!*
– يظل مصطلح “الدولة العميقة” مصطلحا حداثيا قيد الدراسة المفاهيمية من حيث الطرح الموضوعي ودلالات الاستخدام .. وفي المقابل نشأ مصطلح “الدولة السطحية” مرادافا لماهية “الدولة العميقة” .. وفي المصطلحين اختلافا ظاهرا وخفيا ولكن لم يقر الباحثين في شؤون نشوء الدولة تطابق لهما في الشكل والمضمون .. فظل إطلاق مصطلح “الدولة العميقة” ملازما لوجود حكومة خفية عميقة في أحشاء الدولة تمثلها مراكز قوى سياسية أو اجتماعية مخفية تعمل تحت الأرض ولا تظهر للعلن بيد أنهم اختلفوا حول أهدافها أو أنها تعمل لصالح الوطن أم تعمل ضد المصالح الوطنية العليا ..
– بين الدولة العميقة” و”الدولة السطحية” نشأ مصطلح أكثر حداثة هو مصطلح “الدولة الراسخة” الذي جاء ليضع حدا فاصلا بين جدلية الاتهام المتبادل بين فريقا “العمق” و”السطح” وعن أيهما أحق في رعاية المصالح الوطنية العليا، ويرى المنظرون في “الدولة الراسخة” جهدا توافقيا يؤطر إلى تعاون “الدولة العميقة” أو التقليل من أثرها في مقاومة التغيير .. وكذلك الأخذ بيد “الدولة السطحية” وكبح تهورها ورعونتها وضحالة طرحها المبني على المواجهة والتخويف لوقف مد “الدولة العميقة” المتجذر والموغل في المجتمع ناهيك عن مؤسسات الحكم في دول قوية وكبيرة فكيف الحال أن كانت الدولة عاجزة وفاشلة تعاني من آفات الفرقة والحرب والأزمات المتلاحقة ..
– “الدولة السطحية” اثناء محاولاتها اليائسة والبائسة لمكافحة “الدولة العميقة” تستخدم في العادة أساليب قديمة وبالية من أجل البقاء وهي تناطح الصخر للنيل من التفاف “الدولة العميقة” التي تعمل أيضا من أجل البقاء والاستدامة .. استخدام تكتيك “الفزاعات” يعد أحد أسلحة “الدولة السطحية” من أجل البقاء .. والفزاعة أو خيال المآتة يقابلهما “الهمبول” في عاميتنا السودانية وهي دمية على هيئة إنسان مصنوعة من القش المخبأ في ثياب وتستخدم “الفزاعات” عادة لإخافة الطيور في الحقول من الهجوم على المحصول أو كأهداف للفت انتباه الثيران الهائجة وفي كل ثمة خطر داهم حال اكتشاف أنها مجرد فزاعة ليس إلا …
– المشهد السياسي في السودان هو مثال حي ومشاهد لصراع “العمق” مع “السطح” في غياب “الدولة الراسخة” التي تعمل من أجل التوافق للخروج من النفق المظلم لذلك شكلت القبيلة حضورا طاغيا ولافتا .. تقدم لمنسوبيها السند والحماية في ظل انتهاج تكتيك “الفزاعات” السائد في ظل الفترة الانتقالية “الانتقامية” وإذا لم ترعوي الحاضنة السياسية من مطاردة “أولاد القبائل” سيرتد إليهم القوس وستذهب ريحهم وتدك حصونهم حين يحتمي الناس بالقبلية والجهوية والمناطقية والرجوع للأسرة والعشيرة لطلب الحماية من جبروت “فزاعة” المصادرات دون وجه حق والسجون دون محاكمة والإفراج والعفو عن كل من له ظهر قبلي يحميه في ظل غياب “الدولة الراسخة” دولة المؤسسات والقانون والعدالة والوفاق والتسامي والتصالح الوطني ..
– استخدام “الدولة السطحية” لتكتيك “الفزاعات” في مواجهة “الدولة العميقة” من مالاته الحتمية انهيار أركان الدولة ما لم تطل علامات ظهور ل”الدولة الراسخة” لإنقاذ الموقف المتأزم .. ولربما سلاح الاحتماء بالقبائل هو أحد منتوجات “فزاعات” “الدولة السطحية” .. فالقبيلة هي أصل الخليقة قبل نشوء الدولة وقد كان النظام الاجتماعي والسياسي في سالف العصور متفرع من الأسرة والبطون والفخوذ والعشائر والقبائل إلى أن أخذت الدولة شكلها الحالي .. ولكن ستظل القبيلة ملاذا آمنا في حال الحرب غير المشروعة والمتكافئة بين الطرفين لأنها الأكثر عمقا وتجذرا في حال ضعف أركان الدولة وغياب سلطة القانون والتماهي مع العدالة من أجل “التفزيع” غير المبرر خوفا من ادعاء عودة الدولة العميقة .. فالرجوع إلى مرحلة ما قبل الدولة هو نتاج طبيعي لسياسات “الدولة السطحية” الرعناء بضربها للنسيج الاجتماعي واستجابتها لمطالب الوقفات الاحتجاجية و”فزاعات” الرفت والتشريد من اجل ازالة التمكين والمصادرات بمبررات ضرب معاقل “الدولة العميقة” ومكافحة توليها زمام الأمور فكان لابد من البحث عن بديل للاحتماء به وجعله ملاذا آمنا في ظل التقهقر الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والسلوكي خاصة فيما يتعلق بالشعارات المحرضة للفتنة بدعاوى الحرب على “الدولة العميقة” و”حلحة صواميلها صامولة صامولة” .. “الدولة الراسخة” هي المخرج من أزمات البلاد فهل من بين نخب الحاضنة السياسية حزب رشيد ؟؟..
