المقالات

في الدعوة للإنتخابات المبكرة.. بقلم : د. علي مالك عثمان

 

 

عادت للسطح هذه الأيام الدعوة التي كانت قد تكررت سابقاً لعقد انتخابات مبكرة، تكون سريعة ومباغتة ولا تُمكِّـن كل الأطراف السياسية من الاستعداد الجيّد لها، والمشاركة فيها بقوة، لأن من يملك المال الآن، والكوادر المنظمة، هو من يُظَن أنه يستطيع الفوز بها.. بالتالي ليس غريباً أن تكون دعوة الانتخابات تلك يقف خلفها من وراء ستار جهات تملك المال الآن، وتريد كلفتتها على أي نحو، وذلك لوقف الترتيبات السياسية الجارية الآن، والتي أضعفتها وستضعفها كثيراً إذا استمرت، وستقضي على كل ما تبقى لهم من مكاسب راكموها طوال ال٣٠ عاما الماضية..

الدعوة لإنتخابات مبكرة كان أول من دعىٰ لها، عقب سقوط المخلوع البشير وفي بداية تكوين حكومة الفترة الانتقالية هذه، هو الإمام الراحل السيد الصادق المهدي، وكان – رَحِمَه الله – يهدف من خلالها لتحقيق مصالح حزبه الضيقة، وذلك بعد أن كان قد أبرم إتفاقاً غير مكتوب مع عسكر اللجنة الأمنية لعمل تلك الانتخابات السريعة والعاجلة، على أن يُتوَّج فائزاً فيها، وذلك لأنه مهما كانت هذه الانتخابات مزورة، فلن يشكك في نتائجها أحد اذا ما فاز فيها السيد الأمام.. وهذا السيناريو هو ما كان قد عناه الفريق البرهان في بيانه الشهير قبل عامين تقريباً، والذي أعلن فيه فكَّ شراكته مع قحت، ودعا لتكوين حكومة مهام، يكون على رأس مهامها الترتيب لعمل انتخابات في غضون ٩ أشهر على ما أتذكر. وما يؤكد هذا الزعم هو أننا جميعاً نتذكَّر كيف أن السيد الأمام الصادق المهدي كان لا ينتقد أبداً العسكر في كل أحاديثه وخطبه السياسية، بل كانت كُـلَّ سهام نقده يصوَّبها تجاه المدنيين.. أيضاً السيد الإمام كان قد عقد تحالفات مع جهات خارجية، تكفَّـلت بعملية تمويل حزبه في هذه الانتخابات حال انعقادها مقابل الحفاظ على مصالحها في السودان.. يضاف لذلك أن السيد الأمام أيضاً كان متخوفاً جداً من دخول حركات الكفاح المسلح الدارفورية لساحة العمل السياسي، والفوز في في معقله السياسي في دارفور في أي انتخابات قادمة، لذا كان يستعجل قيام الانتخابات المبكرة قبل الوصول مع تلك الحركات لأي إتفاقيات سلام..

كان ذلك كان في الماضي القريب، لكن هذه الأيام عادت نغمة الانتخابات المبكرة للظهور مرة أخرى. ونقول لكل من يتبنىٰ هذه الدعوة – سواء بالحق أو الباطل – أن قيام هذه الانتخابات، في هذه الظروف، لن يُحِلَّ مشكلة، بل سيُعقِّـد الموقف، وذلك لأسباب كثيرة ومتعددة، منها أن هذه الانتخابات، بعد إعلان نتائجها، سنكتشف أنها لم تأت بحزب واحد تكون له الغلبة الواضحة ليشكل حكومة، سواء منفرداً أو من خلال إئتلاف قوي مع أحزاب أخرى، بل ستأتي بكيمان أحزاب صغيرة، ستكون متناحرة ومتنافرة فيما بينها، وستعجز هذه الأحزاب الفائزة عن تكوين حكومة قوية ومتماسكة، تُنفِّـذ أي برنامج أو خطة إصلاح، وبالتالي ستصاب هذه الحكومة بالشلل التام، و سيتعقَّـد معها المشهد السياسي، وستؤدي لإنسداد كامل في الأوضاع السياسية، مما سيمهِّد الطريق لعودة الإنقلاب العسكري مرة أخرى، وذلك لأن نفس الأشخاص الذين يدعون الآن لإجراء الانتخابات المبكرة، هم نفسهم من سيخرج علينا حينها لدعوة العسكر لإستلام الحكم، بدعوى فشل الحكومة المنتخبة وفشل الفترة الانتقالية قبلها.. بالتالي الدعوة للإنتخابات المبكرة تستبطن في طياتها إستدعاء الإنقلاب العسكري، وذلك للفشل الراجح للحكومة المنتخبة القادمة كما ذكرنا..

أضف لذلك أنه لا يمكن عمل أي انتخابات بدون إكمال بناء هياكل الدولة، وكتابة دستور وقوانين تُـفصِّلَه وتنظم عمل الدولة ومؤسساتها، ويرضىٰ بها الجميع.. أيضاً لا يمكن قيام انتخابات بدون مفوضية للانتخابات، وبدون قانون انتخابات، وبدون حسم علاقة المركز والولايات، وشكل الحكم، وتوزيع الصلاحيات وتحديدها، لأنه بدون ذلك قد نحصل على حكومة منتخبة، ولكن عندما تأتي للإضطلاع بمهام الحكم يتبين لنا أنها بدون صلاحيات، تماماً كما حدث مع محمد مرسي في مصر..

الانتخابات الجيدة والمحترمة والتي تؤدي للإستقرار السياسي، والذي بدونه لن يحدث تقـدُّم في كل مناحي الحياة، يا سادتي، لا يمكن إقامتها إلا في دولة حُسِم فيها شكل الحكم، ونُظِّمت العلاقة بين جميع السلطات فيها، وتم وضع دستورٍ دائم فيها، وكُوِّنت فيها مؤسسات دولة نزيهة، كالقضاء والنيابة، يثق فيها المواطن، ويُـلْجَأ إليها للفصل في النزاعات المتوقعة جداً، ويرضى بقضائها وينزل على حكمها الجميع. هذا لأنه متوقع جداً أن أطرافاً في العملية الانتخابية لن تعترف بنتائجها إذا أتت على غير هواها..
بالتالي يتضح من كل ماذكر أعلاه أن هناك مطلوبات وقضايا واجب توفرها لإنجاح أي عملية انتخابية قبل اجرائها، وهذه القضايا والمطلوبات لا يمكن حسمها إلا بالتوافق وتحكيم صوت العقل بين جميع الفرقاء السياسيين، دون إقصاء لأحد، وعبر فترة انتقالية محددة، تدار بالتوافق، ويتم فيها الاتفاق على كل شيء، لأنها تؤسس لبناء بلد، وقيام دولة، وهذا هو ما يحدث الآن في ظني، وهو مخاض عسير وصعب، وطريق طويل، لكن لا يمكن الهروب من السير فيه، والصبر عليه، لأنه لا توجد حلول سهلة.. كما أنه يجب ألا تجبرنا الضغوط الإقتصادية وشظف العيش الحالي، أن يُعطِّل عقولنا ويُعْمِي أبصارنا عن التفكير في العواقب، وتبصُّر المخاطر التي تتنتظرنا حال تعجَّلنا حصد النتائج، وقطف الثمار وهي غير ناضجة..

في الختام هناك قضية هامة جداً ومحورية يجب ذكرها وعدم إغفالها ونحن نناقش مسألة الانتخابات المبكرة، وهي أنه في بلد كالسودان هناك جغرافيا كبيرة منه غير خاضعة لسلطة الحكومة المركزية، فكيف ستُجرىٰ فيها انتخابات إذا لم توافق الحركات المسلحة التي تسيطر على تلك المناطق على إجرائها؟! وطرح هذا السؤال يستلزم منا جميعاً إكمال عملية السلام، وإشراك الجميع في أي عملية انتخابية قادمة. خاصة وأننا كسودانيين قد علمتنا تجاربنا السابقة أن إستمرار الحرب هو أكبر مهدد لأي عملية ديمقراطية يرغب في تأسيسها الجميع.. والسلام.

مواضيع ذات صلة

كلام سياسة.. الصافي سالم أحمد يكتب: وزير الخارجية : ملفات في الانتظار

عزة برس

أجراس فجاج الأرض.. عاصم البلال الطيب يكتب: يا نجوى كلنا فى الحكمة شرق

عزة برس

استراتيجيات.. د. عصام بطران يكتب: إعدام وزير ..!!

عزة برس

كل الحقيقة.. عابد سيد أحمد يكتب: من يستحى لهولاء من؟

عزة برس

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب: من يجرؤ على الكلام..!

عزة برس

محمد عبدالقادر نائبا للرئيس.. الاتحاد العربي للاعلام السياحي يعلن تشكيل مجلس ادارته الجديد.. الاعلان عن فعاليات في مصر والامارات والسعودية وسلطنة عمان

عزة برس

اترك تعليق