أي جريمة كانت إذا ما اكتملت أركانها المادية والمعنوية فحتماً سيقدم فاعلها إلى محاكمة عادلة وفقاً للمواعين القانونية ، و لا أحد فوق القانون فكل الناس سواسية أمامه ، حيث تعتبر الجريمة مسؤولية فردية يحاسب القانون من قام بإرتكابها و لا تحاسب معه المؤسسة أو الجهة التي أتى عبرها إلي مكان تنفيذها ، لأن هنالك بعض الناس يستغلون بعض الحالات مثل المظاهرات التي تصاحبها بعض حالات الفوضي و ينفذون من خلالها ممارسات سالبة (بحسن أو بسوء) نية ، فتندرج أفعالهم تلك تحت طائلة الأفعال المخالفة للقانون ، و المسؤولية تجاه ذلك تكون فردية تطال كل من يقوم بإرتكابها ، و لا تتعرض لكل الذين حضروا في ذات المكان التي حدثت فيه الجريمة ، فكل الجرائم يتعرض صاحبها للمحاكمة إلا جريمة واحدة فقط ، و هي جريمة الإنتحار و ذلك لأن المتهم فيها يكون قد غيبه الموت عن الحضور ، و ما عدا ذلك فكل أنواع الجرائم يعرض فاعلها على القضاء و تبت المحاكم فيها .
هنالك ثماني شباب من الثوار يواجهون إتهاماً مباشراً بإحراق قسم شرطة الصافية ، و قد تم تصديق الضمانة لإجل إطلاق سراحهم من قبل النيابة العامة بشرط إيداع مبلغ “21” مليار جنيه أي ما يعادل 47 ألف دولار ، و ذلك حسب حجم التلف الذي حدث بهذا المركز ، حيث قامت هيئة دفاعهم باستئناف القرار لإطلاق سراحهم بالضمانة العادية ، و لأن المبلغ يعتبر ضخماً و خارج مقدور و إستطاعة هؤلاء الشباب لذلك تم وصفه بالتعجيزي و لهذا طالبوا النيابة الأعلى بمراجعة القرار .
لا شك أن التظاهر (السلمي) حق مشروع ، و من الحقوق التي كفلتها الدساتير و حقوق الإنسان ، و لهذا يجب أن تتاح للمتظاهرين الفرصة الكاملة للتعبير عن رأيهم دون أن تعترض الدولة طريقهم أبداً ، أو تكبحهم عن هذا الحق بأي مظهر من مظاهر العنف ، إلا أنه في بعض الأحيان قد تنحرف المظاهرات عن مسارها وتتحول بعد ذلك بفعل فاعل من المندسين و أصحاب الغرض إلى نشاط تخريبي قد يستهدف المؤسسات و الممتلكات العامة أو الخاصة ، أحياناً بالحرق كما حدث ذلك لقسم شرطة الصافية في الأحداث الأخيرة ، أو بالتدمير كما حدث لسور حديقة منتزه المقرن العائلي من خراب شامل ، و مثل هذه الأفعال حتماً ستخرج المظاهرة و المتظاهرين من وجهتهم السلمية ، لتخدم بعد ذلك أجندة معينة تصب في مصلحة بعض الجهات صاحبة الغرض و التي لا تريد لبلادنا خيراً ، فكلنا نقف مع التغيير و نطالب بحقنا كاملاً في التعبير عن أرائنا (ضد أو مع) الحكومة ، و لكننا في نفس الوقت نرفض و ندين و نشجب ونستنكر بشدة كل المظاهر السالبة و المدمرة للبنى التحتية لمؤسسات الدولة (العامة منها و الخاصة) ، فمثل هذه الأمور مرفوضة تماماً و مستهجنة لأنها تعتبر مخالفة لصريح القانون ، ومن حق الحكومة ألا تتسامح أو تتساهل مع مثل هذه الممارسات التخريبة التي تنتهك حرمة القانون نهاراً جهاراً ، و كذلك في نفس الوقت ندين نستنكر بأقوى العبارات إستخدام القوة المفرطة التى يتم إستخدامها من قبل الدولة ضد المتظاهريين و يمكن أن تؤدي إلى سلب حق الحياة ، و هنا نتوقف قليلاً للترحم على الذين مهروا بدمائهم الطاهرة الثرى لترتقى أرواحهم الى الثريا من أجل هذا الوطن ، فنسأل الله أن يتقبل شهادتهم في سبيله و كما أسأله عاجل الشفاء للمصابين .
يجب أن يعي المواطن أن هذه المرافق العامة هي ملك للشعب و لقد تم بناؤها من حر مال الشعب ، و هي رصيد قومي غالي الثمن يجب الحفاظ عليها كما الملك الخاص تماماً و أكثر من ذلك ، لأن نفعها يعود إلى كافة المواطنين ، فيجب أن نغرس في أذهان أبنائنا أن التعليم في جوهره هو عبارة عملية اجتماعية عامة ، و كل مقاصدها تصب في الفائدة القومية العامة قبل الخاصة ، فالطبيب و المهندس و الفني و التقني و العامل ، فكل نفعهم يعتبر نفع عام ، و لقد تعلموا من أجل الخدمة العامة لهذا الشعب ، مع العلم ان هذا الدور لا يتعارض مع مصالحهم الخاصة ، و هذا يعني أن محصلة التعليم تصب كلها في مواعين الوسط الاجتماعي القومي الذي يتعلم فيه المتلقي ، حيث تبتدي المسألة التعليمية بإعداد الفرد كي يكون متوافقاً و متصالحاً و مفيداً للبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ، ولهذا لا يجوز أن تغفل في تربيتنا لأبنائنا عن التربية الوطنية التي تحرم تخريب المرافق العامة كما حثنا ديننا الحنيف على ذلك ، إذ علمنا أن إماطة الأذي عن الطريق صدقة ، و كما حرم علينا رمي الأذي في مصادر المياة ، و دعانا للحفاظ على كل المرافق و الممتلكات العامة .
لقد بدأ الشباب في نشر هذا الوعي الراقي كما رأيناهم في مسيرة يوم 19 من ديسمبر ، حيث كانوا يشكلون حلقات مع بعضهم البعض و هم يشدون بأيدي بعضهم كدروع بشرية من أجل حماية المرافق العامة حتى لا تصلها أيادي المخربين الذين يكثرون في وسطهم ، و هذه تعتبر محمدة يجب إبرازها للمجتمع من أجل أن يتعلم من هذا السلوك المخربون الذين يقومون بهذا العمل بصورة عفوية و بدون تخطيط مسبق ، فهم يحملون المرض و يفعلون الخراب و لكن يكون ذلك بدون غرض ، و مثل هذا السلوك يعتبر من الدروس المفيدة التي تبث الوعي .
و لهذا أتقدم بمبادرة لأجل إحتواء قضية الشباب الذين تم إتهامهم بحرق قسم شرطة الصافية ، و أرجو من سعادة الفريق أول شرطة حقوقي عنان حامد محمد عمر ، في موقعه الجديد كقائم بأعباء وزير الداخلية و مدير عام قوات الشرطة أن يسعي من أجل تصحيح العلاقة بين الشباب و الشرطة ، و القيام بقتح صفحة جديدة مع هذه الشريحة من الشباب من أجل ترسيخ العلاقة لإستعادة الثقة المفقودة بين هذا الجزء من الشعب و شرطته ، مع القيام بفتح باب حوار بناء يعزز مفهوم الدور الشرطي المدني الذي تقوم به مؤسسة الشرطة في خدمة هذا الشعب في كل مناحي الحياة ، و لذلك أرجو من قيادة الشرطة القيام بالتنازل عن حقها الخاص و العام تجاه هذه القضية و سوف نقوم نحن كأجسام مجتمعية بحملة قومية يجب أن تساهم معنا فيها قوات الشرطة نفسها مع بقية المؤسسات الأخرى (العامة و الخاصة) من خلال واجباتها تجاه المسؤولية المجتمعية ، و كما يجب أن يشارك في هذه الحملة عوام الشعب ، و التجار ، و الصاغة و خصوصاً أصحاب المحال بسوق سعد قشرة و شارع المعونة لإعادة إعمار هذا القسم بصورة أفضل من ما كان عليه في السابق ، و لهذا أرجو من سعادة مدير عام الشرطة و السيد النائب العام العمل على إنجاح هذه المبادرة بإطلاق سراح المتهمين بدون قيد أو شرط ، و لتكن هذه المبادرة كتمرين جيد يعزز الثقة بين مؤسسات الدولة و الشباب .. و الله من وراء القصد .
