نجاح العمل السياسي يعتمد على توافر الإرادة وحسن الإدارة. الثابت أن ثورتنا المجيدة وقعت في فخ عميق نُسأل عنه جميعاً، وعلى رأسنا من انبروا قيادة للمشهد لكون الواقع كشف عن فقر عميق لأدنى المؤهلات في ظل غياب واضح لمنهجية اختيار الجدارات القادرة على إدارة فترة استثنائية لا تحتمل التجريب وإنما التوافق على تكليف من يمتلكون نواصي العبور.
العدالة كانت وما زالت الثغرة التي يعاني منها وطننا الحبيب. معظم الكفاءات القانونية ظلت تنأى عن العمل العام كي لا تتلطخ سمعتها من فشل الساسة في الالتزام بسيادة حكم القانون. الأدهى والأمر أن من يتم اختيارهم يشترط فيهم الإذعان للسلطة الحاكمة وليس الدستور. إذا كنا نعيب على نظام الثلاثين من يونيو تبنيه الكوزنة منهجاً منذ بيانه الأول، فإن مصداقية القيادات السياسية التي أمسكت بمكبرات الصوت بساحة الاعتصام كان مأمولاً فيها مجافاة ذات السلوك فيوفوا بما تعهدوا به ويولوا الأمر لكفاءات حقيقة. التنازع المبكر بين القيادات السياسية أغرى العسكر المتربص على الدخول الصريح في التجاذب، فكانت الاختيارات من شاكلة لينا الشيخ، ولاء البوشي، أكرم التوم وحاجة أسماء وغيرهم.
نقلت الصحف عن أحد قيادات الحرية والتغيير ورئيس مجلس السيادة بأن اختيار رئيس القضاء والنائب العام سيتم بصورة مهنية. مواقع التواصل الاجتماعي للثوار والمهنيين تعج بالتسميات لمن يتوسموا فيهم رد الحقوق. قد لا يدرك البعض أن هناك أسماء خلقت أسمها بمهنية وأخرى أوجدها الإعلام دون أن يكون له رصيد حقيقي في المهن العدلية. الخطأ الذي وقعنا فيه مع بدايات الثورة يجب أن يصحح، فتسمية رموز العدالة كرئيس القضاء، وزير العدل، والنائب العام وحتى رؤساء واعضاء المفوضيات يجب أن تسند للجنة من القانونيين المعروفين والمشهود لهم بالخبرة والنزاهة من شيوخ وشباب المهنة بحيث تتم دعوتهم وتكليفهم بهذا الواجب. يا حبذا لو تبنت هذه اللجنة مقابلات ومعاينات شخصية لمن يقع عليهم الاختيار. بعد هذه المرحلة يجب على اللجنة أن تدعو لمؤتمر صحفي تكشف عن المعايير التي اعتمدتها للاختيار وأسس الاستبعاد.
رئيس الوزراء أصدر قراراً بتكوين مجالس استشارية للوزارات والوحدات الحكومية. كذا أعلنت رئاسة مجلس الوزراء عن فتح باب التقديم لشغل منصب الأمين العام للمجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي ومدير الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس. وددت أن يتبنى مجلس الوزراء تطوير اللجنة القومية للاختيار للخدمة العامة ويعهد لها بمركز إعلامي يجري مناظرات علنية للمرشحين بحيث يكون للمواطن حق المشاركة في اختيار قيادات الخدمة المدنية رحمة بنا من القنابل التي ذبحت العدالة وأضاعت الحقوق.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
20 مايو 2021
