قيادة البلد السيادية الإنتقالية، وبين أهل الاختصاص، وليس لحزب ولا قبيلة، ولا اي مكون آخر دخل في ذلك.
ولئن كانت هناك مبادرات يمكن أن تقبل، ستكون فقط بشأن الوقت المناسب لإجراء الانتخابات، وفي كيفية ذلك لضمان حياديتها ونزاهتها، ولكن لا مجال بعد اليوم لأي مبادرة تتعلق بشأن الحكم الإنتقالى قبل الإنتخابات، وعلي المجلس السيادي أن يركز بعد ذلك في تمكين هؤلاء الحاكمين من أداء الأدوار المنوطة بهم، والمتعلقة بحياة الناس ومعاشهم، أما بالنسبة للمبادرين من الخارج، سواء كانوا دوليين، أو إقليميين أو أشقاء، فنقول لهم جميعا سعيكم مشكور، ومن أراد أن يمد لنا يد العون فليكن ذلك في دعم إستقرار بلدنا، واستقرار حال شعبنا، أما أكثر من ذلك، يجب ألا تسمح به حكومتنا الموقرة، وحسنا فعل الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية السفير المحترم الدكتور خالد فرح، عندما لفت نظر بعض السفراء الذين يتمددون بلا حياء في أوصال بلدنا، ويعينهم علي ذلك بعض فاقدي السند، وضعاف النفوس من أبناء شعبنا، واتمني أن تكون رسالة الناطق الرسمي كافية لهؤلاء، ولا يضطروا الحازمين من قادة بلدي لاتخاذ ما هو أقسى من لفت نظر دكتور خالد.

مواضيع ذات صلة

تقرير: 1140 حالة اختفاء قسري خلال عام من الحرب في السودان

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: دعوها فانها مأمورة ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: استفهامات بريئة جدا ؟!

عزة برس

على كل.. محمد عبدالقادر يكتب: دموع مريم… وهروب حمدوك

عزة برس

تمبور السودان عصي على التركيع وصامد امام اعتى العواصف

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: تفسير مفهوم مصطلح (تكنوقراط) انجب مولود مشوه ..!!

عزة برس

اترك تعليق