المقالات

د. حمدوك ليس ضعيفاً، ولكنه حكيم بقلم: د. علي مالك عثمان

(١)
بعد التصريحات النارية التي أطلقها كلاً من الفريق البرهان ونائبه حميدتي ضد المدنيين بالأمس وأول أمس، بُعيْد محاولة الإنقلاب الفاشلة، تعالت أصوات كثيرة متسائلة عن سرِّ هذا الصمت من المكون المدني عموماً، و د. حمدوك خصوصاً، في عدم الرد القوي والصريح على المكون العسكري، ومكاشفة الشعب بالحقائق، خاصة وأن الجميع يعلم مدى تقصير المكون العسكري في القيام بالمهمة التي تعهَّد بالقيام بها، ألا وهي حفظ الأمن، والذي أصبح الآن الهاجس الأول للمواطن، متقدِّماً على ضغوطات الجانب الإقتصادي، الذي شهد استقراراً واضحاً خلال الفترة الماضية في تَـوَفُّر السلع الأساسية، وانعدام الصفوف، ومؤشرات التضخم الآخذة في الانخفاض، واستقرار سعر الصرف، مما جعل الناس تتساءل عن الجهة المقصِّرة حقيقة في القيام بواجباتها.. كثيرون فسروا هذا الصمت على أنه ضعف وخوار من المدنيين – وعلى رأسهم د. حمدوك – في التصدي للعسكر. ولكن هل الأمر هو كذلك فعلاً؟!

(٢)
في تقديري الأمر ليس ضعفاً ولا جُبْناً من د. حمدوك في مواجهة العسكر، ومكاشفة الشعب بحقائق من يُعطل الفترة الانتقالية حقيقة، ولكنها الحكمة التي ترفض أن تنزلق بالبلاد في آتون معركة قد تنتهي بتمزيقها، وضياع مكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة. وفي السطور التالية سنقول لماذا..

(٣)
أولاً.. د. حمدوك لا يريد أن يكون مصيره مصير الإمام الحسين عليه السلام، عندما زيَّـن له أصحابه أمر الخروج على يزيد بن معاوية – وكان معه كل الحق في الخروج عليه – ووعدوه بالنصر والتأييد، فلما خرج خذلوه ولم ينصروه، فكانت مأساة كربلاء العظيمة. وهذا يؤكد أنه لخوض المعارك السياسية لا يكفي فقط توفُّر جانب الحق، ولكن لابد من توافر أدوات ووسائل خوض المعركة، وهذا في تقديري ما يدركه د. حمدوك جيداً..

(٤)
ثانياً.. في ظنِّي أن د. حمدوك ينظر للحالة الأمنية العامة للبلد، وكثرة الجيوش الموجودة فيها حالياً، وأخشىٰ ما يخشاه أن تنزلق الأوضاع، وتخرج الأمور عن نطاق السيطرة، وذلك لأن المتحاربون الداخليون كثر، وهذا حتماً سيفتح الباب واسعاً للتدخلات الخارجية، وهو الشيء الذي يجب أن يخاف منه د. حمدوك، وأي شخص آخر في منصبه، حادب وحريص على بلده. ومعلوم أن الرجل لا يريد تحقيق نصر شخصي على خصومه، ولكنه يريد العبور بالبلد إلى بر الأمان، وذلك بإيصال الفترة الانتقالية إلى نهاياتها، وتحقيق أهدافها..

(٥)
ثم أنه معلومٌ أيضاً أن طبيعة المعارك التي تخوضها الجماهير يجب أن يكون العدو فيها واضحاً جداً لأصغر طفل في الشارع، ولا لبس فيه، حتى يدخل الشارع هذه المعركة وهو متوحِّدٌ في صفوفه، واستراتيجيته، ورؤيته، وأهدافه. وهذا يستلزم الصبر على الزمن، حتى تنكشف كل حِيَل، وألاعيب، ودعاوىٰ، وأكاذيب الطرف المقابل، وتسقط كل حججهم التي يُسوِّقونها للرأي العام، لأن المعركة في المقام الأول هي معركة وعي، وسلاحها الأمضىٰ فيها هو الوعي..

(٦)
أيضاً خوض هذه المعركة يتطلب وحدة القوىٰ المدنية خلف د. حمدوك، لأن المعركة قد تطول، وقد تُـدْخِل البلد في حالة من الشلل، تتعطل معها مصالح الناس، وتتحول حياتهم إلى جحيم. ومعروف أن التأييد الشعبي مهما كان قوياً قد لا يستمر إذا ضاقت الحياة بالناس..

(٧)
أيضاً يجب أن تكون الرؤية واضحة للجميع فيما يجب عمله بعد النزول للشارع، والاعتصام في الميادين، وذلك لأن هذه الخطوة وحدها غير كافية لتحقيق النصر النهائي على العسكر، لأنه بعد أن تصل الأمور لخانة المواجهة بين الطرفين، سيتمترس كل طرف في خنادقه، وستتحول المواجهة إلى ستاتيكو، وإذا طالت سيكون الزمن عاملاً ضاغطاً على قوىٰ الثورة، وستخرج عندها أصوات تنادي أن هَلَكَ الناس، فلابد عندها بالتالي من خطوة مفصلية هجومية، تكسر جمود المواجهة، على شاكلة الهجوم على القيادة العامة للجيش، واحتلالها من قِبَل الثوار، فهل الناس مستعدة لمثل هكذا إحتمال؟ وهل لازال هناك ضباط شرفاء داخل القوات المسلحة سينحازون للثوار عندها؟ أسئلة يجب أن تكون لها إجابات واضحة قبل الخوض في أي مغامرة..

(٨)
هنالك أيضاً مسألة يجب ألا تكون خافية على أحد، وهي أن خوض الطرف المقابل، أي العسكر، لمعارك داخل هذه المواجهة المفتوحة منذ حادثة فض الاعتصام، وخسارتهم المتكررة لهذه المواجهات، يُعتبر في تقديري نصراً كبيراً للمدنيين، وهو ما حدث بعد هذه المواجهة، وقبلها مواجهة “أدونا تفويض” قبل عدة أشهر. لذا يجب الصبر ومراكمة الانتصارات، لأنها تضعف العسكر وتقوي من جانب المدنيين.

(٩)
أيضاً في تقديري يجب الصبر قليلاً حتى انتهاء فترة البرهان في رئاسة المجلس السيادي، حتى تكون المعركة مُحِقَّة أكثر، وحتى يتم إظهار البرهان والعسكر للخارج بمظهر الذي يخون الأمانة ويتمسك بالسلطة.

(١٠)
عموماً ما يدعو للتفاؤل هو أن المزاج الشعبي الذي طغىٰ على الأسافير في اليوميْن الماضييْن، والذي كان رافضاً جداً لخطابيْ البرهان وحميدتي بالأمس وأول أمس، يرسل رسالة هامة جداً لكل مراقب أن الشارع لازال بخير، ولا يمكن خداعه والتغبيش على وعيه، وهذا ما يجب المحافظة عليه وتعظيمه.

(١١)
ختاماً في ظني يجب عدم الإنجرار لهذه المواجهة إلا إذا تمَّ إستنفاد كل السُّبل لتجنُّـبِها، وتحوَّلت إلى قدر لا فكاك منه، وإلى سُمَّاً لابد من تجرُّعه، وكانت مفروضة من الطرف الآخر، عندها يكون لا مناص من المواجهة. لكن يجب الاستعداد الجيد لمثل هكذا إحتمال، وذلك بتوعية الشارع جيداً، وتنوير العالم الخارجي، وجعله في صورة ما يحدث أولاً بأول، ورسم ماهو مطلوب منه بوضوح، ورصِّ صفوف القوىٰ المدنية خلف الحكومة، وحشد لجان المقاومة في الأحياء، وتحديد ماهو مطلوب منها، وساعة الصفر لتدخلها الحاسم في المعركة، وقلب الطاولة وترجيح الكفة، لأنها سلاحٌ قوي جداً جداً إذا أحسن استخدامه.. وليحفظ الله السودان.

مواضيع ذات صلة

تقرير: 1140 حالة اختفاء قسري خلال عام من الحرب في السودان

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: دعوها فانها مأمورة ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: استفهامات بريئة جدا ؟!

عزة برس

على كل.. محمد عبدالقادر يكتب: دموع مريم… وهروب حمدوك

عزة برس

تمبور السودان عصي على التركيع وصامد امام اعتى العواصف

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: تفسير مفهوم مصطلح (تكنوقراط) انجب مولود مشوه ..!!

عزة برس

اترك تعليق