المقالات

الإستراتيجية الأمريكية وتسوية الصراعات الأزمات في القرن الإفريقي.. بقلم : عمار العركي

– أعادت الولايات المتحدة الأمريكية صياغة تصوراتها حول منطقة القرن الإفريقي من الناحية الجيواسترإتيجية، بمفهوم لا يلغي الميزات القديمة وإنما يضيف إليها أبعادا وموضوعات متعدية لحدود التعريفات التقليدية ،
– إنطلقت خطة إعادة الصياغة مطلع العام 2018م،والتي بدأها المساعد السابق لوزير الخارجية الامريكى للشؤون الافريقية (دونالد ياماماتو)، والذي عًين لأحقا كأول سفير أمريكي بالصومال بعد عقدين من الزمان وذلك في إطار الخطة، ليخلفه المخضرم(تيبور بي ناغي)،وفي خطوة تعكس مدي إهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة تم لأول مرة تعيين مبعوث خاص للقرن الإفريقي (جيفري فيلتمان)، وذلك بما يتماشي مع المصالح الأمريكية وما ترتب عليه من تطورات وتغييرات طالت أثيوبيا والسودان وجنوب السودان وتقاربت بين غالبية دول القرن ، الأمر الذي يتطلب إعادة قراءة وتحليل للإستراتيجية الأمريكية الثابتة في ظل تلك المتغيرات .
– كانت الإستراتيجية الأميركية في إقريقيا عموماً قبل الرئيس بيل كلينتون (1993-2000م) ترتكز على تقديم المساعدات والمنح، ثم جاء كلينتون ليدشن قانون (الفرصة والنمو) في أوائل هذه الألفية، والقائم على فكرة المنفعة المتبادلة، إلا أن ترامب سعى إلى إلغاء هذا القانون، ووضع قواعد أخرى، تقوم على تحقيق مكاسب فقط. لذا تراجع حجم الدعم المخصص لأفريقيا في المنظمة الأميركية للمعونات (USAID) إلى أقل مستوى له.
– الأمر نفسه بالنسبة للمساهمة الأميركية في عمليات حفظ السلام والحرب على الإرهاب. بل يمكن القول إن سياسة الولايات المتحدة، وإن أبقت على ورقة مكافحة الإرهاب، من خلال القيادة الأميركية لأفريقيا (أفريكوم)، إلا أنها تسعى إلى تفعيل المهام الأخرى لهذه القوات، ومنها تأمين تدفّق النفط ، فضلا عن مواجهة نفوذ القوى الكبرى، والتي قد تهدد المصالح الاستراتيجية، وبالتالي الأمن القومي الأميركي.
– هذا التوجه الأميركي الجديد في ترتيب الأولويات، وإعطاء الجانب الاقتصادي ومواجهة القوى الكبرى، مكانة أكبر من مواجهة الإرهاب، عبّر عنه بوضوح وزير الدفاع في إدارة ترمب ، جيمس ماتيس، حيث قال (إن تنافس القوى الكبرى، وليس الإرهاب، هو محور تركيز الأمن القومي الأميركي. نحن نواجه تهديدات متنامية من قوى ثورية، مثل الصين وروسيا. هؤلاء الذين يهدّدون التجربة الأميركية) ، وهذا ما أكد عليه قائد (أفريكوم)في كلمته أمام الكونغرس، ، والتي حدد فيها الإطار الخاص لهذه الرؤية الأميركية الشاملة للقارة.
– في إطار منطقة القرن الأفريقي، برز القلق الأمريكي من التهديد الصيني للمصالح الأميركية على مستوى العالم، خصوصا البحر الأحمر، إذا ما احتاجت إلى ميناء رئيسي في جيبوتي، وذلك في أعقاب موافقة الأخيرة على منح بكين أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، ، إضافة للخلافات بين جيبوتي والإمارات بشأن ميناء دوراليه، وإنهاء جيبوتي التعاقد مع موانئ دبي ، وتردّد حينها أنها ربما تمنحه للصين، ما قد يؤثر على طرق الإمدادات اللوجيستية لقاعدة ليمونير الأميركية هناك.
– هذه التطور الجديد جسّده المساعد السابق لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية، ياماموتو، وأكد عليها مساعده والذي حل محله (تيبور ناغي)، والذي حدد في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، رؤية الإدارة الأميركية صوب إفريقيا، والقائمة على عدة ملفات رئيسية، أبرزها الملف التجاري، حيث قال (إن أفريقيا الأكثر ازدهارا وديمقراطية توفر فرصا تجارية هائلة للولايات المتحدة. وفيما يتشابك الاقتصاد العالمي بشكل متزايد، وتمثل أفريقيا حصة أكبر من التجارة العالمية،والشركات الأميركية قادرة على إقامة علاقات أعمق مع القارة الأفريقية)، وهذه الزاوية الاقتصادية كانت أحد المحاور التي ناقشها الحوار الأميركي مع الاتحاد الأفريقي، في أديس أبابا، والذي ركز على قضايا تعزيز النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار والسلام والأمن، إضافة إلى تعزيز المؤسسات الديمقراطية والحكم الرشيد، وتعزيز الفرص والتنمية في أفريقيا.
– ولكن إصطدمت تلك الإستراتيجية بتطورات وأحداث لم تكن في الحسبان ، مثل الإضطرابات الأمنية والتغيير السياسي في السودان وأثيوبيا،نذر الحرب بين الدولتين بسبب النزاع الحدودي فضلا علي أزمة سد النهضة، الحرب الأثيوبية التي إندلعت بين الحكومة الأثيوبية والجيش الإرتري من جهة وجبهة التقراي الأثيوبية من جهة أخري، الأزمة السياسية والدستورية التي يشهدها الصومال، التوتر الحدودي بين الصومال وكينيا وقطع العلاقات بينهم .
– ولكننا نعتقد أن العائق الأكبر تمثل في إدارة الرئيس الأمريكي السابق (ترمب) والذي لم يزور إفريقيا طيلة فترة ولايته ، كما شهدت إفريقيا في عهده تجاهلا متعمدا وخطاب إستعلائي وتحقيري للقارة وقادتها، وبالتالي إفتقر ترمب إلي إستراتجية لمجابهة تلك التطورات والتحديات، وترك الأمر للمسئوليين الدبلوماسيين الأمريكيين والحلفاء الإقليميين في إطلاق مبادرات عامة تهدف إلي الحد من النفوذ الصيني كأولوية، مبادرة (إفريقيا المزدهرة) التي أطلقها مستشاره الأمني (جون بولتون)
– بشكل عام نستطيع القول بأن الإستراتيجية الإمريكية في القرن الإفريقي في حد ذاتها بحاجة إلي إعادة صياغة وإعادة ضبط ،وعلي ما يبدو بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعمل في هذا الإتجاه من خلال تنوع آلياتها الإستراتيجية ،الظهور علي المسرح بثقلها السياسي والدبلوماسي الإقتصادي المباشر وتعيين مبعوث خاص شرع علي الفور في معالجات الملفات الساخنة والملحة، وبالمقابل تحجيم دور الحلفاء الإقليميين والمحسوبيين علي إدارة الرئيس ترمب .
– سيواجه المبعوث الأمريكي الخاص إلى منطقة القرن الإفريقي تحديات ومشكلات كثيرة ، وفي كل الحالات يُنظر إلى المبعوث الخاص (جيفري فيلتمان) الفرصة الأخيرة لتسوية الأوضاع والأزمات ، وعلي الرغم من كل التعقيدات والعقبات إضافة لضيق الوقت خاصة فيما يتعلق بملف سد النهضة والإصرار الأثيوبي علي عملية الملئ الثاني قي يوينو القادم مقابل رفض سوداني وتهديد مصري ، كما إن أزمتي الحدود وحرب التقراي بلغتا مدي بعيد من التعقيد والتشابك ، إلا أن الآليات الإستراتيجية الأمريكية المشار إليها ،والقدرات والإمكانات التي يتميز بها المبعوث الخاص بما قيها كروت الضغط الخاصة بحماية المصالح الأمريكية ، إضافة للثقلً والنفوذً القويً للولايات المتحدة في المنطقة، يؤهلها لتسوية تلك الصراعات والأزمات

مواضيع ذات صلة

وهج الكلم.. د حسن التجاني يكتب: اولاد الجيران…..!!

عزة برس

بحصافة.. البروفسور الحبر.. “فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ“.. إمام محمد إمام

عزة برس

كلام سياسة.. الصافي سالم يكتب: فرص السلام في منبر جدة … تحديات التفاوض الأجندة الخفية

عزة برس

على كل.. محمد عبدالقادر يكتب: وزارة ( المرض).. اقيلوا وزير الصحة

عزة برس

عمار العركي يكتب : زيارة جيبوتي أسمرا ومساعي الحل

عزة برس

كتب عبدالماجد عبدالحميد: إلى من كنا نظن فيه خيراً.. • إلي ابن قرية الياقوت .. • إلي ابن والده الياقوت .. • إلي محمد الياقوت

عزة برس

اترك تعليق