Site icon عزة برس

همس الحروف.. جريمة إفتراضية هزت وجدان الشعب السوداني بقلم : الباقر عبد القيوم علي

 

إذ لم تكن المقاصد من الكتابة هي توصيل الحقائق بصورة مجردة و بأمانة مطلقة فليس هنالك فائدة نرجوها من الكاتب أو ما يكتبه ، على الرغم من أن مفهوم الحقيقة التي ينشد الجميع وجودها بين سطور ما يكتبه الكاتب يعتبر بسيط جداً و يجب أن يكون غير قابل للتأويل ، إلا أن هنالك بعض الناس يريدون لوي عنق الحقيقة لأنهم يعتقدون بأنها عبارة عن قيمة حسابية و يفترضون أن نتائجها تأتي من واقع غير معاش كنسبة و تناسب بين نظرية إفتراضية و واقع ملموس ، فقد يتمكنوا من فرض رأيهم و توصيل صوتهم إلى الناس و إقناع البعض بإسلوب إفتراضي فقط ليس له علاقة بالواقع .

يحاول البعض فرض رأي معين و بفهم معين لا أساس له ، و يكون ذلك كرسالة سريعة تنتقل بين الناس كسرعة إنتقال النار على الهشيم على طريقة (أنسخ ، ألصق) ، ويكون الهدف منها غالباً التشويش ، و خلط الأكوام لتحقيق بعض الاهداف التي تكون  فى الغالب لها بعدها الإستراتيجي ، و كأنهم لم يدرسوا عواقبها الوخيمة التي ستترتب عليها ، و خصوصاً أن أمر هذه الرسائل قد يأخذ حيزاً ضخماً عند الناس لانها تعزف على وتر شديد الحساسية و هو التشويق لأجل الإستزادة من الأخبار التي تدور حول الموضوع الذي تم الترويج له ، و غالبا ما يكون ذلك في الأجواء العكرة ، ذات الأرضية الخصبة لإنبات الشائعات ، فيستطيع بذلك مروج هذا الموضوع المعني إقتياد عدد من الناس خلفه و خصوصاً إذا كان موضوعه خاص و ذو حساسية شديدة .

هذه الثورة ثورة وعي و لقد تم بناء ثوابتها على حقائق لها أوتاد ضاربة في أعماق الأرض ، حيث لم يسمح الثوار من أصحاب الوجعة الحقيقين لأنفسهم بورود حوض الشائعات أبداً ، و ذلك لإيمانهم التام بأن المكاسب التي تأتي عبر الصدق أنفع و أجدي من التي تأتي على ظهر الكذب ، و كذلك لوعيهم التام بتأثير ذلك على الأمن القومي ، لأنهم لا يخلطون الفهم بين الحكومة و الوطن  ، فأخطر هذه الشائعات هي التي ترتبط إرتباطاً مباشراً بالأمن المجتمعي ، و لخطورة ذلك عليهم في المستقبل القريب حينما تصبح سلوكاً عادياً  ، لأنها من الممكن أن تصبح من الثوابت كفعل مبرر يقره المجتمع ، و سوف يصير من الأدوات المبتذلة التي يسهل إستخدمها عند الإختلاف في الرأي ، و سيكون وقعها على مؤسسها كإرتداد السحر على الساحر ، لأن ما يتم إستخدامه اليوم يمكن إن يستخدمه عدوك ضدك غداً  ، و لذلك  تعد الشائعات التي تحمل صوراً قبيحة في بعض المشاهد المهزوزة التي لا تشبه سلوك مجتمعنا من أخظر أنواع الأسلحة ذات الحدين ، و سينكشف مدى صدقها حينما  يبحث الناس في أصلها و مصدرها عاجلاً أم آجلاً ، و وقتها ستخصم كثيراً من رصيد الثورة ومن مخزون مصداقية ثوارها إذا ثبت بالدليل القطعي أنها كانت كذبة (بيضاء) كما  يحب البعض أن يخفف من وقع إثمها بعبارة بيضاء .

تسقط المجتمعات دائماً إذا أقرت الفواحش كسلوك معترف به و كممارسة طبيعية دون أن يمتعض لوقوعها وجه أحد من أفرادها ، فكل المجتمع السوداني يقف موقفاً موحداً ضد جرائم الإغتصاب بصورة عامة ، و التي يمكن أن يكون الضحية فيها رجل أو إمرأة ، طفل أو كهل ، حيث لا يهم الجاني النوع أو السن لأن مقصده هو القتل المعنوي للضحية و المجتمع معاً ، و هي جريمة لا تٌفعل من أجل متعة الجسد أو إرواء ظمأ الغرائز ، و خصوصاً تلك التي روج لحدوثها في وسط الخرطوم ، في مظاهرة يوم 19 ديسمبر ، و التي كانت أشبه بغزوة الخندق في كرها و فرها و عفرها و بمبانها ، و لأن جغرافية مسرحها لا تسمح بوقوعها أبداً، فحقيقة إن الظرف كان معقداً و شديد الصعوبة ، و هذا ما قادنا إلى أن مرتكب هذه الفعلة الشائنة لم يكن إنساناً عادياً مثلنا ، حيث أننا لا ننكر حدوثها لأن هنالك كثير من الثوابت التي كان يتصف بها الشعب السوداني بدأت تتغير في الآونة الآخيرة ، و لهذا يصعب علينا تصديقها أيضاً ، و ذلك ليس من باب تكذيب من روج لها و كما ليس دفاعاً عن من قام بها .

و لكن من حقنا كشعب محافظ أن تنجلى أمامنا الحقائق كاملة و بصورة أكثر وضوحاً على أرض الواقع ، و خصوصاً أننا لم نستطع تقبل هذه الصورة التي تم بها تداول هذا الموضوع في وسائل التواصل الاجتماعي ، فمن الوجب أن نتعرف على هوية الضحايا ، لأن هذا الأمر لا يطال المعتدى عليهم لوحدهم ، و أنما يمس كامل الشعب السوداني ، و لهذا وجب على الضحايا الخروج إلى العلن ليحدثونا نحن عن وقائع هذه الجريمة ، و كما يجب تدوينها في مضابط الشرطة من أجل إثباتها حتى لا يفلت الجاني من العقوبة ، و خصوصاً أن جريمة الإغتصاب لا تخصم شيئاً من شرف المجني عليهم أو أسرهم كما يتم الترويج لذلك ، و أنما هي جريمة تخصم من الشرف العام لكامل الشعب ، فهي ليست عيباً في حق الضحايا ، لأنها يمكن أن تحدث لأي إنسان بغض النظر عن نوعه أنثى أو ذكر ، كبير أو صغير ، و لهذا يجب أن تتوفر كل عناصر إثباتها و خصوصاً وجود الضحايا الحقيقين و ليس الإفتراضين ، فكيف علينا أن نصدق حدوث جريمة بشعة كهذه مست كل بيت سوداني ، حيث توفرت كل أركانها و تم تحديد هوية الجاني و الجهة التي يتبع لها و مكان مسرح الجريمة و غابت عن المشهد الضحية ، فكيف تكون هنالك جريمة حقيقية بهذه الأبعاد ناقصة الأضلاع ، و فاقدة لأهم عناصرها ؟!! .

*ويبقى السؤال الأكثر أهميةً ما زال مطروحاً و يبحث عن إجابة شافية : هل يستطيع الذين جاءوا بهذا الأمر من تكملة إجراءات هذا البلاغ سيئ الإسم بصورة شفافة ، و بدون تعتيم بإكمال الضلع الثالث الذي يمثل قاعدة المثلث و هو إظهار المجنى في حقهم ، أم سيكون بلاغاً من طرف (مجهول) و ضد مجهول آخر في شخصه و لكن معلومُ وصفه و الجهة التى يتبع لها ، و هذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة إن شاء الله كما يقول المثل المصري : (يا خبر بفلوس ، بكرة ببلاش) .

Exit mobile version